«جنيف 1» + «مونترو» + «جنيف 2» = صفر اتفاق

«جنيف 1» + «مونترو» + «جنيف 2» = صفر اتفاق

مؤتمر جنيف 2

الاثنين، ٢٧ يناير ٢٠١٤

مرت 3 أيام على مؤتمر «جنيف 2» والنتيجة صفر اتفاق. ربما تمر الأيام القليلة المقبلة وتبقى النتيجة على حالها. لو لم يتدخل السفير الأميركي روبرت فورد قبل يومين، لكان وفد الائتلاف انسحب متهماً النظام بأنّه لا يقدم شيئاً وأنه «يدس السم في العسل»، على حد تعبير الدكتور برهان غليون.
السم الذي يتحدث عنه عضو «الائتلاف» دُسّ في سؤال طرحه الوفد الحكومي أمس على الوفد المعارض خلال الجلسة الصباحية: «هل لديكم أي تأثير فعلي على مقاتلي داعش والنصرة وغيرهم كي نتفق على لوائح المعتقلين ومناطق وقف إطلاق النار؟». كان الجواب: «لا فنحن فصيل سياسي والجيش الحر نفسه لديه معتقلون عند داعش وليست لدينا أي سلطة على المجموعات المسلحة وإنما عندنا اتصال معهم».

نظر السفير بشار الجعفري، الذي يتولى رئاسة الوفد بدلاً من الوزير وليد المعلم، إلى الأخضر الإبراهيمي متسائلاً: «إذا كانوا لا يمونون على شيء فكيف يمكنهم ضمان تطبيق أي تفاهم»؟ في اليوم الثالث للتفاوض لا حديث مباشراً بين الوفدين. المبعوث الدولي يشكّل جسر التخاطب في إحدى قاعات المنظمة الدولية المتربعة وسط مساحات شاسعة من الطبيعة الخضراء والمروج المشذبة بإتقان لافت.
الجميع في غرفة واحدة ولا يتحادثون مباشرة. لا بالأحرى ليس الجميع. وليد المعلم ونائباه المستشارة الرئاسية الدكتورة بثينة شعبان والوزير عمران الزعبي لم يحضروا، وكذلك فعل آخرون وبينهم رئيسة المكتب الإعلامي والتواصل في رئاسة الجمهورية لونة الشبل. غيابهم عن الجلسة الأولى قبل يومين فاجأ الإبراهيمي والوفد المعارض. كاد الوفد ينسحب. انزعج الإبراهيمي. سأل المعلم عن السبب. أجيب بأنّ السبب واضح. لا يمكن للمعلم والوفد الرسمي أن يجالسوا هادي البحرة الذي عيّن رئيساً لوفد «الائتلاف» بعد اشتباك على رئاسته بين ميشال كيلو وهيثم المالح.
كان المالح الثمانيني العمر قد أصيب بحادث صحي كاد يلغي مشاركته. سقط من السيارة واصطدم رأسه ببابها أمام مبنى الأمم المتحدة. نقله السائق إلى المستشفى وأجريت له عملية تقطيب للجرح. يسير مع زوجته المحجبة التي يقال إنها تصغره بأربعين عاماً، ينثر هنا وهنالك تصريحات تؤكد أنّ النظام غير جدي بشيء.
لم يقدم الوفد الرسمي حتى الآن أي تنازل ملحوظ. لا يزال يتصرف على أنه ممثل للدولة وأنّ محاوريه لا يمثلون أصلاً المعارضة ولا يمونون على الأرض، وأنهم متورطون بالإرهاب. الثابت الوحيد لديه هو أنه لن ينسحب من المفاوضات مهما حصل.
ولأنه لن ينسحب فهو يتفنن في حجب أي هدية لـ«الائتلاف». لاحظوا مثلاً النقاش الذي جرى أمس بين الوفدين عبر الإبراهيمي:
«الائتلاف»: يجب إدخال المساعدات الإنسانية فوراً إلى حمص القديمة.
الوفد الحكومي: إن موضوع إدخال هذه المساعدات يتم أصلاً منذ أكثر من عام وهو لا يقتصر على حمص، وإنما يشمل مناطق أوسع وذلك بناءً على تفاهم بين الدولة السورية والأمم المتحدة. لا علاقة لمؤتمرنا هذا بإدخال القوافل الإنسانية التي يعرقلها المسلحون. إن هذه القضية مبنية على اتفاق بيننا وبين الأمم المتحدة منذ أكثر من عامين.
«الائتلاف»: يجب فك الحصار عن حمص القديمة لأن الناس يتعرضون للموت هناك.
الوفد الحكومي: لا نمانع بإطلاق سراح النساء والأطفال، لكننا بحاجة إلى لوائح بأسماء الرجال لكي لا يكون بينهم إرهابيون.
«الائتلاف»: هناك أكثر من 10 آلاف معتقل عند السلطة يجب الإفراج عنهم.
الوفد الحكومي: نريد لوائح. ثم لماذا يركز «الائتلاف» فقط على حمص، هناك محاصرون في عدرا العمالية والفوعة ونبل والزهراء، وهناك عشرات الأشخاص المحاصرون في كنيسة الأب فرنسيس. ثم إننا قمنا بتجارب ناجحة للتبادل، ومنها ما حصل مثلاً في برزة وغيرها يمكن تعميم هذه التجارب على مناطق أخرى.
بقي النقاش يدور في حلقة مفرغة. يغضب الإبراهيمي قليلاً. ينظر من خلف نظارتيه السميكتين. يخفض رأسه. يبتسم. يحاول التهدئة. يفرك رأسه تحت شعر غزاه الشيب في العمل الدبلوماسي. لا شيء ينفع.
انتهت الجلسة الى لا شيء. خرج وفد «الائتلاف» إلى الصحافيين يشكو تعنت السلطة. سبقه إلى الصحافيين بعض أعضاء الوفد الحكومي يؤكدون أن الوفد المعارض لا يمون على الأرض، ولم يقدم لوائح وأن الدولة السورية لا تتحاور معه لإيصال المساعدات وإنما مع الأمم المتحدة.
كل يوم يخرج أعضاء الوفدين يتبارزون في تبادل الاتهامات أمام الإعلاميين. بعض الإعلاميين في الحديقة الكبيرة المزدانة بكل أنواع الشجر، وبينها أرزة كبيرة زرعها لبنانيون يعرفون إلى من يتوجهون. بعض الوسائل لا تسأل غير «الائتلاف»، والبعض الآخر لا يسأل إلا الوفد الرسمي. الإعلام في الخارج منقسم تماماً كالمتحاورين. لا يخلو الأمر من بعض المشاحنات أو النظرات المتنافرة، وسط غابة الفضائيات المتناثرة … ووسط غابة السرو والشربين.
3 أيام من المحاولات لم تؤدّ إلى شيء. في اليوم الأول فشل الإبراهيمي في جمع الطرفين. في اليومين التاليين فشل في إقناعهما بشيء.
مع ذلك، يمكن تسجيل ملاحظة واحدة مهمة ولافتة. قبل وفد «الائتلاف» الدخول في مفاوضات إنسانية قبل الحديث عن الهيئة الانتقالية أو صلاحيات الرئيس. لماذا تراجع عما كان يرفضه سابقاً؟ ألم يقل بلسان رئيسه أحمد الجربا قبل أيام قليلة في افتتاح مؤتمر مونترو إن الهدف الوحيد لـ«جنيف 2» هو الهيئة الانتقالية؟
ثمة تفسيران. الأول أنّ الضغوط كبيرة عليه كي لا ينسحب مهما حصل. والثاني أن التركيز على حمص من شأنه فك الحصار عن مسلحين تقول السلطة إنهم متحصنون في مناطق باتت قريبة السقوط.
هذا هو التنازل الأهم حتى الآن. لكن جنيف الهادئة وسط برد يميل إلى الصقيع هذه الأيام تشهد حرارة بعض اللقاءات بعيداً عن الأضواء. روبرت فورد يلتقي يومياً تماماً، كما السفير الفرنسي السابق أريك شوفالييه وعدد من ممثلي الدول الداعمة للمعارضة، وفد «الائتلاف». لا يستبعد وفد السلطة أن يكون فورد نفسه من يكتب أوراق التفاوض للمعارضة، ذلك أنها جميعاً مكتوبة باللغة الإنكليزية. ووليد المعلم ليس طبعاً من النوع الذي يمضي أيامه في فندق النجوم الخمس في جنيف يدخن السجائر. يحكى عن لقاءات جانبية كثيرة تدور في الأروقة وتمهد لمفاوضات أهم قد تأتي بعد إسدال الستارة على «جنيف 2».
في أواخر الأسبوع الجاري تسدل الستارة. لن تؤدي هذه المسرحية على الأرجح إلا إلى نتيجة معروفة: صفر نتائج. يستطيع المبعوث الدولي تزيينها بالقول إنّ الوفدين اتفقا على شيء من القضايا الإنسانية، وإن ثمة أرضية يمكن البناء عليها للمستقبل. سيكون كلاماً جميلاً لتوصيف واقع قاتم. لم يحن بعد وقت التفاوض الجدي.