الشاعرة الصوفية عائشة الباعونية ثقافة علمية وآثار أدبية جليلة

الشاعرة الصوفية عائشة الباعونية ثقافة علمية وآثار أدبية جليلة

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٢ مارس ٢٠٢٠

هي أم عبد الوهاب، عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني الصوفي، وقد عرفت بألقاب عديدة طيلة إقامتها بدار الحياة، ومنها الباعونية نسبة إلى «بني باعون» من قرى عجلون في الأردن، والدمشقية نسبة إلى دمشق، ففيها ولدت ونشأت، ومن روافد علمائها نهلت فنون العلم والمعرفة، كما أنها سكنت في ناحية الصالحية، والراجح أن أسرتها استوطنت الصالحية قبل ولادتها وإليها نسبت.
 
أما ولادتها، فلم أجد بين المؤرخين الذين ترجموا للباعونية من ذكر تاريخ ولادتها والمكان الذي فيه أو تجاوز الإشارة إلى أساتذتها وروافد معارفها وآدابها، في أنه يمكن القول إنها ولدت بـ«صالحية» دمشق، كما أن أسرتها استوطنت ضاحية الصالحية من مدينة دمشق قبل ولادتها، وأن أخاها «بهاء الدين» ولد في تلك الضاحية التي ولدت فيها، أما تاريخ ولادتها فيمكننا أن نقول إنه ما بين سنة 860هـ وسنة 765هـ على وجه التقريب إذا علمنا أنها «الأخت الصغرى لمحمد بن يوسف الباعوني» 859-916هـ.
تركت لنا الأديبة السورية الفاضلة جملة آثار أدبية في مختلف العلوم والفنون، وهي حصيلة ما استوعبته من ثقافة علمية ودينية واجتماعية وفقهية وصوفية في مسيرة حياتها التي ناهزت الستين من الأعوام رغم انشغالها بالأدب العربي والتدريس والإفتاء وشؤون البيت وتربية الأبناء.
ومن الآثار التي تركتها هذه الشاعرة السورية الدمشقية أعداد كثيرة من المؤلفات، منها «الإشارات الخفية في المنازل العلمية، أرجوزة التصوف، الدر الغائص، صلات السلام، الملامح الشريفة… وغيرها» وقد أثبت الزركلي في أعلامه صورة لديوانها الشعري «فيض الغيض» وقد وجد هذا الكتاب في الخزانة التيمورية ثم استنساخا في سنة 1031هـ-1632م، كما فقدت جل تواليفها التي ذكرها المؤرخ «الغزي» في ترجمتها، ومن جمل ما كتب في الشعر تلك القصيدة العصماء التي أهدتها إلى دمشق الحبيبة.
نزه الطرف في دمشق ففيها
كل ما تشتهي وما تختار
هي في الأرض جنة فتأمل
كيف تجري من تحتها الأنهار
وتناغيك بينها صادحات
غرست عند نطقها الأوتار
كلها روضة وماء زلال
وقصور مشيدة وديار
أما دورها في المساجلات الشعرية، فقد حظيت هذه الشاعرة الدمشقية بأجمل المساجلات وخاصة عند زيارتها إلى مصر، ولقاءها بالأدباء المصريين حيث تبادلت معهم مجموعة من القصائد الشعرية، واستطاع الشاعر المصري «الشريف عبد الرحيم» أن يحيي المشار إليها بهذه القصيدة منها:
ليهنئك مجد طارق وتليد
يخصك آباء به وجدود
وقدر له أعلا السماوات منزل
وفوق متون الفرقدين قعود
فيا روضة العلم التي بأن فضلها
سقاك من الفيض البسيط مديد
فأجابته هذه الشاعرة الدمشقية بقصيدة رائعة على ما كتبه هذه الشاعر المصري لها بحروف متألقة بالموعظة الشعرية الهادفة بالاحترام والأخوة العربية قالت:
تساميت مرمى فالحاق بعيد
وحسبك ما أبدعت فهو شهيد
 
حصلت على الغايات مجداً وسؤدداً
وفضلاً مبيناً ليس فيه جحود
فيا علماً في العلم أصبح مفرداً
ومن هو في فن البعيد وحيد
كما استطاعت هذه الشاعرة الدمشقية أن تنظم العديد من القصائد الشعرية في الغزل بأنواعه، والوصف بأشكاله، وأن تحصل على دعوات كثيرة من أدباء وشعراء العراق ولبنان ومصر والأردن والمغرب العربي.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الشاعرة الباعونية السورية قد توفيت في دمشق سنة 922هـ- 1516م ولكن مفهرسي البلاغة بدار الكتب المصرية ذكروا أنها توفيت سنة 932هـ، ومن الغريب أن «أحمد الهاشمي» في كتابه «سلطان الغرام» ص190 ذكر أنها توفيت سنة 1020هـ، رحمها اللـه برحمته.