هل يفوز الديمقراطيون بالكونغرس في 2018؟.. بقلم: د.منار الشوربجي

هل يفوز الديمقراطيون بالكونغرس في 2018؟.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ مايو ٢٠١٨

رغم أن الكثير من المراقبين يتوقعون فوزاً كاسحاً للحزب الديمقراطي الأميركي في الانتخابات التشريعية المقبلة تدفع به لمقاعد الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، إلا أن القدر المتيقن حتى الآن هو أن الاستقطاب السياسي الحاد الذي تعيشه الولايات المتحدة مرشح للتصاعد قبيل تلك الانتخابات والاستمرار بعدها.
ففي آخر استطلاع للرأي العام، تبين أن ما يقرب من نصف الناخبين الأميركيين يرغبون في أن يتولى الديمقراطيون الأغلبية في المجلسين بموجب انتخابات نوفمبر التشريعية بدلاً من الحزب الجمهوري، حزب الرئيس ترامب.
فقد قال حوالي 48% من المستطلعة آراؤهم إنهم يرغبون في أن يتولى الديمقراطيون الأغلبية بمجلس النواب، مقابل 40% فقط يفضلون بقاء الجمهوريين بمواقع الأغلبية. وقالت النسبة نفسها إنهم يرغبون في تولي الديمقراطيين الأغلبية بمجلس الشيوخ، وذلك مقابل 42% يفضلون بقاء الجمهوريين بمواقع الأغلبية. أكثر من ذلك، فقد حقق الديمقراطيون أكثر من فوز مهم في الآونة الأخيرة رفع من آمال الحزب بخصوص تلك الانتخابات.
وفوز الحزب الديمقراطي بمقاعد الأغلبية بالمجلسين له تبعاته الجسام. فهو يعني أن الرئيس الأميركي سيحكم في العامين المتبقيين من ولايته ومعه كونغرس تنتمي فيه الأغلبية للحزب المنافس، الأمر الذي يجعل هذين العامين مفتوحين على كل الاحتمالات، بدءاً بعرقلة أجندة ترامب الداخلية والخارجية، ووصولاً للسعي لعزله أصلاً.
غير أن ذلك الاستطلاع نفسه، رغم أنه مؤشر على تفضيل الناخبين للحزب الديمقراطي إلا أنه يحمل في طياته أجراس إنذار للحزب نفسه.
ففي هذا الاستطلاع وغيره، أخيراً، كان واضحاً أن نسبة تفضيل الناخب للديمقراطيين على حساب الجمهوريين قد تراجعت إلى حوالي 4% فقط بعد أن كانت في يناير الماضي أكثر من 10%.
ولهذا التراجع أسباب عدة، على رأسها أن الحزب الديمقراطي لم يقدم حتى الآن، قبل ستة أشهر فقط من انعقاد الانتخابات التشريعية، برنامجاً إيجابياً للناخبين. والبرنامج «الإيجابي» معناه أن يقدم الحزب مقترحات وتعهدات محددة تمس حياة الناخبين بالدرجة الأولى وتخلق موجة من الدعم الحقيقي له تحمله حملاً لمقاعد الأغلبية.
فالحزب لا يزال يقدم نفسه بالسالب، أي بمهاجمة تصريحات ترامب وبعض مواقفه، التي باتت مصدر ضيق لقطاع من المواطنين، ولكنها ليست كافية وحدها لفوز الديمقراطيين بعدد كبير من مقاعد المجلسين يسمح بتولي الأغلبية. فتركيز الديمقراطيين على أزمات ترامب وعلى التحقيقات الجارية بشأن التدخل الروسي تزيد من حنق قطاعات معينة من الناخبين على الرئيس، ولكنها لا تخلق بالضرورة تأييداً للحزب المنافس.
والحزب الديمقراطي يعاني في الحقيقة أزمة لا تقل عمقاً عن تلك التي يعانيها حزب الرئيس. فالحزب الجمهوري يعاني من أزمة مع قطاع معتبر من ناخبيه التقليديين الذين وجدوا أن قيادات الحزب تخلت عن مواقفهم التقليدية بالانصياع بالكامل لشعبوية ترامب، وما تعنيه من مواقف داخلية وخارجية.
أما الحزب الديمقراطي، فيعاني من أزمة عميقة بداخله، بين قاعدته الانتخابية التقليدية، من العمال للأقليات، وبين نخبته التي جعلته مرتبطاً، كالحزب الجمهوري، بأصحاب المال وممولي الحزب، الذين تتضارب مصالحهم مع مصالح قطاعات ناخبي الحزب. وبعد أن حققت حملة برني ساندرز في انتخابات 2016 الرئاسية نجاحات قوية ثم انهزم بسبب انحياز نخبة الحزب لصالح كلينتون.
ثم هزيمة كلينتون لاحقاً، لم يقم الحزب بالبحث عن الأسباب الحقيقية للهزيمة في ولايات كانت ضمن معاقله الرئيسية مثل متشجان، ولا السبب الذي أدى لانخفاض نسبة تصويت السود وميل قطاعات واسعة من العمال البيض للتصويت لترامب. ولا تزال هناك معركة شرسة دائرة داخل الحزب الديمقراطي بين التيار الذي مثله برني ساندرز، أي اليسار، وبين تيار بيل وهيلاري كلينتون.
وعشية انتخابات 2018 التشريعية، بات هناك عدد كبير من مرشحي الحزب الجمهوري الذين، حال فوزهم، سينحو الحزب مزيداً نحو اليمين الشعبوي بل والعنصري.
فمن بينهم على سبيل المثال، المرشح بول نيلان بولاية ويسكنسن وهو صاحب التاريخ المرتبط بشكل وثيق بتيار التفوق الأبيض ونافس رئيس مجلس النواب الحالي في 2016. الأخطر من ذلك، أن حملات بعض المرشحين من ذوي البشرة الداكنة، مثل إيدوين دوترتي، تحمل بين جنباتها لمحات عنصرية لا تخطئها العين تجاه قضايا السود بل وبعض رموزهم.
وفي الوقت نفسه، تقدم للترشح عن الحزب الديمقراطي عدد لا بأس به ممن ينتمون ليسار الحزب، أملاً في الدفع بالحزب نحو اليسار، مثل الممثلة سينثيا نيكسون، المرشحة لمنصب حاكم ولاية نيويورك، وعضو مجلس النواب السابق دنيس كوتسينيتش مرشحاً لمنصب حاكم ولاية أوهايو فضلاً عن عشرات المرشحين لمجلس النواب.
ولعل هذه الصورة بما تحمله من تجليات الاستقطاب السياسي هي أهم ملامح المشهد السياسي الأميركي الحالي. ومن هنا، فإن الانتخابات التشريعية ستزيد الاستقطاب سخونة. وسواء فاز الحزب الديمقراطي بمقاعد الأغلبية أو ظل بمقاعد الأقلية، فالمتيقن أن تلك المستويات الجديدة من الاستقطاب لن تتلاشى في الأمد المنظور وسيكون لها تأثيراتها البالغة على السياسة الداخلية والخارجية الأميركية.