«صفقة القرن».. أم كذبة القرن؟.. بقلم: عماد خالد الحطبة

«صفقة القرن».. أم كذبة القرن؟.. بقلم: عماد خالد الحطبة

تحليل وآراء

الأحد، ٨ يوليو ٢٠١٨

بَعدَ زيارته إلى المنطقة قالَ المبعوثُ الأميركي للشرقِ الأوسط جاريد كوشنر: «إن الأمورَ تتطورُ بشكلٍ جيد وإن الخطةَ الأميركيةَ للسلام ستكون جاهزةً قريباً جداً».
اللافت في اللقاء كان التهديدُ المبطن الذي وجهه كوشنر إلى السلطة الفلسطينية، من أنّ «المفاوضات تدور منذ فترة طويلة حَولَ النقاط نفسها، وأن السلطةَ الفلسطينية إذا لم تَعُدْ إلى طاولة المفاوضات فإن الأميركيين سيضطرون للحديث مع الشعب الفلسطيني بشكلٍ مباشر».
لعل البعضَ اكتفى بالاستنتاج أن الولايات المتحدة تُعيدُ ترتيبَ بيتها السياسي في المنطقة، وأن تخليها عن محمود عباس وسلطته لا يختلفُ كثيراً عن تخليها عن الإرهابيين في الجنوب السوري، بل لعل الأمرين مرتبطان، لكن المتمعنَ لابد من أن يتوقف عند فكرةِ الحديثِ مع الفلسطينيين بشكل مباشر، من سَيُمَثلُ الفلسطينيين؟ كيف سيتمُ اختيار هؤلاء الممثلين، وأي تغطيةٍ سياسية سيتمتعون بها إذا جاؤوا من خارجِ السلطةِ ومنظمة التحرير الفلسطينية؟
أمرٌ لافت آخرَ ظهرَ في زيارة كوشنر الأخيرة التي مرت عَبْرَ عمّان والرياض والدوحة وتل أبيب، ألا وهو غياب القاهرة عن جدول الزيارة، ويصبح الأمر أكثر تشويقاً إذا ما قرناه بزيارة بنيامين نتنياهو الخاطفة إلى عمّان التي تشير إلى عودة الحياة لمحور عمّان- تل أبيب بعد أن تراجعت أهميته لمصلحة خط اتصال مباشر بين تل أبيب والرياض، عبّرَ عن نفسه بتوترٍ في العلاقات الأردنية- السعودية، وتوقف للمساعدات الخليجية إلى الأردن، والتهديد الضمني الأردني بالانفتاح على المحورِ القطري- التركي ظَهرَ خلال مؤتمر القمّة الإسلامي الذي عُقِدَ في اسطنبول.
لقد استطاع الأردن استيعابَ الأزمة، واستثمر الجغرافيا في سيناريو يذكرنا بعهدِ الملك الراحل الحسين بن طلال، فبعد سلسلة الرسائل السياسية، فتح المجال أمام أكبر احتجاجات مطلبية في تاريخ البلاد، أدت إلى اسقاط الحكومة القائمة، وبدت الأمور وكأنّ الاردن لا يملك خياراً سوى القيام بالتفافٍ سياسي ما، لتجنب سيناريو فوضى على طريقة «الربيع العربي». كانت دوائرُ الحكم الحالية في الأردن تدركُ تماماً أن البلدَ الذي يتمتعُ بأطول حدود مع «إسرائيل»، والبلد الذي يشكلُ الممرَ للدعم المقدمِ للعصابات الإرهابية التي تتحضرُ لمعركة الجنوب السوري، هذا البلدُ لا يسمحُ فيه بأي شكلٍ من أشكالِ الفوضى.
تلاحقت القممُ، فكانت قمة مكة التي قدّمت حلولاً مؤقتة للأزمة الاقتصادية، وتقدّمت ألمانيا بقرضٍ ميسرٍ بقيمة 100 مليون يورو، جاء نتنياهو ولحقه كوشنر الذي وعدَ في كلمة له بفوائد اقتصادية ستعودُ على الأردن ومصر، ثم جاءت زيارة الملك عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاؤه الرئيس الأميركي ترامب الذي أكّد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب الأردن ودعمهِ اقتصادياً، وعبّر عن رضاه عن الدورِ الأردني عندما توجه إلى الملك عبد الله الثاني بقوله: «نحن ننفقُ الكثيرَ من الأموالِ في الكثيرِ من الأماكن، إلا أن كثيرينَ لا يقومون بالجهودِ التي تقومون بها، لذلكَ أتوجه إليكم بالشكرِ الجزيل».
بالنسبة للكثيرين اكتملتْ أركانُ ما يدعى بـ«صفقة القرن»، وعادَ الأردنُ إلى موقعهِ الطبيعي في المحورِ الأميركي– السعودي– الإسرائيلي، وقريباً سنسمعُ من كوشنر بنودَ هذه الصفقة المزعومة، لكن بعض الأسئلة تبقى تبحثُ عن إجابةٍ، مثل سبب الغيابِ المصريّ عن الترتيباتِ والزياراتِ، فهل يمكنُ أن تمرَّ مثلُ هذه الصفقة من دون موافقةٍ مصرية؟ ارتفاعُ وتيرةِ التصريحاتِ الفلسطينية الرافضةِ للصفقة، سواء من رجالاتِ السلطة أو من إحدى الفصائل التي زارَ أحدُ كبار قياديها طهرانَ، وأعلنَ من هناك موقفاً رافضاً ومتحدياً للصفقةِ، فهل يشيرُ ذلكَ إلى استبعادِ السلطة من الصفقة، وهل يمكنُ أن تمرَّ هذه الصفقةُ من دونها؟
السؤالان الأهم: هل يمكن أن تمرَّ مثل هذه الصفقة بعد وصولِ الجيشِ العربي السوري وحلفائهِ إلى حدودِ سورية الجنوبية، التي هي في الوقت نفسه حدودُ الأردنِ وفلسطين الشمالية؟ وهل توجدُ صفقةُ قرنٍ أصلاً، بعبارة أخرى: هل يوجدُ نصٌ مكتوبٌ يوافقُ عليه هذا الطرفُ ويَرْفُضهُ ذاك؟
إن التأملَ في الواقعِ على الأرض وتحليله يشيرُ إلى صعوبةِ وجودِ صفقةٍ حقيقيةٍ تَفْرِضُ على المنطقةِ شروطاً سياسية واقتصادية جديدة، فمن جهة هُزِمَ المخططُ الأميركي – الصهيوني – الرجعي في سورية وفي العراق، وهو غيرُ قادرٍ على تحقيقِ أي نصرٍ مهمٍ في اليمن، وبديهياتُ السياسةِ تقولُ: إن المهزومَ عسكرياً لا يستطيعُ تحقيقَ مكاسبَ سياسية، ومن جهة أخرى، ورغم الاستعدادِ الرجعيّ العربيّ الدائمِ للارتماءِ في أحضانِ «إسرائيل» وأميركا، لكن الوضعَ الداخليّ الإسرائيلي لا يسمحُ بإتمامِ مثل هذه الصفقة، وتقديم التنازلات التي تحتاجها في ظل حكومةٍ يمينيةٍ متطرفةٍ سينفرطُ عِقدُها إذا ما اضطرت للانسحابِ من أي أراضٍ فلسطينية، كما أن العيونَ الإسرائيلية شاخصةٌ نحو الشمال، فالهمُّ الرئيسي لـ«إسرائيل» اليومَ هو ما يدورُ في سورية عموماً وفي الجنوب السوري خصوصاً.
ما الذي نحنُ بصدده إذاً؟ لقد فشلتْ الصفقةُ الأميركيةُ – الإسرائيليةُ الحقيقيةُ التي انطلقت مع ما يسمى «الربيع العربي» وهَدَفَتْ إلى تقسيمِ سورية والعراق بشكل رئيسي، لم يكن الفشلُ عادياً، بل كان فشلاً ذريعاً وقاسياً لأنه فَتَحَ بواباتِ المنطقة لروسيا التي استعادت حضورها العسكري في المنطقة، ناهيكَ بالخبرةِ العسكرية الميدانية التي اكتسبها الجيشُ العربي السوري ومقاتلو المقاومة وخاصةً حزبُ الله. إن المحورَ الآخذ في التشكل اليوم يمتدُ من طهرانَ إلى الناقورة، وهو محورٌ قضيته الأساسية هي المقاومة، وهو المحورُ المنتصرُ، فكيف تَمُرُّ هذه الصفقة بما يعاكسُ مصالحَهُ؟
ما يواجهنا في الطرف الآخر ليس أكثرَ من مجموعةِ ترتيباتٍ إداريةٍ وخططٍ ومشاريعٍ اقتصادية تهدفُ إلى استيعابِ صدمةِ انتصارِ محورِ المقاومة، ومنعها من الامتدادِ جنوباً، من خلالِ تحقيقِ بعض الرفاه الاقتصادي، وتسهيلِ الانتقال وانسيابِ الاستثمارات لخلقِ خطٍ يمتدُ من الخليج حتى ميناء حيفا عبرَ الأردنِ، وخطٍ آخر يمتدُ من القاهرة إلى عمّان عبرَ العقبة والحدود الشمالية للسعودية، تكون مَهَمةُ هذين الخطين التصدي لمحور المقاومة اقتصادياً، وتعملُ الاتفاقياتُ مع «إسرائيل» على مَنحِ هذا الحلفِ مناعةً عسكريةً بدعمٍ ومباركةٍ أميركيةٍ.
لن تُغيّرَ «صفقةُ القرنِ»، أو «كذبةُ القرنِ» من الأمر شيئاً، فلا نزالُ محورَ مقاومةٍ تتنامى قوتُهُ، يقابلُه حلفُ تآمرٍ وعدوان يمرُ في أزمة حقيقية، ولا تزالُ المعركةُ بيننا مفتوحة على كل الاحتمالاتِ، ولايزال مستقبلُنا في أيدينا نُشَكلهُ كيفما نشاء.
كاتب من الأردن