ميساء زيدان في مجموعتها الشعرية

ميساء زيدان في مجموعتها الشعرية" مهرا لحريتي"..باقات ملونة من الورد والجمال

شاعرات وشعراء

الخميس، ٢٩ يونيو ٢٠١٧

في الشعر دوما طريقتان، واحدة تنمو باتجاه التركيب والغموض والمحاولة الدائمة إلى منحك مافي القصيدة بعد جهد، وبعد امتلاكك لثقافة شعرية ولغوية، وواحدة أخرى تخفي كل ذلك وتقدمه، لكن بطريقة عفوية متدفقة، حتى لتبدو أحيانا أنها سهلة مبذولة لكل إنسان.

 

وفي الأمردعة فنية ساحرة، فإن تقديمك للفن في أجمل صوره وفي أسهل طرقه وأكثرها شفافية، موهبة لا يستطيعها الكثيرون، لأن لهذه السهولة العذبة صعوبتها أيضا، وهذا ما يطلق عليه« السهل الممتنع».‏

وحين يكون الشعر كذلك لابد له من أن يصدر عن طبع وثقافة وقدرة على جعل التناسق متناغما بين أجزاء القصيدة ومكوناتها بألفاظ سهلة وصور تشف فورا عما تحمله وتلامس القلب لانطلاقها من مشاعر جياشة بأدوات تحسن حمل تلك المشاعر وقادرة على إيصالها إلى الآخر.‏

وفي مجموعتها الشعرية« مهرا لحريتي» تأخذنا الشاعرة ميساء زيدان إلى عالمها وتجربتها الجريئة التي ترسم من خلالها دربا شعريا يتصف بلغة ناصعة تنحت في الكلمة لتكون لغة لذاتها، بل وموسيقا وإحساس تتنفسه كأنه الياسمين، وتتألق بحسن الترتيب في تنظيم ديوانها الذي قسمته إلى نوافذ جميلة، وجعلت من خلال هذه النوافذ«النثر والتفعيلة والنص المفتوح والقصيدة العمودية».‏

هي باقات ملونة من الورد، تقدم قدرتها وتفننها في الكتابة في أشكال مختلفة، لا يهمها كيف يكون الوعاء واللفظ، بل الموضوع والفكرة والموسيقا التي تنساب من بين كل مقطع أو بيت، بل وجربت حداثوية النص المفتوح أو كما تسميه هي» الكوكتيل» وتبرع فيه:‏

ياسيد الحب في حل وفي سفر .. عرشت بين شغاف القلب كالشجر‏

قد جئتني وترا يطوي محبته .. فاشتاقني كلما يحنو على وتر .. حتى ضممت بوضع الوجد قافية‏

قد كنت أشبعتها من سالف العصر .. قد كنت أعطيتني روحا وعافية .. لما نهلت بفيض العين من فكر‏

واللافت أن الشاعرة لا تستخدم الشكل كإطار فقط بل هو يولد ويصمم بما يتلاءم وموضوع القصيدة، وما يتناسب مع الصور والموسيقا، كما أن اللغة تحمل نفحة النحت والتجديد فلم تتجمد اللفظة ولم تكن حجرا في البناء بل كيف تستطيع الشاعرة أن تبث فيها الحياة لتغدو المفردة رافلة بزي من المعنى الذي يكلله الإبهار والمؤانسة.‏

ياألف سؤال يطرقني .. ياجمرة صيف .. فالوطن حريق وغريق .. والناس طيور ستهاجر .. ويسافر مرسى وطريق ويهاجر بحر والساحل .. والسفن سيبكيها الراحل .. وأظل كطيف قد يأتي .. في ليلة خوف لابيت، لا سقف، ولا ضيف‏

ويظل الحلم نشيجا يأسرني .. يمضي كالسيف‏

الديوان فيه إبحار جديد بصيغ عصرية للقصيدة في كتابة الموشح المغنى والمتنقل عبر بحور مختلفة منسجمة وكتابة السونيتات بصورتها العربية وبروح الفكر والإبداع وفق مفهوم وتطلع الشاعرة.‏

ومن يطالع الديوان يجد نفسه بين أربعة دواوين فكل نافذة هي ديوان تحمل موضوعا وفنا وفلسفة ومنهجا، تختلف عن النافذة التي تليها، هي نماذج حية من الواقع الذي نعيشه، فالوطن الجريح والشهيد والحب والشوق كلها معان تأخذك إلى عوالم الصدق تارة والألم تارة والفقد والشوق في مرات عديدة، بلغة هي أقرب إلى همس القلوب وحفيف الأشجار الذي بح صوته من غربة أبعدته عن أمانه وسكون نفسه.‏

المجموعة الشعرية «مهرا لحريتي» للشاعرة ميساء زيدان، منشورات المركز الثقافي للطباعة والنشر العراق، بابل.‏

تقع المجموعة في 121 صفحة من القطع المتوسط.‏