صيف دمشق مهوى قلوب الشعراء وصورهم … نزار قباني: في أيام الصيف أمارس هوايةَ التفكير بكِ

صيف دمشق مهوى قلوب الشعراء وصورهم … نزار قباني: في أيام الصيف أمارس هوايةَ التفكير بكِ

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٢٨ يونيو ٢٠٢١

وائل العدس
الإثنين, 28-06-2021
 
بدأ فصل الصيف فلكياً مع نهاية يوم 22 من شهر حزيران الجاري ويستمر حتى 23 من شهر أيلول المقبل.
 
في الشِعر نرى من أحب الصيف وانتظره ومن كرهه فاستعجل رحيله، كما نجد رموزاً متنوعة وكثيرة حملها الصيف إلينا، فهو فصل الفاكهة والنضج والحصاد، إضافة إلى الحر والشمس الحارقة.
 
فكيف رأى الشعراء والأدباء الصيف ورموزه؟
 
فيروز والصيف
 
لعل أشهر القصائد عن الصيف، هي تلك التي غنتها السيدة فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي واصفة صيف دمشق الساحر.
 
الأولى كتبها سعيد عقل بعنوان «يا شام عاد الصيف» وتقول:
 
يا شَـامُ عَادَ الصّـيفُ متّئِدَاً وَعَادَ بِيَ الجَنَاحُ
صَـرَخَ الحَنينُ إليكِ بِي: أقلِعْ، وَنَادَتْني الرّياحُ
أصوات أصحابي وعَينَاها ووعـدُ غـدٍ يُتَاحُ
كلُّ الذينَ أحبِّهُـمْ نَهَبُـوا رُقَادِيَ واسـتَرَاحوا
فأنا هُنَا جُرحُ الهَوَى، وَهُنَاكَ في وَطَني جراحُ
وعليكِ عَينِي يا دِمَشـقُ، فمِنكِ ينهَمِرُ الصّبَاحُ
يا حُـبُّ تَمْنَعُني وتَسـألُني متى الزمَنُ المُباحُ
وأنا إليكَ الدربُ والطيـرُ المُشَـرَّدُ والأقَـاحُ
في الشَّامِ أنتَ هَوَىً وفي بَيْرُوتَ أغنيةٌ ورَاحُ
أهـلي وأهلُكَ وَالحَضَارَةُ وَحَّـدَتْنا وَالسَّـمَاحُ
وَصُمُودُنَا وَقَوَافِلُ الأبطَالِ، مَنْ ضَحّوا وَرَاحوا
يا شَـامُ، يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُـكِ الرِّمَاحُ
 
أما القصيدة الثانية فتعود للأخوين الرحباني بعنوان «خذني بعينيك» ويقول أحد مقاطعها:
 
شَآمُ أَهْلُوكِ أحبابي وموعِدُنا
أَوَاخِرُ الصيفِ فأن الكَرْمُ يُعْتَصَرُ
نُعَتِّقُ النَغَمَاتِ البيضَ نَرْشُفُهَا
يَومَ الأماسي لا خَمْرٌ ولا سَهَرُ
قد غِبْتُ عنهم ومالي بالغيابِ يدٌ
أنا الجناحُ الذي يَلْهو بِهِ السَفَرُ
يا طَيِّبَ القَلْبِ يا قلبي تُحَمِّلُنِي
همَّ الأحِبَّة ِإن غابُوا وإن حَضَرُوا
 
بيني وبينك
 
في قصيدة «بيني وبينك» يناجي الشاعر السوري نزار قباني البحر صيفاً فيقول:
 
بيني وبينك اثنتان وعشرون سنةً من العُمْر..
وبين فمي وفمك حين يلتصقان تنسحق السَّنوات، وينكسر زجاجُ العمرِ..
في أيام الصيف أَتمدّد على رمال الشاطئ وأمارس هوايةَ التفكير بكِ..
لو أنني أقول للبحر ما أشعر به نحوكِ لترك شواطئَه، أصدافَه، وأسماكَه، وتبعني
 
«القصيدة المتوحشة»
 
لكن يبدو أن لكل فصل من الفصول خصوصيته عند نزار قباني إلا الصيف، فهو يراه ذاته كل عام لا يغير من نفسه شيئاً، فيعلن كرهه له في واحدة من أكثر قصائده شهرة «القصيدة المتوحشة»:
 
وكوني البحر والميناء، كوني الأرض والمنفى
وكوني الصحو والإعصار، كوني اللين والعنفا
أحبيني بألف وألف أسلوب ولا تتكرري كالصيف..
إني أكره الصيفا..
أحبيني وقوليها لأرفض أن تحبيني بلا صوتِ
وأرفض أن أواري الحبَّ في قبر من الصمتِ
أحبيني.. بعيداً عن بلاد القهر والكبتِ
بعيداً عن مدينتنا التي شبعت من الموت
 
لن تخلصي مني
 
في قصيدته «لن تخلصي مني» يعقد نزار قباني صلحاً مع فصل الصيف ليؤكد أنه حبيب في كل الفصول، يقول:
 
لن تهربي مني؛ فإني رجلٌ مقدرٌ عليكِ
لن تخلُصي مني؛ فإن اللـه قد أرسلني إليك
فمرةً أطلعُ من أرنبتي أذنيك
ومرة أطلعُ من أساورِ الفيروزِ في يديكِ
وحينَ يأتي الصيف يا حبيبتي
أسبحُ كالأسماك في بحيرةِ عينيكِ..
 
ليلة صيف
 
يصف الشاعر السوري عبد السلام العجيلي ليلةً صيفية وسماءً صافيةً، فيقول في قصيدته «ليلة صيف»:
 
يا بدر في هدأةِ الليلِ العريضِ هتكتَ سرَّ الحندسِ
وطردتَ قطعانَ النجومِ عن الطريق الأقدس
لم تُبقِ منها في السماءِ سوى عيونٍ نعَّس
قد رصَّعتْ كبدَ السماءِ كأعينٍ من نرجسِ
أو طاقةِ الزهرِ النضيرِ على بساطِ السندسِ
يا بدرُ، يا كوناً تقلَّبَ في الجمالِ الأنفسِ
نامَ الرعاةُ عنِ القطيعِ ومقلتي لم تنعسِ
وغفتْ مياهُ النهرِ في حضنِ الرمالِ الأملسِ
واستسلمَ السهلُ الفسيحُ إلى السكونِ المعرسِ
وأنا على ظهرِ الفراش كزهرةٍ في المغرسِ
الفكرُ يسري كالشذا والروحُ رهنُ المحبسِ
نامَ الندامى ليلهمْ وانفضَّ رهطُ المجلسِ
والديكُ قد ملَّ الصياحَ وبُحَّ صوتُ الهجرسِ
والقريةُ البيضاءُ ترْقد في الضياءِ الأخرسِ
فقمِ اسكبِ النورَ النديَّ أغبُّهُ أو أحتسي
 
نزهة روحية
 
تصف غادة السمان صيفها الساحر في إحدى قصائدها فتقول:
 
حين التقينا كنتُ غجرية بلا مرفأ، وقلبك شاعر جوّال
في الصيف أحببتك، حين كانت النجوم تهبط إلى البحر لتستحمّ
وحين كانت النزهة على سطح القمر أمراً مألوفاً
وخطوة واحدة تفصل بين الروشة البيروتية والأفلاك
ما أسهل أن نخطوها حين تكون يدي في يدك.
 
«الصيف»
 
ويقول الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي في قصيدة «الصيف» كأنه يصف فصلاً من الحياة لا يعود ثانية إذا انقضى:
 
أيُّها المعرِض عن أزهارها لكَ لو تعلم يا هذا شذاها
أيُّها النائم عن أنجمها خلق اللـه لعينيكَ سناها
أيُّها الكابح عن لذّاتها نفسه هيهات لن تُعطى سواها
لا تؤجِّل لغدٍ، ليس غد غير يوم كالّذي ضاع وتاها
وإذا لم تبصر النفس المنى في الضحى كيف تراها في مساها؟
هذه الجنّة فاسرح في رباها واشهد السّحر زهوراً ومياها
واستمع للشِّعر من بلبلها فهو الشِعر الذي ليس يضاهى
ما أحيلى الصيف ما أكرمه ملأ الدنيا رخاء ورفاها
عندما ردّ إلى الأرض الصّبا ردّ أحلامي التي الدهر طواها
كنت أشكو مثلما تشكو الضّنى فشفى آلام نفسي وشفاها
 
نغم الصيف
 
لكن الأديب المصري طه حسين يرى في الصيف غير ما يراه غيره، فالصيف عنده فصل رخاء واسترخاءٍ ولهو، أما الشتاء فصل جدٍّ وعمل، فيقول في سلسلة مقالات تم جمعها في كتاب «لغو الصيف وجدُّ الشتاء»: «كنا نلغو أثناء الصيف، فلنجِدَّ أثناء الشتاء، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف، وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها، فتوشك أن تنام وتسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس».