لغة الحسم وخفايا القرار.. بقلم: سيلفا رزوق

لغة الحسم وخفايا القرار.. بقلم: سيلفا رزوق

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٦ فبراير ٢٠١٨

بقرار أممي جديد حاولت واشنطن مرة أخرى، وقف عمليات الحسم العسكري المستمر والتي يقودها الجيش السوري وحلفاؤه ضد المجموعات الإرهابية ومن والاها في غير جبهة، وبنتيجة لا تذكر خرج القرار 2401 معطياً الحق في الرد على الاعتداءات ومواصلة اجتثاث جبهة النصرة وداعش في محيط دمشق.
تأخر صدور القرار والمفاوضات الماراتونية التي خاضتها روسيا في وجه المشروع الأميركي، وتمكنها في نهاية المطاف من إدخال التعديلات المطلوبة، عكست حجم الاستقتال الأميركي لمنع خروج أحد آخر الأوراق الضاغطة على الدولة السورية من يده، قبيل الالتفات لمواجهة وجوده غير الشرعي على الأراضي السورية، بعد صفعة التفاهم مع الأكراد في أعقاب عملية «غصن الزيتون» التركية.
التشبث الأميركي بالإصرار على منع استكمال عملية حسم الغوطة، والذي وصل إلى ذروته بالتلويح صراحة بالخطة «باء»، واستخدام العدوان العسكري «إن أمكن»، قابله تشبث الروسي بقرار استثناء الجماعات الإرهابية من أي وقف لإطلاق النار وبالتالي إبقاء أبواب الحسم مفتوحة الخيارات، ما عكس حالة التدهور الشديدة في العلاقات الروسية الأميركية التي عبرت كلمة المندوب الفرنسي عنها بالإشارة صراحة إلى أن معطيات التفجير الإقليمي باتت جاهزة.
الموقف الروسي الثابت تجاه محاولات الانقلاب على المعادلات الميدانية الجديدة في الساحة السورية، لا يبدو أنه بصدد التراجع أو المساومة، وتأكيد الخارجية الروسية على أن موسكو حالت دون إقرار مخطط غير واقعي للهدنة في سورية، وأن الإرهابيين لن يحصلوا على مهلة لالتقاط أنفاسهم، وشى بما لا يدع مجالاً للشك بأن أيام إرهابيي الغوطة باتت معدودة، وبأن موسكو انتقلت إلى مرحلة جديدة لم يعد لمحاولات الضغط الإنساني عليها، ومحاولات إرباك الناخب الروسي على أعتاب الانتخابات الرئاسية المقبلة، أي تأثير يذكر لتغيير بوصلة الأهداف المنتظرة.
بطبيعة الحال فإن التفسير السوري للقرار الأممي جاء سريعاً، واقتحام النشابية ومزارع حرستا كانت رسائله واضحة، وتضييق الخناق على الميليشيات المسلحة وما يجري حتى اللحظة، يعطي الإشارة الأكثر دلالة على أن سيناريو حلب سيتكرر، وحسم ملف الغوطة بات أقرب مما يتوقعه البعض، أما دوما والتي لم تعد أنباء تفاوض ميليشياتها مع الجانب الروسي خفية، فيبدو أنها ستبقى بانتظار جولة أستانا المقبلة، وبقاؤها على قيد الحياة سيبقى بالتالي رهيناً بالتزامها بالشروط الميدانية المنتظرة.
اللافت في ما جرى عقب التصويت على القرار، كان التركيز الروسي على تفعيل أستانا، والدعوة لانعقاده مجدداً والتصويب نحو مناطق «خفض التصعيد» من جديد، رغم التفسير السوري المعلن للفقرة الأولى من نص القرار، والتي لا تستثني العدوان التركي المتواصل على عفرين من الالتزام بوقف إطلاق النار، وهو ما جرى رفضه تركياً وبصورة مباشرة، وهو أيضاً ما سيكون محور النقاش الأساسي لأي جولة مباحثات مقبلة، ما يجعل فرص إرغام التركي مجدداً على العودة لحضن التفاهم مع الضامنين الإيراني والروسي واردة، هذا إذا ما أضفنا عامل الفشل المتواصل الذي يلاحق عملية «غصن الزيتون»، والتي لم تؤت أي ثمر سياسي قد يسمح لأنقرة باستثماره على طاولات المساومات التركية المعروفة.
إذاً فرصة تعطيل مشروع أميركي جديد جرى تفويتها من على منبر مجلس الأمن، ومحاولات واشنطن للحفاظ على حالة الفوضى القائمة في الغوطة الشرقية، وإبقاؤها الشوكة الأكثر إيلاماً في خاصرة العاصمة، شارفت على نهايتها، لتختزل صورة المندوبة الأميركية المهزوزة، المهارة الدبلوماسية العالية، التي تمكنت من استصدار قرار أممي ستنحصر مفاعيله على الجانب الإغاثي، ووفقاً للإرادة والسيادة السورية أيضاً، بما لا يسمح باستعمال هذا الملف مجدداً صوب استدراج مساعدات لوجستية تنعش قوى الجماعات المسلحة المنهكة أصلاً.