جنيف 2 : الرابحون والخاسرون

جنيف 2 : الرابحون والخاسرون

مؤتمر جنيف 2

الثلاثاء، ٢١ يناير ٢٠١٤

نادرا ما يكون مجرد انعقاد مؤتمر مكرس للبحث في تسوية نزاع معين فرصة لتبلور صورة الرابحين والخاسرين في سياق الصراع الدائر والقراءة الموضوعية المتأنية تفضي إلى هذا الاستنتاج بمجرد بدء اجتماعات جنيف 2 وأيا كانت النتائج المرتقبة.
أولا الموعد المقرر لانعقاد مؤتمر جنيف 2 الخاص بالوضع السوري جاء بعد ثمانية عشر شهرا من صدور بيان الدعوة إليه في مطلع شهر تموز من العام 2012 وبعد عملية تأجيل وتأخير مدبرة قادتها الولايات المتحدة واختبرت فيها شتى السبل لتغيير التوازنات الراجحة لمصلحة الدولة الوطنية السورية ولذلك فإن مجرد انعقاد المؤتمر سيفرز في المشهد السياسي السوري والإقليمي والدولي رابحين وخاسرين طبقا للمعادلات الجديدة التي فرضت تراجع المعرقلين وانكسار حلف عالمي إقليمي قادته الإدارة الأميركية في محاولات متخبطة لتعديل التوازنات انتهت إلى الفشل والهزيمة وكان أبرزها اختبار واشنطن لقرار شن الحرب الشاملة على سوريا واضطرارها للتراجع في ضوء معادلات القوة التي انتهت إلى فرض الاعتراف الأميركي بانتهاء زمن الهيمنة الأحادية على العالم ومن خلال تسوية الكيماوي الروسية التي تسلمت بعدها موسكو قيادة العمليات السياسية التي توصل إلى مؤتمر جنيف 2 وانطلاقا من النص الذي تعرض للتحريف والتشويه طوال الفترة الماضية في إعلان جنيف 1 الذي أكد على التوصل إلى تسوية تتضمن «تشكيل جسم حكومي انتقالي يمكنه أن يخلق جواً حيادياً يمكن فيه للعملية الانتقالية أن تجري، وهذا يعني أن الحكومة الانتقالية ستتمتع بكامل سلطتها التنفيذية، ويمكن أن تتضمن أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى، وينبغي أن تشكّل على أساس من التوافق المتبادل».
كما أكد الإعلان أن الشعب السوري هو الذي سيحدد مستقبل بلاده، وعلى «كل المجموعات وشرائح المجتمع في سوريا أن تتمكن من المشاركة في عملية حوار وطني يجب أن يكون ليس فقط شاملاً بل أيضاً مجدٍ»، وأضاف أنه على هذا الأساس «يمكن أن تجري مراجعة للنظام الدستوري والنظام القانوني» وأشار إلى أنه «ينبغي بعدها أن تطرح نتيجة المسوّدة الدستورية للمصادقة الشعبية، وعند تشكيل النظام الدستوري الجديد، من الضروري التجهيز لانتخابات حرّة تتضمن أحزابا متعددة». وهذا النص ليس واقعيا غير صياغة أخرى في الشكل لمضمون الرؤية التي تقدمت بها الدولة الوطنية وهو لا يتضمن أي كلام عن تسليم الحكم او عن تنحي الرئيس الأسد كالذي اجترته الولايات المتحدة ومن خلفها جماعات المعارضة التابعة للغرب طوال سنة ونصف ومن الواضح ان العملية الانتقالية ستجري في ظل الدستور الحالي وبالتالي في ظل رئاسة الدكتور بشار الأسد.
ثانيا انعقاد المؤتمر يكرس الخاسرين بشكل واضح قياسا للمواقف المعلنة فالولايات المتحدة خسرت رهانها على إسقاط سوريا وتلقت صفعة كبيرة وقاسية باضطرارها للخضوع الى حقيقة الدور الحاسم للدولة الوطنية برئاسة الأسد وهي مرغمة على تقبل الدور الروسي القيادي في المؤتمر والمساكنة مع الحضور الإيراني بلا قيد او شرط بناء على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة كما هي مكرهة على الاعتراف بأن الدولة الوطنية السورية تقاوم الإرهاب الذي سيكون عنوانا مركزيا لنقاشات المؤتمر وهي مرغمة أيضا على مواصلة التكيف مع الفشل ومع تفكك حلف العدوان على سوريا بعد التحولات الكبرى التي جرت في مصر وقطر وفي ظل التحولات التركية الجارية وامام اضطرارها لإبلاغ تعليمات جديدة إلى السعودية للحد من دعم واحتضان القاعدة وفصائلها في المنطقة إثر انكشاف الكثير من الوقائع الدامغة في المشهد السوري وحيث تبدو الإدارة الأميركية على علم وثيق باتصالات حلفائها الأوروبيين بالعاصمة السورية لطلب التعاون في مكافحة الإرهاب الذي يقرع أبواب غرب المتوسط.
الواجهات المعارضة التابعة للغرب جلبت بصورة مذلة إلى الحوار مع الدولة التي رفعت شعار إسقاطها وأسست ائتلافها ومجلسها على ميثاق رفض الحوار معها وقد ادّت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة عبر سفيرها روبرت فورد دورا نافرا في «شرشحة» الائتلاف وتفككه في اسطنبول وفي عزل قوى معارضة عديدة في الخارج والداخل راهنت على تبني الغرب لها لتعميد دورها في الحياة السياسية السورية ومعظمها راهنت على الغزو الأجنبي للبلاد ومن ضمنها تشكيلات انتهازية باعت واشترت كثيرا في مواقفها المتقلبة.
ثالثا الدولة الوطنية السورية تتوجه من جانبها متماسكة صلبة ووفدها جاهر بأنه سيعمل بتعليمات الرئيس بشار الأسد وهو يحمل أجندة واضحة لإنقاذ سوريا تضع جميع الدول الداعمة للإرهاب في موقف حرج والموقف الأشد صعوبة يحيط بخصومها الذين يواجهون إشكالية عجز الواجهات عن ضبط الميدان ومأزق إمساك الجماعات الإرهابية بذلك الميدان والاختبار الجاهز سيكون صيغة وقف القتال في حلب التي اقترحها وزير الخارجية الأميركي جون كيري وأعدت لها الدولة السورية خطة أعلن عنها الوزير وليد المعلم من موسكو بينما أعرب المعلم عن الاستعداد لتبادل الأسرى والموقوفين ولدى الدولة كذلك قابلية واستعداد معبر عنه في الميدان عبر الهدنات التي تنجزها اللجان الشعبية مع المسلحين المحليين في ريف دمشق لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وهذا ما يضع الدولة في وضعية المبادرة الهجومية إلى الحل السلمي بينما الفريق المقابل لها في المؤتمر مضروب على رأسه وهو عاجز ومربك بخلافاته وبمشكلاته التي لا تعد ولا تحصى.
انعقاد المؤتمر سيكون انتصارا سياسيا لروسيا وربحا سياسيا لإيران ومناسبة لمراكمة نقاط ومكاسب سياسية عديدة لمصلحة الدولة الوطنية السورية وهذا ما تكرسه أي محاولة للإجابة عن سؤال من تراجع عن مواقفه السابقة برفض الحوار ومن صمد بثوابته التي جاءت صيغة الانعقاد أقرب إليها وأية رواية عن الأحداث السورية هي أقرب لمسارات المؤتمر وموضوعاته بطابقيه الدولي الإقليمي والسوري – السوري؟ نعم في جنيف 2 رابحون وخاسرون وطاولات الحوار والتفاوض ليست بعيدة عن حقائق الميادين الدولية والإقليمية والمحلية التي صنعها الصمود السوري شعبا وجيشا وقيادة في وجه الحرب الكونية.