«صور من التحليل النحوي للنص الشعري»… قراءات نصية سعت إلى تلمس معالم رؤيا بعض النصوص الشعرية

«صور من التحليل النحوي للنص الشعري»… قراءات نصية سعت إلى تلمس معالم رؤيا بعض النصوص الشعرية

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ١٥ مارس ٢٠٢٢

مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان «صور من التحليل النحوي للنص الشعري»، للدكتور محمد عبدو فلفل، تقع في 247 صفحة من القطع الكبير، وهدفت الدراسة إلى تلمس معالم رؤيا بعض النصوص الشعرية، كما سعت إلى استشعار جمالياتها بالبعدين الدلالي والانفعالي، وذلك باستنطاق الحوامل اللغوية لهذين البعدين، فالأدب فن لغوي الماهية، وعناصر تشكيله اللغوية بغض النظر عن مستوياتها إنما هي تجليات أو معادلات فنية لرؤيا النص ولحمولاته الفكرية والفنية والانفعالية، ولأن هذه العناصر من مستويات لغوية مختلفة وسمت هذه القراءات نفسها بأنها صور من التحليل النحوي للشعر، وذلك بالمعنى العام لمصطلح النحو الذي يشمل دراسة اللغة بمختلف مستوياتها الصوتية والمعجمية والصرفية والتركيبية النحوية.
 
وفي البداية يوضح الكاتب كيفية تطور مفهوم الشعرية والأدبية عبر مختلف الأزمان، حيث يعتبر واحداً من المفاهيم النسبية غير الثابتة، فما هو أدبي في عصر ما قد لا يكون كذلك في عصرٍ آخر، أي إن التغييرات المجتمعية والثقافية التي تواكب كل عصر تحدد معالم وأركان جديدة لهذا المفهوم وأن من أسباب هذا الاختلاف في طبيعة الأدبية أو الشعرية ومفهومها الاختلاف في الأدب عامةً، والشعر خاصةً مفهوماً ووظيفة وبنية، وهذا كان له إثر عميق في الاختلاف في تقييم الأعمال الأدبية، وهذا ما دفع الدكتور فلفل إلى استعراض عدة قراءات مختلفة لنص شعري واحد والبحث أيضاً في التوظيف الشعري للغة ليحاول تحليل عناصر التشكيل الجمالي اللغوية والأمثلة كانت كثيرة في هذه الدراسة.
أم الأسير
 
أورد الكاتب بدراسته قراءة أسلوبية في «أم الأسير» لأبي فراس الحمداني، خطت بدايتها مقولة مهمة: (الشعر شأنه شأن أي خبرة إنسانية يبدو بسيطاً في ظاهره على الأغلب، لكنه على الرغم من هذا متأصل في أعماق ما تصل إليه المشاعر بعمليات الترابط والتداعي بينها) لروزنتال.
وهذا ما حاول الكاتب إسقاطه على قصيدة أبي فراس الحمداني فيقول في مستهل الحديث عن هذا النص «ما يلاحظ فيه وضوح في الأفكار والمعاني وبساطة فنية، فمعانيه واضحة مألوفة، لا جدة فيها، ومجازاته وصوره ليست معقدة، ولا بعيدة المرامي، وهذا يؤنس بشعرية تقوم في المقام الأول على الحالة الانفعالية التي يصدر عنها ويقوم عليها، كما تقوم على مواءمة النص بين حمولاته الانفعالية وحواملها اللغوية وذلك على نحو من التكامل بين الصوتي والمعجمي والصرفي والتركيبي من جهة وبين الموسيقي والإيقاعي من جهة ثانية، وهو الأمر الذيب يشي بأن علاقة تكاملية بين اللغوي والإيقاعي كانت في خدمة البعدين الانفعالي والدلالي لهذه القصيدة».
 
بين قصيدتين
في هذا الجانب أوضح الكاتب دور طبيعة التجربة النفسية الانفعالية التي يعبر أو يصدر عنها الشاعر في تحديد معالم تشكيل العناصر اللغوية التي تقوم عليها قصيدته، عبر مقارنة عملية نصية بين قصيدتي عمر أبي ريشة «معبد كاجوراء» و«أوغاريت» فيقول هنا «الذي يسوغ هذه المقارنة ويشجع عليها وحدة الموضوع المثير أو المهم، ووحدة المنشأ مع الاختلاف في طبيعة الموقف الفكري والحضاري وفي الحالة الانفعالية اللتين يصدر عنهما الشاعر في كل من هاتين القصيدتين، وهو اختلاف تجلى فيما يفسره من تمايز لافت في التشكيل اللغوي لأسلوب التعبير ومكوناته في كل منهما، واجتماع هذه التوافقات مع تلك التمايزات بين هذين النصين هو مانحاول أن نكشف عنه ونفسره».
 
التداولية
كما تناول الدكتور فلفل في دراسته قراءة تحليلية لديوان «على خطا الزهر» للشاعر حسان عربش بهدي من مقولات المنهج التداولي. وذلك في محاولة لربط التقنيات الأسلوبية في هذا الديوان بما لها من دور في إنجاز شعريته. فكان لابد من تعريف موجز للتداولية «فهي ترجمة لمصطلح pragmatics، وتعرف عند بعضهم أو تترجم بعلم التخاطب، أوعلم استخدام اللغة، أو دراسة اللغة في الاستعمال، وذلك لأنها تدرس أساسيات التخاطب، أو المرتكزات المعتمدة بين المرسل والمتلقي في إنجاز عملية التخاطب في السياق بالمفهوم الشامل لهذا المصطلح».
وعن أهمية التداولية يقول الكاتب إنها «تعنى» أكثر من غيرها بقضايا أساسية في المسألة اللغوية، ومن ذلك أن المعاني لا تبدو دائماً مستقرة، أو واضحة في البنية التركيبية للغة، وأن وضوح المعنى أو استقراره يعتمدان على المتكلم والسامع والسياق».