نحلٌ .. وعسل.. بقلم: سامر يحيى

نحلٌ .. وعسل.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٧ يوليو ٢٠١٨

في حديث عام مع أحد الأصدقاء، يذكر أنّه عندما عرضت عليه وظيفة نتيجة تفوّقه بمجالٍ ما في إحدى المؤسسات الحكومية، فوجئ بأنّه حتى كبار من يعتبرهم من ذوي الشأن والمحسوبين على الكوادر الحكومية في منطقته النائية، يستغربون، قائلين له باستهزاء إن هذه المكاتب الحكومية لا يمكن لأيٍ كان أن ينتمي إليها، فهؤلاء طعامهم وشرابهم ونومهم وحياتهم وكل شيء متعلّق بهم يختلف عن البشر العاديين، فهم طبقة ثانية من البشر، فلا يمكن لأمثالك الوصول إليهم..
هذه القصة تتقاطع أيضاً مع قصص غالبيتنا يمرّ بها، حتى ممن هم في سدّة المسؤولية، بأنّ خطأ الموظف الحكومي، ولو كان موظّف استعلامات أو عامل نظافة، مع الاحترام والتقدير لكل الوظائف، تتحمّله المؤسسة بأكملها وحتى الحكومة في الكثير من الأحيان.... والمواطن بطبيعته يشعر بأن الحكومة ومؤسساتها دورها تقديم كل شيء له دون أن يقدّم لها شيء بالمقابل، وأي تقصير من أي مؤسسة يعتبره تقصيراً بواجباتها متجاهلاً أدنى واجباته أو دوره في المجتمع.... وكذلك يرى المواطن بأن الحصول على مكاسب مالية أو معنوية من مؤسسة حكومية أو منظمة أو هيئة أو جمعية مهما كانت تابعيتها وتسميتها أنّه مكسبٌ يجب أن يسعى إليه والحصول عليه مهما كانت مبرّراته، والحكومة الأبوية هي المصطلح المتعارف عليه لدى الجميع،  وهذا طبيعي جداً ومنطقي وطبيعة الحياة هي كذلك.
ولكن التساؤل الذي يجب أن يطرح ويتم البحث عن إجابة له، مسؤولية من تثقيف المجتمع، والتي يكاد كلٌ منا يتحدّث عن الموضوع، تجد المسؤول يتحدّث عن ذلك، والموظّف ورجل الدين، ورجل الشارع، والشاب، ولكن لا نرى أثراً على أرض الواقع، بل مستمريّن بتحميل المسؤولية لا تحمّلها، حتى من يجب أن يتحمّلها يتهرّب من مسؤوليته بمبررات واهية، قد تقنع البعض منطقياً لكنها لا أخلاقية وبعيدة عن المسؤولية، فتحمّل المسؤولية والاعتراف بها يتطلّب البحث عن حلول جدية والبدء بتنفيذها وأن يؤثر كل منا بالدائرة المحيطة به على الأقل، ومن ثم ستتسع الدائرة تلقائياً، لا الاستمرار باللوم والعتب متجاهلين الدور والواجب والمسؤولية التي ألقيت على كاهل كلٍ منا...
بشكلٍ تقريبي لنفترض أنّ لدينا مليون موظّف حكومي، مع أسرهم قد يشكّلون أكثر من ثلث المجتمع السوري، هل من الصعب أن يلتقي المسؤول الحكومي ضمن مؤسسته، بموظّفيه ولو كل مطلع أسبوعٍ أو كل خمسة عشر يوماً، ليضعهم بتفاصيل ما تمر به البلد، وجهدهم الشخصي في بناء الوطن وتطوير عملهم المؤسساتي، وتعزيز الولاء والانتماء الوظيفي، وتلقائياً ستتحقق تنشئة مجتمعية واعية راقية تنقلنا إلى ما نستحق كمجتمع سوري، وقضاء المدراء نصف ساعة أسبوعياً بحد أدنى مع موظّفيهم هو زيادة في الأداء والعمل وإضافةً جمّة لهذا المسؤول أو المدير وليس إضاعة لوقته الثمين كما يدّعي، حينما يكون لقاءً توعوياً تبادلياً للرأي لا محاضرةً أكاديمية يغفو خلالها الكثير لعدم فعاليتها ..........
المسؤولية الثانية التي نتجاهلها، نمرّ أمام المدارس نجد الأوساخ والورقيات، والشيء الأسوأ من كل هذا بعد انتهاء العام الدراسي، حتى طلبة الجامعات، يرمون المواد التي درسوها في الشارع، وكأنما الكتاب أو الملخّص انتهى عهده بانتهاء المادة الامتحانية، وليس مرجعاً علمياً يستفيد منه الطالب بعد تخرّجه، أو عند انتقاله لمرحلة أخرى، وكأنمّا كل عامٍ دراسيٍ منفصلٍ عمّا قبله، بعيداً عن الشعور بالإحساس بنظافة المدرسة والحي والشارع، وعدم الاكتراث أو الاهتمام بالعلم الذي يدرّس ونعزّز فكرة أن الدراسة لمجرّد النجاح لا كسب المعلومة، وأن هذه وريقات مؤقّتة لا فائدةً منها سوى للانتقال لمرحلة دراسة أعلى لا لاكتساب معلومة وتطوير فكرٍ وزيادة خبرة وعلم...
رجال الدين في عظاتهم وخطبهم ودروسهم، لا تكاد تخلو من الترويع والترهيب وحتى للأسف الشديد الحديث بموضوعات ونقاشات إما عقيمة أو مضى عليها الزمن، بطريقة تعزز نفور الشخص من دينه بدلاً من تناول المبادئ الأخلاقية والتعاون والمحبة وبذل الجهد لنكون كلنا سند لبعض في بناء الوطن والمؤسسات الوطنية، بعيداً عن تخوين الآخر، بل استقطاب المخطئ ليعود لطريق الصواب، فكلنا يخطئ، ودورنا بث الوعي والانتماء للوطن، وبالتالي يعود كل وطني إلى حض الوطن ليكون عنصراً فاعلاً فيه، أما الخائن والانتهازي سيبقى يلهث وراء مصلحته، وكما خان وطنه سيرميه مشغّليه الذين رموا له قطعة لحمٍ في يومٍ ما، ليرومه عظمة كالقمامة أيضاً عند انتهاء مهمّته القذرة..
ليس من الصعب بمكان، كما أنّه ليس بسهولةٍ خلق مناعةٍ فكرية وعملية كي لا نقع فريسةً أعداء الوطن، الذين ما زالوا وسيبقون ولم يتوقفوا يوماً عن كيد المكائد لسوريتنا، قلب العروبة النابض، وصوت الحق في زمن  كلّنا يقول عنه زمن الباطل، فقط نحتاج البدء من هذه اللحظة للوصول للحلم الذي على الأقل يصرّح كلّ مننا نظرياً أنّه يسعى إليه، وعندما يعود إلى مكتبه ينسى مؤسسته ويفكّر بما يحققّه من مصلحة ماديّة أولاً، والبقاء في مكانته أو الوصول لمرتبة أعلى على حساب العطاء والإبداع..
المواطن مسؤولية المؤسسات الحكومية، وضعف وعي المواطن، أو تصديقه للحملة الإعلامية ضد وطنه، تتحمّلها بالجزء الأكبر بالإضافة لكافّة المؤسسات الوطنية، المؤسسات الإعلامية الوطنية، ومدّعي الوطنية من المثقفين وأصحاب النفوذ، فالمدرّس والطبيب والمهندس والمدير ورئيس القسم، كل دون استثناء يتحمّل مسؤولية الأخطاء التي تحصل في مؤسسته، وليس الموظّف الأدنى رتبة، فلو كان المدير على تواصل مع هذا الموظف ونقاش مستمر في إدارته لمؤسسته، ويتابع ما يصدر من قرارات، أو يدرس بشكلٍ جدّي وواضح ما يصدره من قرارات أو مشروعات وتنظير وحتى تصريحات ستصدر عنه، لاستطاع جني أفضل الثمار والنتائج، فلا يمكن أن تجني العسل وأنت تجعل النحل حبيس الخلية.
نحن بحاجة تعزيز الموارد البشرية، وتنشئتها، وتحقيق رضاها، ليس بالكلام، ولا بالتنظير ولا بالشعارات، ولا بنقل ما كتبه الغرب من نظريات، نحن نحتاج تطبيقٍ عمليٍ لما يناسب أبناء شعبنا، ولما يلمسونه على أرض الواقع مستندين لتجاربنا بإيجابياتها وسلبياتها، وأياماً معدودة وبحدٍ أقصى أشهر قليلة كافية لحصد ثمار أي نظرية، وإلا فهي باطلة وإضاعة لوقت واستهانةٌ بدم الشهداء وبكرامة شعبٍ. والشعب العربي السوري ودماء شهدائه أثبتت أنّها انتصرت وستنتصر رغم كل المحاولات ....  لأنّها تنتمي لتاريخٍ عريق وحضارةً تستمد جذورها من آلاف السنين، وشعبٌ مبدعٌ معطاء مهما كانت الظروف.