سورية: المشهد الأخير.. بقلم: محمد عبيد

سورية: المشهد الأخير.. بقلم: محمد عبيد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٦ يونيو ٢٠١٨

يبدو أننا على عتبة تحولاتٍ سياسية عسكرية جديدة فيما يتعلق بمسار الأزمة في سورية، فمفاعيل بيانات «جنيف» وآليات «أستانا» وجميع التفاهمات الجانبية المعلنة والمستترة تتعرض اليوم للانتهاك من قبل محور الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأتباعها إضافة إلى تركيا، وهو أمرٌ فرضته على أطراف المحور هذا مخاوفهم العدوانية من نتائج المتغيرات الميدانية المتمثلة بالانتصارات المتتالية والنوعية التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في محور المقاومة وبدعم من الشريك الروسي، وبمواكبة من إدارة سياسية إستراتيجية لعملية المواجهة تركزت في دمشق وتوزعت بين موسكو وطهران.
بعد استعادة حمص التي منعت تقسيم سورية إلى كيانين، وبعد استعادة حلب التي أسقطت مؤامرة اقتطاع الشمال السوري وعاصمته المركزية ليتم ضمه إلى الطامع التركي، وبعد استعادة دير الزور التي أعادت ربط أطراف الوطن السوري بمركز القلب، فوجئ محور واشنطن بالإنجاز السريع الذي حققه الجيش العربي السوري باستعادة كامل ريف دمشق، على اعتبار أن المحور المذكور كان يعول على استعمال ما تبقى من المجموعات الإرهابية التكفيرية في الريف الدمشقي فزاعة دائمة للعاصمة، وفي الوقت ذاته وسيلة ابتزاز ضاغطة على القرار السياسي كلما دعت الحاجة لذلك.
التحول الأبرز اليوم يكمن في الانتقال إلى المواجهة المباشرة ضد الاحتلالات الراعية للإرهاب أميركية كانت أم أوروبية أم تركية، وهو دخول في مرحلة لن تقتصر تداعياتها على الداخل السوري بل سيطول الجيران الأقرب من كيانات عدوة كإسرائيل، إلى حكومات عدوة كنظام أردوغان، إلى أشقاء مفترضين كالنظام الأردني، إلى ما يتعداهم على المستويين الإقليمي والدولي نتيجة ارتدادات سقوط آخر معاقل الأدوات الإرهابية أو المتسترة بعناوين وطنية أو عرقية فيما تبقى من أراضٍ سورية محتلة.
هذا التحول برز من خلال موقفين، الأول: عبرت عنه استعدادات الجيش العربي السوري للبدء بتحرير جنوب وجنوب شرق سورية وصولاً إلى الحدود مع الأردن من جهة، بما يعني ذلك من استكمال لعملية فرض سيادة الدولة على كامل حدود الوطن السوري إضافة إلى فتح أبرز البوابات الاقتصادية والترانزيت، كذلك العودة إلى الانتشار على خطوط التماس في مواجهة العدو الإسرائيلي المحتل لهضبة الجولان وقطع قنوات التواصل المكشوفة بين هذا العدو والمجموعات الإرهابية المتمركزة في تلك المنطقة.
كان من الطبيعي أن تُستَنفر جميع الإدارات السياسية في واشنطن وفي كيان العدو الإسرائيلي خصوصاً، باعتبار أن تحرير الجنوب السوري بتفرعاته، سيؤدي حكماً إلى إسقاط أحد أخطر استهدافات العدوان الأميركي وحلفائه على سورية، ذلك أن لهذا الاستهداف في حال تحقيقه نتائج سياسية مصيرية تتصل بما تم كشفه لاحقاً حول تحضيرات في دول العالم العربي لـ«صفقة القرن»، وما إيجاد منطقة عازلة بين الجولان المحتل والداخل السوري امتداداً إلى الحدود الأردنية سوى جزء من هذه التحضيرات التي ستنشئ جيباً إسرائيلياً يضاف إلى هضبة الجولان المحتلة، والتي ستؤدي بالتالي إلى إشغال سورية بتوسعة العدو لمساحة احتلاله وبتداعيات هذا الاحتلال الديموغرافية، والأهم أنها ستعزل سورية عن القضية المركزية فلسطين من خلال إلغاء تماسها السياسي والبشري مع الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل.
أما الموقف الثاني فيتمثل بالموقف الذي عبر عنه الرئيس بشار الأسد والموجه لما يسمى «قوات سورية الديمقراطية»، هذا الموقف الذي يعتبر إنذاراً أولياً للقوات المذكورة للتنحي السلمي من أمام الجيش العربي السوري كونها تشكل درعاً بشرياً يعوق المواجهة المباشرة مع المحتل الأميركي حين تدق ساعة هذه المواجهة، وهو في الوقت ذاته تحذير أخير لها بأن اتكالها على الدعم الأميركي لن يمنع الجيش الوطني من استعمال القوة لإزاحته من حلبة تلك المواجهة حتى ولو اضطر الأمر القضاء عليها.
في الحالتين، فإن الرسالة السياسية الصارمة تستهدف عملياً الإدارة الأميركية التي تحاول اللعب على عامل الوقت وعلى وهم التلطي خلف الدفاعات الميلشياوية لتأخير الصدام الحتمي المباشر بين قواتها المحتلة وبين الجيش العربي السوري الذي يتحفز لهذا الصدام.
في ظل تسوية الجنوب السوري التي لم تلد ولا يبدو أنها ممكنة بعدما تم ربط حصولها بالانسحاب الإجباري لقوات الاحتلال الأميركية من شرق الفرات وبالأخص إخلاء قاعدة «التنف»، وأيضاً في ظل التلاعب التركي، القديم المستجد، والانقلاب على تفاهمات أستانا من خلال صياغة تحالف ميداني مع واشنطن يوسع مساحة احتلالهما المشترك ويخلط أوراق التحالفات والصداقات وتسويات التهدئة القائمة منذ سنوات قليلة ماضية، نقف على أبواب احتدام في الحراك السياسي وفي الميدان أيضاً ينذر بتغير كل ما سبق ويضعنا أمام المشهد الأخير للأزمة.