حربٌ أميركية – إيرانية باردة – ساخنة تبدأ في سورية

حربٌ أميركية – إيرانية باردة – ساخنة تبدأ في سورية

تحليل وآراء

الخميس، ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧

انتهت الحرب السورية في بُعدها الداخلي لتحلّ مكانها حربٌ من نوع آخر، أكثر دقة وصعوبة، وهي حربٌ بين الدول المتجاورة والدول الموجودة على الأراضي السورية، تلك التي لها مصالح ومطامع مثل الولايات المتحدة، وتركيا، وإيران وإسرائيل.

هذه الدول تحاول إرساء معادلاتٍ وتوازنات تمكّنها من البقاء في بلاد الشام في محاولةٍ لتحقيق أهداف لها، مع فارقٍ جوهري يتمثل في أن إيران فقط تملك حليفاً قوياً ضمن هذه المعادلة، حليفاً صمد لأعوام طويلة من الحرب بعدما كان راهن الجميع على سقوطه في الأسابيع أو الأشهر الأولى من تلك الحرب المدمّرة، أي الرئيس السوري بشار الأسد.

أميركا وسورية
لقد حدّدتْ الولايات المتحدة سياستها الواضحة المعالم في سورية، والتي ستحاول تحقيقها من دون أن تكون هناك أيّ ضمانة أو أفق لنجاحها.

لم تنتهِ الحرب على «داعش» كلياً في المناطق التي توجد فيها القوات الأميركية في سورية، بل فرضتْ واشنطن حالة من التعايش مع هذا التنظيم تسمح له بالبقاء ولا تتعرض له ما دام لا يخطط لهجمات ضد القوات الكردية والعربية المعروفة باسم «قوات سورية الديموقراطية – قسد». وقد أوقفتْ الولايات المتحدة ضرباتها فوق مناطق شرق نهر الفرات التي يسيطر عليها «داعش» ما دامت قواته لا تخطط لهجمات إلا في اتجاه الجيش السوري وحلفائه. وأَبْقتْ أميركا على طيرانها من دون طيار – حسب مصادر في قاعدة حميميم الروسية – فوق مناطق شرق النهر لمراقبة تحركات «داعش» من دون ضربه إلا إذا كان لديها صيد ثمين من الأجانب الذين انضموا الى التنظيم الإرهابي.

فما حصل في الأسابيع الماضية يؤكد أن الولايات المتحدة تراقب كل تحركات «داعش»، وما دام يشنّ هجمات على الجيش السوري وحلفائه فهو يُترك ولا يتم التعرض له، وهو ما يتنافى مع الأهداف التي من أجلها حضرت القوات المتعدّدة الجنسية بقيادة أميركا لمحاربة الإرهاب. وتالياً فإن واشنطن تعمل وفق مصالحها التي تقضي – في بعض الأحيان – المحافظة على قوات «داعش» لتوجيهها من خلال إفهامها الخطوط الحمر والخطوط التي تستطيع التحرك عبرها من دون أن تُهاجم.

وتحاول واشنطن إفهام دمشق وطهران أن وجود «داعش» هو نوع من تحقيق التوازن مع قوات «حزب الله» والقوات الأخرى التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني على أرض سورية. إلا أن الاختلاف كبير في مقاربة «الوجوديْن»، لأن هذه القوات التي تدور في فلك «الحرس الثوري» حضرت الى سورية بطلبٍ من الحكومة السورية وتستطيع الانسحاب عندما يزول الخطر المتمثل بـ «داعش» و«القاعدة».

وأما الولايات المتحدة فهي – بخطوتها هذه – تُبقي الخطر دائماً على سورية وكذلك على العراق لأن وجود «داعش» شرق نهر الفرات يتيح تواصله بين العراق وسورية، فهذه المنطقة سبق أن عمل فيها التنظيم الارهابي منذ 2001 وحتى يومنا هذا ما سمح له بالتعرف على جغرافيتها بدقة.

وتفرض أميركا أيضاً تعادلات وقواعد اشتباك مع روسيا… شرق الفرات لها وغرب الفرات لروسيا. وهكذا لا يستطيع الطيران الروسي أو السوري خرق هذه القاعدة من دون الاشتباك مع أميركا جواً. وتُسَرِّب الولايات المتحدة قاعدة أخرى للتفاوض وفرْض أمن لها، وهي أنها إذا تعرّضت للضرب فإنها ستَضرب القوات الإيرانية أو الموالية لها في سورية، وهي معادلة خطرة على الولايات المتحدة ومصالحها في كل من سورية والعراق والمنطقة.

أما التوازنات داخل المنطقة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في شمال شرقي سورية، فإن الأكراد بدأوا بالاقتناع أن أميركا استغلّتْهم لمآربها وأنها تنحني لتركيا الرافضة لوجود قوة كردية قوية على حدودها. وتالياً فإن تركيا لها شبه حرية بضرب الأكراد، إذا لم يكن في المناطق التي توجد فيها الولايات المتحدة، ففي المقلب الثاني – عفرين الكردية في الشمال الغربي – التي تمثّل أفضل هدف لتركيا التي تريد فرْض احتلالها لشمال سورية، كما هو حاصل اليوم.

وتبقى النقطة الأخيرة في سياق التوجهات الاميركية في سورية، وهي ان واشنطن تريد استغلال وجود نحو 12 مليون نازح خارج البلاد وداخلها في الانتخابات الرئاسية التي تعمل على دفع الأمم المتحدة لدور أساسي في مراقبتها، ولذلك تمنع كل الدول (خصوصاً لبنان والاردن) من إعادة المهجرين بهدف التأثير على الانتخابات الرئاسية المبكرة وتعديل الدستور مُحاوِلَةً من خلال ذلك إسقاط الأسد.

إيران وأميركا وسورية
لن تتردد إيران في الإعلان عن سحب قواتها من سورية لتعطيل الفتيل الذي تتمسك به الولايات المتحدة ومنْعها من فرْض المعادلات التي تحاول فرضها في بلاد الشام. وتملك إيران نحو 250 مستشاراً عسكرياً ايرانياً وبضعة آلاف من القوات التي أَحْضَرَتْها من إيران للقتال في سورية منذ العام 2013، وخصوصاً في معارك حلب وحماة والبادية. إلا أن إيران تملك مستشارين ومكاتب في سورية منذ العام 1982 بموافقة الدولة السورية أيام حكم الرئيس حافظ الاسد. وهذا الوجود سيبقى لأن سورية وإيران (وحزب الله) جزء من «محور المقاومة» الذي أصبح أقوى بكثير من أيام إنشائه العام 2010، وهو المحور الذي كان وصفه الرئيس جورج بوش بـ «محور الشر».

ولن تترك إيران عذراً للولايات المتحدة لضرب قواتها مباشرة لأن الاثنين – أميركا وإيران – يدركان أن القوات الاميركية ستتعرّض للضرب المباشر في الشرق الأوسط في السنوات المقبلة ما دامت موجودة كقوة احتلال في سورية.

إلا ان معادلة استهداف القوات الاميركية لن تكون من قبل إيران لأنها دولة لم تشارك إلا في الحرب السورية لمساندة حليفها الأسد. وتالياً فإن لإيران أذرعاً تتشوّق لضرب أميركا في العراق وفي مواقع أخرى إذا ضربت الولايات المتحدة القوات الإيراينة أو الرديفة التابعة لها.

أما عن «حزب الله»، فإن الولايات المتحدة لن تجرؤ على مهاجمته أبداً لأنها – إذا ما فعلت ذلك – فستنطلق الصواريخ الجاهزة لأيّ حربٍ مقبلة في اتجاه اسرائيل، حسب ما قرّرتْه القيادة في «حزب الله» وأعلمتْ به القيادة السورية المرحّبة بالأمر.

وعملت إيران على عزْل معبر التنف الذي توجد فيه القوات الأميركية – البريطانية ضمن إطار 55 كيلومتراً، ومن كل الجهات، بما فيها جهة الحدود العراقية التي تسيطر عليها قوات «الحشد الشعبي». وسبقت إيران القوات التابعة لأميركا إلى البوكمال لتسيطر – ومعها قوات دمشق – على كل المدن في المنطقة ما عدا مدينة الرقة المدمّرة كلياً من جراء القصف الأميركي، والتي تتمنى دمشق أن تبقى القوات الأميركية وقتاً كافياً فيها لإعادة إعمار المدينة – كل المدينة – ومن ثم الانسحاب من أراضي بلاد الشام.

وبالنسبة للانتخابات الرئاسية، فإن الرئيس الأسد لن يقبل بتحديد موعد لها إلا عند عودة المهجرين الى المناطق المحرَّرة خصوصاً في ضوء عودة أكثر المدن السورية الى كنف الجيش السوري. وتالياً فإن الأسد يقف بالمرصاد للمخطط الأميركي – الغربي الذي ينوي الإطاحة به من خلال صناديق الاقتراع بعدما عجز عن تحقيق ذلك في ميدان المعركة.

وها هي تركيا تتحدث عن إعادة العلاقات مع الأسد، كما تتحدث القوات الكردية التي تعمل تحت إمرة الولايات المتحدة عن إعادة الانضمام تحت جناح دمشق ضمن فيديرالية تتمنّاها ولا تستطيع فرْضها، وها هي روسيا تعتزم طلب عودة المهجرين تحت حمايتها وحماية الجيش، وها هو الجيش الأميركي يجد نفسه مضطراً لإعالة نحو 40000 عائلة سورية مهجرة في منطقة التنف – الركبان عن طريق الجو، ويجد نفسه أيضاً في شمال شرقي سورية مع احتمال التعرّض له في مناطق وجوده من خلال عبوات مموّهة، أو في أمكنة أخرى لتصله الرسالة بضرورة الخروج والعدول عن احتلال مناطق سورية. وها هي إسرائيل تجد نفسها مكسر عصا لأي ضربة أميركية ضد «حزب الله» اللبناني، وكذلك خسرتْ فرْض خروج أو ابتعاد قوات معادية لها عن الحدود مع سورية.

والأكثر أهمية من ذلك، انه ها هو الرئيس الأسد يتحضّر لفتح الباب أمام المقاومة السورية لاستعادة الجولان وفرْض قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل للردّ على أي خرق جوي أو ضربة جوية. ويتحضّر أيضاً لمقاومة الاحتلال الاميركي من خلال العشائر العربية الموجودة في الرقة والشمال الشرقي السوري لإقلاق الولايات المتحدة.

وكذلك يريد الأسد استعادة آبار النفط والغاز التي يسيطر عليها الأكراد وأيضاً تلك التي لا تزال بيد «داعش» وتغضّ أميركا النظر عنها، ليس لحاجته الماسة لها – فروسيا ستبدأ بالتنقيب عن النفظ والغاز لتأمين مورد إضافي للحكومة السورية – بل لأن ما لسورية لسورية وتالياً لن تتخلى عنه.
الكاتب: ايليا ج مغناير - الراي