نزار قباني.. شاعر المرأة والحب والحنين

نزار قباني.. شاعر المرأة والحب والحنين

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ١٤ مارس ٢٠٢٣

الشاعر نزار قباني، شاعر عربي من سوريا، ولد في دمشق عام 1923 ودفن فيها عام 1998. وجدت صعوبة في جعله يستيقظ، بحجة أنه لم يقتنع بإجراء حوار معه من شاعر آخر.. وهو يفضل أن تجري الحوار امرأة جميلة فهي الأقدر على إشعال ذاكرته.
 
 
قلت: ما زال كثيرون ينظرون إلى شعرك وكأنه سجل خطايا.
 
قال: وهل هناك إنسان بلا خطايا؟
 
 
 
قلت: هل أنت شاعر المرأة حقاً؟
 
قال: أنا شاعر أسجل ما أمرّ به من أحداث، وفي البدء كانت المرأة، والمرأة كانت أختاً.. كانت أمّاً.. كانت حبيبة.
 
 
 
قلت: ماذا تعني بكانت أختاً؟
 
قال: نعم.. أول امرأة أثرت فيّ وأثارت شاعريتي كانت أختي التي اضطرت إلى الانتحار.
 
 
 
قلت: ولماذا؟
 
قال: لأن العائلة رفضت تزويجها بمن أحبت.. فوجدت أن الموت أسهل من التخلي عن حبها.
 
 
 
قلت: ولكن شعرك يتغزل بالمرأة ولا يدافع عن قضاياها.
 
قال: عد حتى إلى قصائدي الغزلية تجد أنني أعتبر المرأة سيدة أو ملكة وأن نظرة الرجل الشرقي إليها تدل على تخلفه وظلمه لهذه الإنسانة الرقيقة.
 
 
 
قلت: ولدت في دمشق.. وكانت هذه المدينة العريقة موضوعاً لعدة قصائد لك.
 
قال: ولدت في حي قديم من أحياء دمشق هو مئذنة الشحم، وكان بيتنا في ذلك الحي تقليدياً يتصف بالاتساع وتفوح منه رائحة الياسمين لأفتح عيني على أم حنون ووالدٍ عظيم.
 
 
 
قلت: وما سر عظمته؟
 
قال: كان والدي توفيق قباني زعيماً وطنياً ومن أعيان البلد.
 
 
 
قلت: على أيامك كان هناك مدارس.
 
قال: نعم.. ولقد حصلت على الشهادة الثانوية من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق ثم التحقت بجامعة دمشق لأدرس الحقوق وتخرجت من الجامعة عام 1944.
 
 
 
قلت: ولكن كانت بدايتك بعيدة عن الشعر حيث توزع اهتمامك في الصغر بين الرسم والموسيقى.
 
قال: من الخامسة إلى الثانية عشرة من عمري اتجهت إلى الرسم، أرسم على الأرض وعلى الجدران وألطخ بالألوان كل الأماكن.
 
 
 
قلت: والموسيقى؟
 
قال: بعد الثانية عشرة من عمري اتجهت إلى الموسيقى محاولاً العزف على بعض الآلات الموسيقية ولكن انشغالي بالدراسة الثانوية أبعدني عن دراسة الموسيقى.
 
 
 
قلت: والشعر؟
 
قال: الرسم والموسيقى هما ما دفعاني إليه.
 
 
 
قلت: متى كانت بدايتك كشاعر؟
 
قال: في عام 1939، وكنت في السادسة عشرة من عمري مشاركاً في رحلة مدرسية على إحدى السفن إلى إيطاليا.
 
 
 
قلت: وماذا كان موضوع تلك القصيدة؟
 
قال: الحنين إلى الوطن.
 
 
 
قلت: وهل نشرت القصيدة؟
 
قال: أذعتها من راديو روما.
 
 
 
قلت: هل عملك كسفير لسوريا أثر في شعرك؟
 
قال: عملت سفيراً لبلادي في القاهرة وأنقرة ولندن ومدريد وبكين، وحياة السفير تضج بعدم الاستقرار والحنين إلى الوطن.
 
 
 
قلت: ولكن المرأة حظيت بالقدر الأكبر من ذلك الحنين لديك؟
 
قال: ودمشق كانت معشوقتي، كانت في عيني هي النساء.
 
 
 
قلت: وماذا قلت عنها؟
 
قال:
 
فرشتُ فوق ثراكِ الطاهرِ الهُدُبا
 
                فيَــا دمشقُ لمـــاذا نبـــدأ العتبَـــــا؟
 
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنيـــــةٍ
 
            على ذِراعيَّ ولا تَستَوْضِحي السَّبَبَا
 
أنتِ النساء جميعاً ما مِن امرأةٍ
 
            أحببتُ بعــــدَك إلا خِلتُها كـــذِبَـــــا
 
يا شامُ إنّ جراحي لا ضِفافَ لها
 
            فمسِّحي عن جَبيني الحُزنَ والتَّعَبَـا
 
وأرجعيني إلى أسوار مدرستي
 
            وأرجعي الحِبرَ والطبشورَ والكُتُبَــا
 
تلك الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بها
 
            وكم تركتُ عليهـا ذكــريــاتِ صبَــا
 
أتيتُ من رحم الأحزان يا وطني
 
            أُقبّلُ الأرض والأبـــوابَ والشُّهُبَـــا
 
حُبي هنا وحبيباتي وُلِدْنَ هنــــا
 
            فمَنْ يُعيــد ليَ العمـــرَ الذي ذهبَـــا
 
أنـا قبيلـــةُ عُشّـــاقٍ بكــاملهـــا
 
            ومن دموعي سقيت البحرَ والسُّحُبا
 
فكلُّ صَفْصافةٍ حــوّلتُهـا امــرأةً
 
            وكلُّ مِئــــذنــةٍ رصّعتُهــــا ذهبــــــا
 
 
 
وصمت نزار ولمعت في عينيه دمعة ساخنة.
 
 
 
قلت: أكمل.
 
قال: لا أستطيع...
 
 
 
قلت: لماذا تحوّلتَ من شاعر المرأة إلى شاعر السياسة؟
 
قال: نتيجة ظروف كثيرة وأحداث أقلقتنا وأحاقت بمجتمعاتنا فجعلتنا نقاسي كثير المرارات ونعاني من ويلات متواترة.
 
قال: هل تسمعني شيئاً من ما تحفظ من شعري؟
 
 
 
قلت: يا وطَني الحزِين
 
حولتني بلحظةٍ
 
من شاعرٍ يكتبُ للحبِّ وللحنين
 
لشاعر يكتبُ بالسِّكين
 
لأنَّ ما نحسه أكبر من أوراقِنا
 
لا بدّ أن نخجل من أشعارِنا
 
السِّرُ في مأساتِنا
 
صُراخُنا أضخمُ من أصواتنا
 
لقد لبسنا قِشرةَ الحضارهْ
 
والروحُ جاهليه
 
بالناي والمِزمارْ
 
لا يحدُث انتصارْ
 
قال: كفى.. دعني أعُدْ إلى هجوعي الدائم.
 
 
 
قلت: ولكننا لم ننته بعد، لديّ أسئلة أخرى كثيرة.
 
قال: لا بدّ لنا من لقاء آخر.
 
 
 
قلت: حسناً.. ولكن لا بدّ من اختيار قصيدة على مَتْنِها نرحل إلى عالَمك الشعري.
 
قال: نعم.. هي «أكبر من كل الكلمات».
 
 
 
«أكبر من كل الكلمات»
 
 
 
سيدتي! عندي في الدفتر
 
ترقص آلاف الكلمات
 
واحدة.. في ثوب أصفر
 
واحدة في ثوب أحمر
 
يحرق أطراف الصفحات
 
أنا لست وحيداً في الدنيا
 
عائلتي.. حزمة أبيات
 
أنا شاعر حب جوال
 
تعرفه كل الشرفات
 
تعرفه كل الحلوات
 
عندي للحب تعابير
 
ما مرت في بال دواة
 
* * *
 
الشمس فتحْتُ نوافذها
 
وتركتُ هنالك مرساتي
 
وقطعتُ بحاراً.. وبحاراً
 
أنبش أعماق الموجات
 
أبحث في جوف الصدفات
 
عن حرف كالقمر الأخضر
 
أهديه لعينيّ مولاتي
 
* * *
 
سيدتي! في هذا الدفتر
 
تجدين ألوف الكلمات
 
الأبيض منها.. والأحمر
 
الأزرق منها.. والأصفر
 
لكنكِ يا قمري الأخضر
 
أحلى من كل الكلمات
 
أكبر من كل الكلمات