إدلب ومخطط ترامب.. بقلم: بسام أبو شريف

إدلب ومخطط ترامب.. بقلم: بسام أبو شريف

تحليل وآراء

الجمعة، ٣ نوفمبر ٢٠١٧

تشهد الساحة السورية معارك يحقق فيها الجيش العربي السوري إنجازات تعجز عنها جيوش الدول العظمى، وذلك بدعم وإسناد ومشاركة حلفاء سوريا، وعلى رأسهم إيران وحزب الله وقوات فلسطينية.
وتتابع وسائل الإعلام «كلٌّ حسب ميولها وولاءاتها»، هذه الإنجازات بفرحة أو بنبرة حزن وحقد للمتربصين بسوريا وفلسطين وأمتنا العربية. وتبرز هنا، وعلى مشارف البوكمال، عقبتان متناميتان بسرعة: الأولى، هي الدور الأميركي واستراتيجية واشنطن الإمبريالية، ومحاولات تركيا جني مكاسب غير شرعية وغير قانونية واستعمارية الطابع في شمال سوريا، بدءاً من إدلب.

فالولايات المتحدة كشفت عن طريقة الرئيس دونالد ترامب وأسلوبه أن مخططها يقضي بالبقاء في سوريا تحت ستار تنظيم هلامي لا قوة له ولا تأثير حتى في الوسط الكردي، ولم تخفِ الولايات المتحدة أن هدفها هو تحصيل تنازلات من الحكومة السورية لمصلحة أتباعها والسيطرة على نفط وغاز سوريا الذي تنتجه آبار وحقول الشمال الشرقي لسوريا. وبرغم أن استفتاء صديق إسرائيل، مسعود البرزاني، لم يتمكن من السير على قدمين، فإن مطامع واشنطن تتمحور حول سيطرتها على آبار شمال العراق (عبر الأكراد) وشمال شرق سوريا (عبر الأكراد).
ولا يعلم السيد ترامب أن حسابات واشنطن خاطئة، بدءاً من عدم معرفتها بموقف الأغلبية من «الأقلية الكردية» في العراق وسوريا، فالأغلبية ترى في وضعها ضمن إطار وحدة العراق ووحدة سوريا أرضاً وشعباً وضعاً مرغوباً أكثر من الانفصال على يد أميركا وإسرائيل. لكن الولايات المتحدة زجّت وتزجّ وستزجّ أكثر قواتها بشكل مباشر لتحقيق مآربها، وهنا أيضا تخطئ واشنطن، ويخطئ العنصري ترامب في حساباته.
فلا شك أن ما قاله كل من وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيليرسون، ووزير الدفاع، جايمس ماتيس، أمام الكونغرس يمثّل عودة مجازِفة للحرب الباردة وسياسات الإمبريالية القديمة بالاحتلال المباشر لأراضي الغير بالقوة «مثلما فعلت واشنطن في فيتنام سابقاً». قال الوزيران للكونغرس كلاماً خطيراً، فقد طالبا بألا يجدد الكونغرس المدى الزمني أو التحديد الجغرافي لصلاحية الإدارة في إعلان الحروب وشنّها (!)، وطالبا بعدم إلغاء قرارات الكونغرس التي منحت الصلاحيات الخطيرة لسيد البيت الأبيض في عام 2003 و2010. هذا يعني إعطاء ترامب صلاحيات شنّ الحروب من دون سقف زمني أو موقع جغرافي وبشكل مفتوح؟! وقد يجرّ هذا الأمر العالم إلى حرب كبرى، وقد يضع أوروبا ذاتها تحت سياط ترامب.
لكن من المؤكد أن المقصود هنا إيران وحلفاء إيران وكل القوى التي تقاوم سياسة واشنطن الاستعمارية التي ترفض الانصياع لأوامر ترامب. وهذا هو بالضبط ما أوصت به حكومة إسرائيل والمشرفون عليها من خارجها السيد ترامب منذ حملته الانتخابية. نورد هذا ليس لعدم إيماننا بأن ترامب سوف يهزم، بل لنضع تحت المجهر حقيقة قد لا يراها البعض. ترامب طرح عبر جاريد كوشنر ومبعوثيه استراتيجيةً للشرق الأوسط تقوم على أساس هيمنة الولايات المتحدة وحليفتها الإمبريالية الصهيونية على كامل المنطقة وثرواتها. وهذا حسبما رسم مستشارو ترامب يتطلب: أولاً وقبل كل شيء التصدي لإيران بحزم وقوة وعنف، وذلك لخلخلة التماسك والتنامي والنجاح الذي تحقق خلال السنوات القليلة الماضية بين إيران واستراتيجيتها الثورية وبين قوى المقاومة في العالم العربي، وخصوصاً في فلسطين. وفلسطين هي الحرف الأول والأخير وهي المفتاح وهي الفصل، وهي التي تحرّك العالم العربي برغم مواقف الأنظمة (وهذا هو بالضبط ما تريده إسرائيل ــ أي أن تتحول إيران إلى عدو للعرب بدلاً من إسرائيل، وأن تقوم الولايات المتحدة بشنّ الحرب على إيران والمقاومة العربية في كل مكان)، وتقوم إسرائيل من خلال هذه العملية بابتلاع أرض الضفة الغربية ومصادرتها واستيطانها بحيث لا يتبقى سوى جزر صغيرة معزولة في رام الله ونابلس والخليل وغيرها من المدن الكبيرة تلحق بالأردن، الذي تربطه معاهدة سلام مع إسرائيل. وتجني إسرائيل من صفقة ترامب دخولاً استعمارياً واسعاً نحو الخليج والجزيرة، وتهيمن هي و«روتشيلد» على البنوك المركزية في هذه الدول، وتأخذ نصيبها من عائدات النفط على شكل أتاوات لحماية هذه الأنظمة الخاضعة للولايات المتحدة. فهذه الأخيرة تعيّن من تريد وتخلع من تريد من هؤلاء الحكام الذين عينتهم سابقاً «بريطانيا العظمى»، مانحة الصهاينة وعد بلفور.
مخطط الولايات المتحدة وإسرائيل ينصّ على لجم الجيش العراقي بإبقاء القوات الأميركية في العراق واللعب بفتيل كردستان والإبقاء على عمليات تفجير وهجمات (بدعمهم وتأييدهم لفلول من «داعش» اتفقت معهم الولايات المتحدة المسؤولة عن ولادة التنظيم المتطرف)، وذلك لمنع أي اتصال أو تنسيق أو تعاون بين الجيشين العراقي والسوري، الأمر الذي ترتعد منه إسرائيل. ولافتٌ للنظر جداً آخر تصريح رسمي لماتيس حول سوريا حين قال أمام الكونغرس: «سوف تنتصر قواتنا في سوريا لدعم تنظيم سوريا الديموقراطية، طالما أن داعش ما زال موجوداً». يفهم من هذا الكلام الكثير، لكن سنركز على «طالما بقي داعش موجوداً». الولايات المتحدة لا تعتبر «جبهة النصرة» عدواً، كما تعلن زوراً وبهتاناً أن «داعش» عدوها. قد يكون الأصح هو أن جناحاً في «داعش» فقط هو عدو لواشنطن، أما الباقي فقد أنشأتهم ورعتهم واشنطن ومخابراتها وجيشها، ولا شك أن اجتماعات العسكريين الأميركيين في الرقة وجوارها مع قادة من «داعش» أوضحت للأميركيين كيف يقضون على الجناح الذي لا سلطة لهم عليه في التنظيم ودعم الجناح الذي يرتبط بها (هربت قيادات من العراق الى سوريا وهربت من الرقة الى سوريا الداخل ولبنان والأردن قيادات بأعداد كبيرة)، ولذلك فإن الولايات المتحدة تعمل الآن ليل نهار لخلق حالة من الكر والفر والتفجيرات تترافق مع تحرير دير الزور، وقد تلجأ الى غارات ثم «تعتذر عنها» لعرقلة التحرير. لكن اللغم الكبير يكمن في إدلب، ويكمن في «النصرة» وفي الدعم التركي لهذا التنظيم، وهذا أمر خطير. ولا شك أن روسيا تعي خطورته، لكنني على يقين بأن سوريا وإيران واعيتان تماماً لهذا اللغم وخطورته.
وإذا لخّصنا ما تريده واشنطن ويريده ترامب نقول: ترامب يريد أن يتحكم بثروات الشرق الأوسط وأنظمته وأن تكون إسرائيل شريكاً إمبريالياً له، ولا يمانع أن تحصل روسيا على مكاسب محددة، لكن حصة الأسد يجب أن تكون لواشنطن وتل أبيب. ويعلم ترامب أن هذا الأمر لن يكون ممكناً إلا إذا وجه ضربات كاسحة لإيران وحلفائها، ويرى أن للجيش الإسرائيلي دوراً أساسياً في هذا وسيستخدم أسلحة محرمة دولياً، وسيحاول عزل سوريا عبر أكاذيب أصبحت معروفة مثل استخدام الغاز السام الذي شن ترامب غاراته على قاعدة جوية سورية بالصواريخ العابرة للقارات كعقاب على ما سماه «جريمة خان شيخون». وضمن استراتيجية ترامب وحربه على سوريا دور مهم لـ«النصرة» الذي طلب ترامب من إسرائيل أن توثق علاقاته بها وتمده بما يلزم. وحتى يعرف من لا يعرف علاقة هذه الخطط الأميركية الإسرائيلية بموقف الإدارة الأميركية من أزمة الخليج، نكشف لأول مرة المعلومات الآتية: منذ زمن طويل، أقامت قطر علاقات مع إسرائيل عبر قنوات متعددة، وتوثقت هذه العلاقات عندما أصبح الشيخ حمد وزيراً للخارجية (هو يملك فيلا في هرتسليا كان يقضي فيها استراحات، وله جناح في فندق «هيلتون» محجوز على مدار العام). وبحث الشيخ حمد مع الإسرائيليين أوضاع الشرق الأوسط وإيران، وكان دائماً يقول لأصدقائه من الاستخبارات الإسرائيلية "إننا نقيم علاقات مع إيران، ونحن نعلم كما يعلمون هم أننا نكذب عليهم وأنهم يكذبون علينا». المهم هنا هو أن ابن الأمير طرد أبيه وتبوّأ مركز السلطة، وخرج الأمير «مؤقتاُ» وبجيبه مليار و800 مليون دولار «كمصروف». وهنا بدأ العمل التآمري الحقيقي: فقد شكلت لجنة ثلاثية أميركية إسرائيلية قطرية لدراسة أوضاع العالم العربي، والخروج بخطة عمل لإجراء تغيير شامل في المنطقة. وكانت هذه اللجنة وما زالت، تجتمع دورياً في واشنطن لبحث كل بلد عربي على حدة، ولاستعراض أسماء المسؤولين والمعارضين وأسماء الذين يحتمل أن يوافقوا على السير في المخطط الثلاثي. ووضعت اللجنة علامة x على كل مسؤول سيعملون على خلعه (والمهم هنا أن آل سعود قد وضع عليهم علامة x). هذا موضوع طويل، لكن الفكرة الجوهرية أن ما يربط واشنطن بقطر هو اتفاق للعمل على التغيير، استناداً إلى قدرة قطر على تحريك «الإخوان المسلمين» وتحريك تركيا بعدما سيطر عليها «الإخوان»، وهذا الاتفاق موثق ويملك القطريون ذلك كسلاح قوي لا تستطيع واشنطن (حتى الآن)، أن تجازف بعلاقتها بقطر خشية نشر هذه الوثيقة.
لقد اغتال القطريون أكثر من شخص لمجرد اطلاعه على جزء من هذا الاتفاق «سنتطرق إلى هذه اللجنة وما قامت به لاحقاً»، ما يهمنا أن نقوله هنا، هو أن هذا يتعلق بـ«النصرة» في سوريا. أن تتحكم قطر بهذا التنظيم، سواء بشكل مباشر أو في ظل العلم التركي، يجعل من واشنطن أقل رغبة في مساندة حملة محمد بن سلمان وملك البحرين على قطر، إذ برغم أن ترامب جنى تريليون دولار من زيارته للسعودية فإنه لن ينحاز ضد قطر لمصلحة السعودية، ولا شك أن دخول قوات تركية بهذا الحجم وهذه العدة والعتاد هو تنفيذ لما تريده قطر، أي ما تريده اللجنة الثلاثية التي ذكرناها.
إن لعبهم الخطير على هوامش إنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه هو نوع من المحاولة البائسة لتغيير مسار الصراع، لكن الأمور لن تسير كما يريدون، وهذا يتطلب أن تبادر القوى المقاومة إلى ضرب «النصرة» بشتى الوسائل وبالهجوم الدفاعي استناداً إلى وحدة معسكر المواجهة الممتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط.
*سياسي وكاتب فلسطيني