بين شك ويقين حالة في الذات والوجود

بين شك ويقين حالة في الذات والوجود

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٣٠ يوليو ٢٠١٩

الشك إيمان يوصل إلى اليقين في التكوين للكون والإنسان، واليقين منطلق قد لا يملك الثبات يتأرجح فيه الإنسان بالمعرفة فينزاح عن خطوطه الكلية ليدخل في تشعبات وانحناءات وجدليات تحوله من اليقين إلى الضدّية التامة، فيصل القائم على الشك إلى جوهر اليقين بالبحث والانعتاق والتماهي، ويخرج صاحب اليقين ليصبح شيئاً خرج من اليقين ليقنع بيقينه، ويغادروا إلى سفح آخر.. تلك هي اللعبة الفكرية الوجودية التي تخرج الإنسان من دائرة التسليم إلى دائرة الإيمان، سواء كان ذلك إيماناً ربوبياً أو إيمانياً حياتياً بالذات وبالآخر، وكثيرون هم الذين يظنون امتلاكهم لدرب النور والمعرفة، ولكنهم في الجوهر ليسوا كذلك، وكثيرون الذين يدّعون معرفة الله وهم أبعد ما يكون عن هذا الفهم! وفي الحياة نجد الكثيرين الذين يدّعون أنهم يعرفون، ولكنهم لا يريدون تغيير قواعدهم في اللعب، وهم لا يدركون أن الآخر يعلم أنه لم يسمح لهم، ولو سمح لكانوا أكثر الناس صدقية في وجدان وبوح! «بين الشك واليقين» كتاب جديد للصديق الدكتور نبيل طعمة، وهو كتاب لم يصنفه في أبواب الشعر أو النثر، ربما كان وجداناً، وربما كان بوحاً، وربما – وهو الأرجح- كان تأملات في الوجود والذات والآخر، ومن حقه أن يفعل ذلك، ومن حق أي إنسان أن يفعل، أما قال الفلاسفة: من حق أي إنسان أن يتأمل ويتحدث بالفلسفة ما دام صاحب رأي؟ وأنا أميل إلى وضعه في باب التأملات، لأن نبيل طعمة ينتقل من هو إلى هي، ومن الذات إلى الآخر، ومن الواقع إلى حال الصوفي في حالة عشق غير منتهية.
لكَ وحدك.. أخط
إيماني بكَ
لكِ.. إيماني بكِ
لكَ يا هو
لكِ يا أنت
ألا يعرف هو بمخلوقه؟ ألا يعرف هو بهي؟ ألم يصل المتصوفة إلى حال من التوحد من خلال حالة عشقية نادرة الوجود، فمزجوا بين المحسوس والملموس؟
اسق التراب
واسقني من جودك
الثرّ يا إلهي
فأنا وهو وهي
يستدعينا
شعاعك
حين انبلاج
الصباح
اسقنا
من الحقيقة
حيث نحن نصل
عطاشاً.. هائمين
لا تدعنا نعد خلف السراب
حيث تأسرنا
كؤوسنا المترعة
نستقي منها
ما نشاء
لا كما تشاء
 
الوجود والإنسان
في غمرة بحثه عن السبب، خاصة في وقت نعيش فيه الإلغاء يحدد طعمة ودون أي تردد السبب، ويجده في الأشخاص لا الأفكار، وفي هذا السياق يذكر الفقهاء والعلماء دون أن يمس الفكر والعقيدة، لأنه ممن يؤمنون بأن التطبيق هو السبب، والحقيقة إن هذه المقولات من الصعب أن تتم ترجمتها في وجدان وشعر لما فيها من المحاكمة والمنطق، لكن الكاتب استطاع أن يختصر ويحدد البؤرة:
فقهاؤنا يا سادتي
انشغلوا عنا
واجتهدوا كثيراً
في قطاف من لديه
مال أو ثمر
استعبدوا الناس
بالخوف والتكفير
ويطلق سؤال عن الماهية،هذا السؤال الذي يجده الفقهاء محرم الطرح مستعيناً بالنص المقدس للوصول إلى الإنسان المقدس في تماهي قداستين
ليس كمثله شيء
فما هذا الشيء
الذي يحيلنا
في غفلة منا
إلى اللاشيء.. إلى هو؟
فسحة للتأمل يرويها د. طعمة متجاوزاً ما اصطلح عليه من لفظ شاعري ولغة شاعرية شعرية ليقترب من العقل أكثر إيماناً منه بدور العقل في الوجدان.
 
المركب من الأشياء
ينظر د. طعمة إلى العلاقة بشكل مركب بين الأنا والـ هو والهي، ويناجي راجياً الحرية في المشيئة.. فهي كما نشاء لا كما تشاء، وهو الذي جعلنا أحراراً نملك المشيئة لنحاسب عليها، نثاب أو نعاقب، ولكن بالمشيئة الذاتية لا بالمشيئة المفروضة، والحياة كأس مترعة نستقيها نحن بملامسة الحقيقة وليس بمعانقة السراب البعيد المنال.
وتصطدم هذه المشيئة بالكون وكهنوته، فصاحب المشيئة شاء وترك الإنسان في مشيئته، ولكن الإنسان صادر مشيئة الإنسان بدل أن يسمو بها، وشتان ما بين أن تسمو بك الحكاية أو تستغل، وفي الحالين لا يدري الإنسان توجهه، وعندما يعي واحدنا يصبح آبقاً، وسهل أن تكون مناقشاً لصاحب المشيئة من أن تكون معانداً لعادة.
تعلق الناس .. في شرقنا
بالأئمة والكهانة
بالمقدس
بدور العبادة
حولوا الإيمان فينا
من عبادات إلى عادات
وعادة
استلبوا الفكر منا
كي يكونوا.. في زيادة
 
التوحد مع من يحب
بإحساس عال ورفاهية مطلقة، ووضوح في الغاية والمآل يخاطب من يحب ليخرج من السكون إلى حالة من التسلل والمتابعة والسعي إيماناً منه بأن حالة السكون موت لا يليق بالمحب أن يعيش.
 
أنّى تكوني
أسعَ إليك
بكوئك كون الهوى
وأنا بنيانه
وأنا الذي
يسعى إليك باحثاً
وأصّر أن أصل وأن أتصّل
تسللي بين أجزائي
وتجولي فوق خارطتي
اسقي عطشاً
متحشرجاً
كوني الرشفات
التي… تباغت السكون
بين الشك واليقين تأملات بين الوجدان والفكر، فيها الكثير من الشطحات التي قد يختلف فيها كثيرون مع كاتبها مبدعها، ولكنها قابلة للتأمل والمناقشة، لأنها جاءت حصيلة معرفة وخبرة ودراية.