بعد اليوبيل الذهبي هل شاخت رياضتنا أم عجزنا عن النهوض بها؟ رياضتنا تتراجع والحلول موجودة لكن العزيمة مفقودة

بعد اليوبيل الذهبي هل شاخت رياضتنا أم عجزنا عن النهوض بها؟ رياضتنا تتراجع والحلول موجودة لكن العزيمة مفقودة

الأخبار الرياضيــة

الأربعاء، ٩ مارس ٢٠٢٢

 

قبل عام من الآن احتفل الرياضيون بالعيد الذهبي وتفاءلنا كثيراً حسب المعطيات والمخرجات في هذا الحفل، وبعدها سمعنا عن مشاريع كثيرة للدعم وللتطوير مع تبني الرياضة المنسية (رياضة المدارس) وغيرها من الأمور التي دبت التفاؤل في أوصالنا الموجوعة رياضياً.
 
المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام رسم لنا الكثير من الوعود المخملية في كل المناسبات والمؤتمرات والجولات، لكن كل هذه الآمال غابت مع غياب الشمس ولم نعد نجد أي أثر للوعود سوى الأوراق التي كتبت عليها هذه الكلمات، وتبين لنا بما لا يدع للشك أننا ماهرون بالتنظير فاشلون بالعمل، لذلك بين عيد الرياضة الماضي وعيد الرياضة اليوم تدهورت رياضتنا كثيراً وتراجعت إلى الوراء أكثر وهذا دليل قاطع أن القائمين على العمل الرياضي عاجزون عن مسك الرياضة من أطرافها وعلى دفعها نحو أماكن آمنة.
 
وهذا الكلام هو توصيف للواقع وليس نيلاً من أحد، فالأمور الخاصة لا تعنينا فما يعنينا في الرياضة الأمور المرئية التي ترفع علم الوطن الغالي وتعلي راياته في كل المحافل الرياضية التي يشارك بها رياضيونا وفرقنا ومنتخباتنا.
 
والوضوح الذي فرض علينا مثل هذا الكلام هو العلاقات غير المنسجمة في المؤسسات الرياضية، فالصراع قائم بين الأشخاص في هذه المؤسسات، والصراع أكبر بين أولئك الطامعين بدخول هذه المؤسسات.
 
وقد تبين للجميع أن المنافع الشخصية طغت على العمل والتطوير وعلى الخبرة والكفاءة، لذلك تجذر هذا الصراع في رياضتنا بحثاً عن منافع شخصية يمكن أن يجنيها الشخص عندما يكون داخل المؤسسات.
 
مقارنة بسيطة
 
حتى لا نكون قد تجنينا على أحد بكلامنا هذا فإننا نجري مقارنة بسيطة بين واقع أنديتنا في العام الماضي والعام الحالي، وكذلك الاتحادات الرياضية وغيرها من المؤسسات الأخرى، لنجد أن كل شيء يسير نحو المجهول بعد أن وصل إلى الدرك الأسفل من المستوى والنتائج والمواقع!.
 
الكرة الطائرة على سبيل المثال حكم عليها بالإعدام عندما ألغيت من نادي الوحدة الذي تبنى اللعبة بكل الفئات ويملك خيرة نجوم ومواهب اللعبة في القطر، وتبديل الإدارة ساهم في هذا القرار، فالإدارة الجديدة للنادي اختصرت الرياضة بكرة القدم وكرة السلة وعلى باقي الألعاب السلام.
 
ومع ذلك لم نجد أحداً ينصر اللعبة وكأنهم يريدونها أن تذهب للمجهول وتذبل وتصبح إلى زوال، وهنا نسأل ما مسؤولية فرع دمشق للاتحاد الرياضي الذي أراد أن يوزع الألعاب الرياضية على الأندية؟ وما دور المكتب التنفيذي في هذا القرار المجحف بحق لعبة نشيطة تلتمس النور في أجواء مظلمة؟.
 
وإذا انتقلنا إلى الريشة الطائرة فالوضع أصعب والمشكلة باتحاد اللعبة الذي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، فالتراجع باللعبة بلغ مداه لدرجة أنه لم يبق لنا أي لاعب بفئتي الرجال والسيدات، وقبل اثنتي عشرة سنة سمعنا أن اللعبة ستتجه للقواعد وهذا كان خطاب اتحاد اللعبة في كل موسم وفي كل مناسبة، ولكن على ما يبدو أن صغار اللعبة ومواهبها لم يبلغوا الفطام بعد لنراهم مشرقين في البطولات المحلية والخارجية.
 
وقصة اتحاد اليد بات يعرفها القاصي قبل الداني وقد وصلت إلى المحافل الدولية في حادثة غير مسبوقة لكنها تدل على ضعف المكتب التنفيذي الذي أوصل هذا الاتحاد إلى الدرجة التي يتمسك بها بمنصبه بقرار دولي، وهو أمر لم نعتد عليه سابقاً.
 
أما اتحادا كرة القدم وكرة السلة فكانا عنوان الفشل الذريع، وما صرف عليهما من مبالغ بالليرة السورية والعملة الصعبة يدل على سوء الإدارة وهدر المال العام دون حسيب ورقيب، وإذا كانت كرة القدم مكشوفة والجميع يطعن بأفعال القائمين عليها، وما جرى في اتحاد كرة القدم تحديدا وصمة عار بحق رياضتنا وخصوصاً أن المعالجات كانت أسوأ من النتائج وسوء العمل والإدارة، والصرف والإنفاق الذي حدث في اللعبتين دلّ على أن الأمور المالية والفنية والإدارية والتنظيمية (سايبة) وفي خبر كان.
 
ولن نخوض في عمق التفاصيل لأننا تحدثنا كثيراً ومطولاً عن الإخفاق والتجاوزات التي حدثت في كرة القدم في عام واحد على الأقل.
 
الاتحادات السابقة التي ذكرناها نموذج لما يحدث في رياضتنا وبقية الاتحادات الرياضية ليست بحال أفضل، لكن ما ذكرناه نموذج للتمرد والإنفاق غير المشروع واللامبالاة وسوء الإدارة وعدم الاهتمام.
 
المفهوم الخاطئ
 
من خلال متابعتنا الجادة للمؤتمرات السنوية التي جرت قبل أشهر من الآن توصلنا إلى نتيجة أن هذه المؤتمرات تقام من باب الواجب ولتنفيذ الروزنامة السنوية للاتحاد الرياضي العام، لكن الصيحات التي أطلقها الرياضيون في الأندية والاتحادات لم تلق الآذان المصغية ولم يتم التعامل معها بجدية، والدليل على ذلك ازدياد معاناة الأندية والاتحادات الرياضية، وما جعلنا وقتها نتشاءم أن أحداً من الذين هم في موقع المسؤولية بالمكتب التنفيذي سفّه المداخلين طالباً منهم رفع مستوى المداخلات، كل ذلك لأن الرياضيين كانوا يطالبون بحذاء رياضي وكنزة وبساط مصارعة وقفاز ملاكمة وطاولة بلياردو، وما زال الرياضيون حتى الآن يطالبون برفع أذن السفر، فهل من المعقول ليشارك أي لاعب أو مدرب أو إداري ببطولة ما خارج محافظته أن يدفع من جيبه تكاليف المشاركة لأن أذن السفر لم يعد يغطي أجرة التنقلات.
 
لنسأل من اعترض على المداخلات: ماذا ستكون مداخلات الرياضيين؟ هذه مشاكلهم وأوجاعهم، وهذه بالفعل منغصات العمل الرياضي، وإذا كان الرياضي يبحث عن تجهيزات وحذاء وكيس ملاكمة، فكيف سنطالبه بالبطولة؟ وكيف ستتطور رياضتنا ونعلي راياتها؟.
 
الملاحظات التي سجلها الحاضرون لهذه المؤتمرات من القيادة الرياضية ومن فرع دمشق (هنا نتكلم عن العاصمة فقط، وما يسري عليها ينطبق على جميع المحافظات بلا استثناء) لم تؤخذ بعين الاعتبار ولم يبحث أحد عن الحلول ووضعت في الأدراج، لذلك بلغت الصعوبات حدها الأعلى لدرجة أن بعض الأندية أفلست تماماً وباتت غير قادرة على الصرف، وبعضها تعيش تحت رحمة اللجان وعدم الاستقرار وتعيش مشاكل إدارية لا حصر لها، لتتعطل النشاطات بألعاب مختلفة.
 
الإمكانيات المتاحة
 
ليست المشكلة في الإمكانيات المتاحة والموارد الضعيفة وقلتها، إنما تكمن المشكلة في إدارة هذه الموارد وكيفية توظيفها ولو بالحد الأدنى.
 
هذا الباب واسع جداً ويمكن الكلام عنه مطولاً، ولن نخوض إلا في الأندية لتكون الأمثلة واضحة وشفافة ونستبين منها الهدر الذي لا يستند إلى أي منطق أو إستراتيجية أو فكر احترافي.
 
تغيير المدربين بشكل مستمر وفسخ عقود العديد من اللاعبين يدل على سوء إدارات أنديتنا بالتعامل مع الاحتراف وغياب الثقافة الكروية وعدم وضوح إستراتيجية العمل المبني على قواعد وأسس صحيحة.
 
التغيير من ناحية العامل الفني يضعف الفرق وقلما كان التغيير مفيداً والشواهد في ذهاب الدوري الحالي كثيرة بدءاً من الكرامة إلى عفرين إلى النواعير إلى الجيش وغيرهم، ومن الناحية المالية فإن ذلك يرهق الأندية بالدفع للراحلين والقادمين وهذه مصاريف زائدة لو أحسنت الأندية الاختيار منذ البداية لما وصلت إلى نفقات كثيرة لا طائل منها وفوائد فنية قد تكون معدومة.
 
صرفيات زائدة
 
أغلب أنديتنا الكبيرة مفلسة وصناديقها فارغة وتبحث عن المال من هنا ومن هناك والسبب سوء العمل الإداري والفوضى التي تكلمنا عنها في موضوع المدربين، وعلى سبيل المثال فإن نادي الوحدة تعاقد هذا الموسم مع أكثر من عشرة لاعبين محترفين من أندية عدة، بالنظر في هذه التعاقدات لم نجدها بوقتها منطقية لأنها غير مفيدة للفريق، وانتهت مرحلة الذهاب لنجد أن شكوكنا كانت بمحلها، والسبب أن العقود جاءت مع لاعبين بلغوا سن الاعتزال وبعضهم يحمل أذية عضلية وعظمية، ومع غياب الفحوص الطبية الصحيحة جاءت التعاقدات مع اللاعبين المصابين أشبه بجريمة بحق النادي لأنه دفع المبالغ الطائلة دون أن يستفيد من الكثير من اللاعبين الذين تعاقد معهم والدليل الموقع الذي انتهى إليه الفريق مع نهاية الذهاب وهو مبتعد عن المنافسة كثيراً، وبالنظر إلى نادي الوثبة المتصدر وجدنا أن تعاقداته كانت منطقية ولم يصرف على فريقه نصف ما صرفه الوحدة وبات في الصدارة ومثله فريق تشرين، أما نموذج الوحدة فهو موجود في باقي الأندية كالكرامة والفتوة والاتحاد وحرجلة وغيرها، وهذه الفرق دفعت كل إمكانياتها لهذه التعاقدات وسخرت لها كل الواردات واستدانت واستعانت بالمحبين والداعمين، ومع ذلك لم تكن بخير لأنها بمواقع المهددين، ولم تسعفها كل هذه التعاقدات باهظة الثمن ببلوغ المنافسة أو تفادي الخطر على أقل تقدير، والحديث هذا لا يقتصر على دوري الدرجة الممتازة بل ينسحب على بعض فرق الدرجة الأولى ولو اعتبروها هواة إلا أنها غرقت في مستنقع الاحتراف ولم تجن منه إلا الفشل وهدر المال.
 
في الكواليس هناك أحاديث كثيرة عن فوائد تجبى من كل هذه التعاقدات والصرفيات وهذه الشبهات فاحت روائحها وننتظر من يؤكدها بالدليل.
 
خير الكلام
 
الحديث طويل في قضية التراجع الذي تشهده رياضتنا وكشف أسبابه ونحتاج إلى أعداد كاملة لنتحدث به، كالحديث عن المنشآت والاستثمارات والعقود والقوانين وغيرها ونكتفي بهذه الإشارات البسيطة، بعض المراقبين باتوا يتحدثون عن ترهل المنظمة وهذه الأحاديث باتت علنية وفي الشاشات الكبيرة، والبعض طالب بتحديث القوانين لتكون ملبية للعصر وللتطور الرياضي الحاصل في دور الجوار.
 
والاعتقاد أن المنظمة الرياضية باتت بحاجة إلى تحديث في القوانين والكثير من مواد النظام الداخلي لتكون قادرة على مواكبة العمل الرياضي الناضج الملبي، لكن التساؤل المهم: هل شاخت رياضتنا أم إننا عاجزون عن التعامل مع الرياضة بنضوج وعقلية فكرية تواكب التطور العلمي للرياضة؟ وهل تنامي الفساد وعدم مكافحته أدى برياضتنا إلى هذا المصير؟