أتواصل مع الآخر بالكلمة الطيبة والقصيدة … هيلانة عطا الله: لست منحازة إلى نمط شعري معين

أتواصل مع الآخر بالكلمة الطيبة والقصيدة … هيلانة عطا الله: لست منحازة إلى نمط شعري معين

شاعرات وشعراء

الاثنين، ١٦ سبتمبر ٢٠١٩

عشقها لعالم الكتابة الشعرية، واستنباط دواخلها الوثابة بالكلمات، جعلاها من الأصوات المهمة في مدرسة الحداثة في الشعر السوري المعاصر. للحديث عن مسيرتها الشعرية، والموضوعات التي تتناولها في كتاباتها كان لنا معها هذا الحوار:
 
بأي عمر لمست موهبتك الشعرية؟ وكيف عملت على تطويرها؟
احتضن حي باب توما الدمشقي العريق طفولتي وساهم في تكويني الفكري والروحي، فمازلت أذكر مشاركتي الأولى في احتفالية مدرسية عندما كنت في الصف السادس الابتدائي، ولم أكن حينها أعرف شيئاً عن أصول الكتابة الشعرية، ولكن حظيت بتشجيع كبير من أسرتي ومعلماتي ما حفزني على تكرار المحاولة، وفي سني المراهقة رحت أستبطن دواخلي الوثابة إلى الحياة والحب، حتى تمكنت من نظم مجموعة من القصائد عندما كنت في الصف الأول الثانوي، واستضافني التلفزيون العربي السوري في أحد برامجه كموهبة شابة وتم تكريمي فيه، وفي إحدى المرات نشر الصحفي المرحوم «جان أليكسان» مقالاً في جريدة البعث انتقد فيه عدم تعليم فئة الشباب أصول الكتابة وجعل مني مثالاً لأنني كتبت قصيدة نثرية، فشكلت هذه الحادثة حافزاً آخر جعلني أقرأ دواوين الشعر العربي فقرأت لسليمان العيسى، بدوي الجبل، نزار قباني، هند هارون، كوليت خوري، غادة السمان، ورحت أقرأ نتاجات غربية مترجمة لكافكا ورامبو ولوركا، وأهتم بدراسة البحور الخليلية، وعندما حققت أمنيتي بدراسة الأدب العربي في جامعة دمشق أسرني شعر المهجر، وشعر العصر العباسي وكنت حينها متزوجة وعندي طفلان، وهذه المسؤوليات العائلية نقلتني إلى حالة أكثر نضجاً أثرت في مسيرتي الشعرية فتلمست طريقي الخاص بي في دنيا الشعر.
 
ما دوافعك لكتابة الشعر؟
تعتمل معطيات الحياة في خوابي روحي فتتعتق خمورها وتنضج ثمارها حتى تصل إلى حالة تشبه الغيمة الحبلى التي ليس لها سوى الهطل، وأشعر في لحظات التجلي أنني بحاجة ماسة إلى الكتابة، فالدافع لكتابة الشعر عندي له وجوه عديدة يتجلى حيناً في الظروف العصيبة التي مررت بها فأشعر بحاجة لتفريغ شحنة الأسى مع المداد، وحيناً يتجلى بالعنفوان الذي يجتاحني إذا حقق وطني انتصاراً أو الأسى الذي يقلقني إذا ألمت به محنة، وحيناً يتجلى بمواكبتي لولدي الحبيبين، ورابعاً يتجلى حين أفقد عزيزاً يخطفه الغياب، فأراني أجد في القصيدة فضاءً تحلق في أمدائه روحي، وتعود وقد شحنت بطاقة إيجابية تشد من أزري، وفي الوقت نفسه أخرج القصيدة من عالم الذات لأعممها كتجربة تخص الإنسان ككل، أخرج من ذاتي وأتواصل مع الآخر بأرقى وسائل التواصل بالكلمة الطيبة والقصيدة.
ما عدد مؤلفاتك الشعرية؟ وما موضوعات كل منها؟
لدي حتى الآن خمس مجموعات شعرية منشورة واثنتان قيد الطباعة إضافة إلى مخطوط كبير أحتفظ به لنفسي، ولدي مئات من الدراسات النقدية لشعراء ورواد سوريين وعرب منشورة في الدوريات المحلية والعربية وخاصةً دوريات اتحاد الكتاب العرب، كما لدي مقدمات لمجموعات شعرية لبعض الشعراء الشباب، وشاركت في ديوان الشباب إلى جانب كوكبة من الشعراء العرب الصادر عن المؤتمر العام للأحزاب العربية عام 2010، وفي كتاب بعنوان «إيران كما شاهدناها» شاركت بمقال إلى جانب كوكبة من الباحثين والدبلوماسيين والأدباء وهو صادر عن المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب في «سورية» عام 2019، وهنا أود أن أشير إلى أن المنجز الشعري لأي شاعر لا يقدر بعدد المنشورات فقد تغني قصيدة واحدة عن عشرات الدواوين.
 
ما مكانة الوطن، المرأة، الشهيد، في شعرك؟
يشكل لي الوطن عالماً أتماهى فيه فهو الأم والأمة والبيت الكبير، وعندما أصف البيت فكأنما أصف نفسي، وعندما نتفاعل مع أفراد هذا البيت نؤدي فعلاً حياتياً حيوياً، وإذا أصيب ركن منه بسوء نجهد بترميمه، هكذا كان الوطن في قصيدتي، وكنت أخاطبه أحياناً كمعشوق ينقلني لعالم جميل أتخيله عزيزاً حراً كريماً، وهذا لا ينفصل عن قيمة الشهادة التي حفلت بها قصائدي وخاصة خلال الحرب الإرهابية فكانت صورة الشهيد في شعري ناصعةً مفعمة بالأمل والتحدي، لأن الشهداء بدمائهم يرسمون خريطة النصر، فكم كنت أتمنى لو لم يتعرض الوطن لهذه المحنة القذرة، ولم نضحِ بهذا الكم الكبير من شبابنا الذين من المفترض أن يساهموا في نهضته، أما المرأة فهي أنا بكل انتصاراتها وانكساراتها، هي أنا الفتاة الطموحة المتوثبة، وهي أنا الأم المعطاءة المضحية، وهي أنا التي تعطي للأحباء وللقراء خلاصة تجربتها في الحياة، وهي أنا المرأة العاملة التي تعمل وتبني ولها دورها الفعال في الحياة.
 
ما الرسالة التي تحاولين تقديمها في كتاباتك؟
للأدب عموماً وللشعر غصن من شجرته رسالة مهمة في الحياة، وأحرص على أن يكون أدائي الفني لائقاً ليس انطلاقاً من مقولة الفن للفن وإن كان هذا مهماً، بل أيضاً لغايات مهمة تتجلى بتعريف المتلقين بغايات هذا الفن الراقي، وكشف حيثيات بعض القضايا التي تهمهم ولا يمكنهم التعبير عنها، فليس الجميع شعراء، عندما يحكي الشاعر بألسنتهم يحثهم على تفهم الحالات المطروحة في القصيدة، أرى في الشعر رسالة تنويرية لها دورها، وهل هناك أهم من دور المثقف والشاعر أحد أهم المثقفين، أليس للثقافة أثر كبير في نهضة المجتمعات، كيف لا ونحن نمر بحرب جذورها كانت ثقافية قبل أن تتحول إلى الميدان.
 
ما الأسلوب الذي تنحازين إليه في الكتابة الشعرية ولماذا؟
في بداياتي كتبت قصيدة العمود ثم وجدتني أميل للتفعيلة التي كتبتها لسنوات عديدة، ثم اطلعت على قصيدة النثر فعشقتها، كما كنت أحياناً أكتفي بومضة مكثفة تنطوي على دلالات قد لا تحملها قصيدة مطولة، بمعنى أني لست منحازة إلى نمط شعري معين بل إن طبيعة الموضوع هي التي تقودني إلى نمط القصيدة، وأؤمن أن القصيدة القادرة على ترك أثرها في المتلقي، هي التي تعتبر عملاً إبداعياً حقيقياً، وللمعادلة طرفان المبدع والمتلقي، والقصيدة هي روح التواصل بينهما بغض النظر عن نمطها الفني، وفي مراحل سابقة كتبت القصيدة المنبرية ثم هجرتها، ورحت أتوجه إلى القصيدة التي تحمل روحي بغض النظر عن شكلها، وغايتي أن أخاطب بها أرواح الآخرين، وأرى أن لهذا أثراً فيهم أكثر من ضجيج المنابر وتصفيق الجماهير.
 
وفي ختام حوارها مع «الوطن» أهدتنا قصيدة بعنوان «لحن الشهيد» وتقول فيها:
أسمعت ندهات الأغاني في البطاح
والميجنا كيف ارتمت بتلالنا الخضراء مثخنة الجناح
وعلى انكسار الشمس طارت مهجة.. فتخضبت من عطرها مقل الصباح
فاخشع إذاً يا صاحبي لدموع أمّ صارعت مهج الرياح
وتسامقت نحو السماء بدعوة فعسى ينام بصدرها نزف الجراح
وعسى الشهيد يبث ومض ثنائه مطراً وطهراً ترتوي منه الأقاح
يا صاحبي في أرضنا خبز وملح بالدماء معمد… وبرعشة الزيتون سر للإله على المدى لن يستباح.
 
هيلانة عطا اللـه في سطور
شاركت بالعديد من الأمسيات والمهرجانات واللقاءات، وحصلت على عدد كبير جداً من شهادات التقدير، منها ثلاثة من نقابة معلمي سورية، وشهادتا تقدير من منظمة الاتحاد النسائي في سورية سابقاً، وأخرى من محافظة دمشق عام 2005 لمناسبة دمشق عاصمة الثقافة العربية، وشهادات تقدير عديدة من مديريات الثقافة في درعا وريف دمشق ومدينة دمشق، وأخرى من ثقافة دمشق عام 2019، كما حصلت على تكريم مع درع من مؤسسة حوزي هونري الإيرانية عام 2017 ومن المؤتمر العام للأحزاب العربية عام 2010 وآخرها كانت من فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب عام 2019.