المشهد الرياضي في زمن التضخم الإداري والمالي…رياضتنا مهددة بالمزيد من التراجع فهل نبادر إلى الحل قبل أن فوات الآوان؟

المشهد الرياضي في زمن التضخم الإداري والمالي…رياضتنا مهددة بالمزيد من التراجع فهل نبادر إلى الحل قبل أن فوات الآوان؟

الأخبار الرياضيــة

الأربعاء، ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٢

المتابع يدرك أن الواقع الرياضي ليس بخير، وأن الأمور لا تسير ضمن طريقها الصحيح وأن الحقائق بدأت بالمغيب، والحلول ما زالت قاصرة وعلى ما يبدو عاجزة عن إيجاد الطرق لوقف التدهور الرياضي بكل الألعاب وبكل الأندية.
 
وإذا كان التضخم المالي قد أصاب بعض الرياضات بالشلل، فإن التضخم الإداري أصابها بمقتل، ولأننا في نهاية موسم رياضي فإننا ننظر بأسى إلى واقع لا يطمئن أبداً مع غياب النشاطات المحلية وغياب الاستراتيجية الرياضية وغياب أي خطة عمل سواء مركزية أو فرعية أو على صعيد الاتحادات والأندية.
 
وللأسف فإن أغلب المؤسسات الرياضية باتت ديواناً للمراسلات تتبادل الكتب وربما التهاني، وعلى صعيد النشاطات المحلية فإن أغلبها في علم الغيب، ولم نعد نسمع بأي نشاط في العديد من الألعاب.
 
رياضتنا تبحث عن عكاز تستند عليه، فلم تجد أفضل من بضعة أبطال حازوا على الذهب والفضة في دورة المتوسط، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن رياضتنا بخير!
 
يمكن القول أنه أفضل من البحث عن المبررات يجب البحث عن الحلول، وهذه الحلول يجب أن تشمل مواطن كثيرة في رياضتنا تبدأ من تحديث القوانين وحسن إدارة الموارد المالية ومكافحة الفساد .
 
المعادلة غير المتكافئة
 
في الرياضة لعبتان محترفتان والبقية هواة وفي الأندية هناك الغني وأكثرها فقير، وهي معادلة غير متكافئة لأن رياضتنا بما تضم من مؤسسات هي تابعة لمنظمة الاتحاد الرياضي العام وليست رياضة مستقلة تتبع للقطاع الخاص أو القطاع المشترك.
 
والملاحظ أن الموارد المالية لا توزع بعدالة بين هذه المؤسسات وما تضم من ألعاب، وأن الاستثمارات أيضاً غير متاحة للكثير من الأندية فضلاً عن الاتحادات الرياضية التي تنتظر (الإعانات) لتقوم بنشاطاتها، وفي الواقع أيضاً هناك اتحاد مدلل واتحاد عاق وهذه التي أطلقنا عليها (الإعانة) لا توزع بعدالة بين هذه الاتحادات لأنها مرهونة بالولاء والرضا.
 
وقبل الخوض في النشاطات الرياضية المتهالكة علينا أن نسأل: هل رياضيتنا تقوم على ثوابت وأرضية صلبة؟، والجواب للأسف بالنفي، فليس هناك أي ثوابت أو مرتكزات صحيحة تقوم عليها الرياضة.
 
وهذه مسؤولية الاتحاد الرياضي العام ليخلق التوازن والثوابت والمرتكزات التي تبنى عليها الرياضة من خلال التواصل مع الجهات الحكومية فهناك الكثير من القوانين التي تحتاج إلى تحديث، وهناك حاجة إلى دعم شامل ليس بأشكال الدعم المالي فقط.
 
سمعنا سابقاً عن مشاريع كثيرة يمكن أن تفيد رياضيتنا وتقويتها منها: الطابع الرياضي، ملكية الأراضي، القانون المالي، الملاك العددي، وغيرها من القوانين المقترحة على الشاكلة ذاتها، وهي إن تحققت ستساهم بتحسين القوانين الوضعية الصادرة عن الاتحاد الرياضي.
 
وهنا لا نلمس أي تحرك في هذا الإطار، ولا نسمع عن أي اجتماع عقد مع رئاسة مجلس الوزراء أو مع أي وزير أو مؤسسة معينة ليتم بحث الواقع الرياضي وكيفية تطوير القوانين.
 
عوائق كثيرة
 
النشاطات الرياضية هذا الموسم متوقفة أو قليلة ومختصرة بسبب التضخم المالي، فهناك عوائق كثيرة تتعلق بالنشاطات منها غلاء التكاليف والإقامة والمواصلات، وصار الرياضي يفكر ألف مرة قبل المشاركة في أي نشاط نظراً للكلف المالية العالية ولعدم وجود موارد تغطي هذه النفقات، لذلك شاهدنا بطولات كثيرة بألعاب مختلفة كان المشاركون فيها قلة لدرجة أن بعض المحافظات أحجمت عن المشاركة وهو أمر غير مسبوق ولم نعهده من قبل، وكنا إذا تخلفت محافظة واحدة أو هيئة عن أي بطولة نستغرب أشد الاستغراب وربما اتخذ بحق المتخلف أشد العقوبات لاعتبار ذلك تقصيراً غير مبرر.
 
أما على صعيد الأندية فحدث ولا حرج، وأغلب الأندية تدير ظهرها للمشاركات الفرعية والمركزية لأسباب مالية أيضاً.
 
لنجد الملاحظة الآتية: إذا كانت الأندية أو المحافظات غير قادرة على تأمين نفقات المشاركة في بطولة محلية لأي لعبة، فهل هي قادرة على مزاولة لعبة وتطويرها وتبني مواهبها؟
 
والأخبار المؤكدة تفيد أن الرياضي في أي لعبة هو من يقوم برعاية نفسه مالياً والإنفاق على متطلبات الرياضية توفرت، وبعض الأندية تقدم مكافآت للأبطال وبعض هذه المكافآت شهرية وبعضها موسمية وهي تستند إلى نتائج الرياضيين في البطولات التي شاركوا بها، وهذه المكافآت محصورة بالرياضيين الذين نالوا المراكز الثلاثة الأولى أما البقية فليس لهم أي نصيب، والسبب في ذلك عدم قدرة الأندية على الصرف على كل اللاعبين، لكن الغريب أنها قادرة على إنفاق مئات الملايين على فريق كرة القدم.
 
الحلول في هذه المشكلة كثيرة وهي معروفة وتبدأ برفع التعويضات وأذن السفر ليتمكن الرياضيون من المشاركة في البطولات المركزية على الأقل.
 
تفاوت وتنفيذ
 
المفارقة العجيبة في الرياضة أن كرتي القدم والسلة قادرة على تنظيم ترحال مجاني للجماهير لمتابعة فرقها من محافظة إلى محافظة أخرى، ولكنها غير قادرة على دعم ألعاب الملاكمة والجودو والكاراتيه والمصارعة ورفع الأثقال وغيرها، وهذا الكلام ليس افتراضياً وقد حدث فعلاً وأكثر من مرة في الشهرين الأخيرين من أندية الوحدة والوثبة والفتوة وأهلي حلب وغيرها.
 
وهنا نسأل إدارة نادي الفتوة: لماذا لا تهتمين بألعاب غير فريق رجال كرة القدم؟ مع العلم أن هناك ألعاباً كثيرة تفوقت بها رياضة دير الزور ونادي الفتوة تحديداً وكانت ماركة مسجلة باسمها.
 
من الحلول أيضاً تخصيص الأندية بألعاب معينة، وهذا الكلام طال الحديث عنه سواء في الاجتماعات أو في القرارات أو في وسائل الإعلام، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ بسبب هيمنة الأندية الكبيرة على القرارات، وهي ترفض تبني الألعاب الرياضة باستثناء لعبتي كرة القدم والسلة.
 
التوجه إلى الأندية الصغيرة كما كان معلوماً في السابق معمولاً به، فهناك أندية مختصة بلعبة المصارعة فقط وأخرى برفع الأثقال وغيرها بالجودو.
 
وهذه الأندية بطبيعة لا تحتاج إلى منشآت ولا إلى نفقات كبيرة ويمكن أن تخلق لنا جيلاً من الأبطال، وننظر حالياً إلى تجربة نادي سلحب برفع الأثقال بالكثير من الاحترام والتقدير.
 
حلول إضافية
 
من الحلول إيقاف تراخيص أندية كرة القدم وخصوصاً في الأرياف ومع قناعتنا أن كرة القدم لعبة جماهيرية فلتمارس في الريف ضمن ما يسمى الأحياء الشعبية، حتى لا تستهلك الأندية الريفية وخصوصاً الفقيرة منها مواردها على لعبة لن تتفوق بها لأنها لا تملك مقوماتها الأساسية.
 
ريف دمشق وحدها تضم أكثر من سبعين نادياً بعضها موجود على الورق، والغريب أن كل الأندية تريد ممارسة كرة القدم وكلها لم تحصل من مزاولتها إلا على هدر المزيد من المال ولنا بتجربة فريق حرجلة وغيره من الأندية خير مثال.
 
ولو أن هذه الأندية تتبنى لاعبين من بلدتها لهان الأمر، لكنها تبحث عن لاعبين هنا وهناك وتتكلف عليهم المال الوفير دون جدوى.
 
الأندية الريفية يجب أن تختص بغير كرة القدم ومن المفترض أن تدعم مالياً وفنياً ولوجستياً لتصبح هذه الأندية فاعلة ولتمارس دورها في تنمية الرياضة وتطوير ألعابها والعناية بمواهبها.
 
المنشآت والاستثمار
 
الأندية الريفية لا تحتاج إلى المنشآت العملاقة، كل ما تحتاجه عبارة عن صالة لتمارس فيها اللعبة التي تختص بها وتحتاج بالوقت ذاته إلى استثمار بسيط قادر على الإنفاق على هذه الرياضة، وهذا الاستثمار شكله بسيط قد يكون عبارة عن محلات تجارية أو صالة أفراح أو ما شابه ذلك.
 
هذه الأمور سهلة التحقيق ووجودها مرتبط بمدى التعاون الوثيق بين الاتحاد الرياضي العام ووزارة الإدارة المحلية وخصوصاً أن النظم القانونية موجودة في كل المراسيم والقوانين الرياضية الصادرة لتفعيل هذا المقترح.
 
الأندية الكبيرة صاحبة الحضور والجماهيرية بحاجة إلى دعم إنشائي واستثماري كبيرين فهناك أندية غارقة في متاهات الاستثمار، وهناك أماكن واسعة وشاسعة في هذه الأندية مهملة ولم يدخلها الاستثمار، وهناك أندية ليس لديها استثمارات ومنشآت مناسبة كناديي تشرين وحطين.
 
حل المشاكل الاستثمارية في الأندية الكبيرة يفضي إلى حل أغلب المشاكل التي تعاني منها الرياضة.
 
الأندية مسؤولة عن تأهيل الرياضيين وصناعة الأبطال، والاتحادات مسؤولة عن النشاطات المحلية والخارجية ورعاية المنتخبات الوطنية.
 
الاتحادات الرياضية ليس لديها استثمارات وليست لها مداخيل مالية، وهي ممنوعة من الصرف لذلك لا نستطيع محاسبة هذه الاتحادات لأنها لا تملك القدرة، فمن لا يملك المال يكون مسلوب القرار، والحل يكمن بتأمين ريوع مالية ثابتة واستثمارات وتمكين الاتحاد بالتصرف المالي والفني أسوة بالأندية، وتحويل هذه الألعاب نحو الاحتراف بالتدرج.
 
وإذا كان التضخم المالي يعيق التطور الرياضي ويحد من النشاطات وإقامة البطولات فإن التضخم الإداري المتمثل بالهيمنة الكاملة على الاتحادات الرياضية وعلى النشاطات الداخلية والخارجية يهدد رياضتنا بالمزيد من التراجع ليصبح بعدها إصلاح الرياضة ضرب من المستحيل.
 
ربما مررنا مرور الكرام على بعض المشاهد الرياضية التي لا تسر الناظر، وربما أيضاً أشرنا إلى بعض الحلول البسيطة، لكن الحل والربط عند أصحاب القرار، فهل ننتظر الحلول السريعة أم إن انتظارنا سيطول كثيراً؟.