عبد الكريم الناعم.. ليس شعراً لكنه آفاق

عبد الكريم الناعم.. ليس شعراً لكنه آفاق

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦

سوسن صيداوي
الجهة المُصدِرة ليست واحدة ولكن المُصدِر واحد، والكلام عن الشاعر عبد الكريم الناعم وله كتابان، واحد عن اتحاد الكتاب العرب والآخر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، الكتاب الأول حمل عنوان «ليس شعراً»، والثاني «آفاق» والذي في مقدمته وفي إضاءة على الكتاب قال الشاعر مقتضباً إنه جاء على اسم الكتابـ«آفاق» رغم أن الاسم لا يرتبط بأي قصيدة من القصائد التي جاءت فيه، وكان اختار العنوان للدلالة على الآفاق المتعددة والمتنوعة التي تحملها القصائد على الرغم من تباعد تاريخ الكتابة، لافتاً إلى أنه أفرد مساحة خاصة للقصائد التي كُتبت على نظام العمود للدلالة على أن هذا النمط من الأنماط الشعرية ما زال حياً، مشيراً إلى أن معظم مجموعاته الشعرية لم تخلُ من هذا النمط ربما كما قال «سعياً وراء وهم إمساك اللحظة مشدودة إلى مكانها، أي الإشارة إلى ارتباط الزمان بالمكان، فما من مولود يولد خارجهما، حتى وإن لم يحمل شيئاً من ملامحهما».
جاءت سلسلة الشعر الرابعة «آفاق» على نحو ستين قصيدة متنوعة تناولت مواضيع مختلفة من حيث المشاعر والأماكن، ففي قصيدة قلعة حمص يشير إلى أهمية الزمن الذي علا فيها سورها والمجد الكبير الذي عايشته والمختلف عما يشير إليه سكون حجارتها المهجورة.. قائلاً:
ذاكرةٌ للحجر الأزرق
كان (الحجر الأسود)
فيها يسطع في أقصى
الدّيجور
فيها دربٌ يخرج من أحلام
العربات الخشبيّة
يفرد آيات تلوِّيه الغجريّة
في أعلاها أفقٌ يأخذ
شكل القلعة
ضاحيةٌ تأتي من عمق التّاريخ
الموغل، كفٌّ
-قبل مجيء العسس النّائم-
تُوقد شمعة
وفي موضوع الزمن وتوالي السنين مع الأيام وتراكض الساعات ومسابقتها للّحظات، للشاعر رؤية في قدوم العام الجديد واحتلال مساحة زمنية جديدة بدل المساحة التي استحوذها العام القديم، ولكن العام الجديد رغم براحه في الوقت من دقائق وساعات وأيام وأسابيع وشهور إلا أنه لا يعطي الشاعر أي شيء سوى الأحزان الهاطلة في قصيدة عامٌ جديد:
ويبدأُ العام الجديد من تلفُّت
الجهات للمدى في أول الشّطآن
أمُدُّ راحتي
لزهرة الغَلَس.. فتهطلُ
الأحزان.
وللحريق شهوة عند الشاعر تشتعل في السفر، مع الحنين المتجدد رغم انتهاء الرحلة وهذا في قصيدة لشهوة الحريق:
… وآن ينتَهي الطريق
في رحلةٍ
يعاودُ الحنينُ وجدَه.. لألفةٍ
تنامُ بين وردةِ الغيومِ
وانكشافِ زهرةِ البريق
فمن يعيدُ للمياه
شهوةَ الحرق؟!!
وفي قصيدة «الطّريق لا الوصول» يجد الشاعر نفسه بالوصول.. يبتدئ بنهاية أولى متابعاً فتنة الدروب مع خوف أن ينتهي الطريق:
منذ الشّرارة التي أسميتُها أولى
على التّخوم
وانقداحِ ذلك الحريق
ما زلتُ.. كلّما وصلتُ
أبتدي نهايةً أولى
أتابعُ ارتجالَ فتنةِ الدروبِ
كلّ مرةٍ
أخاف أن ينتهيَ الطريق
أما بالنسبة للكتاب الثاني الذي صدر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة للكتاب للشاعر عبد الكريم الناعم، الذي جاء بعنوان «ليس شعراً» ومن محتواه هو ليس بشعر بل مجموعة من الخواطر النثرية التي حملت عناوين: كلمات، قناطر، من تلك الهطلات، أضغاث.
ومن «كلمات» جاء منها ما يعرّف أموراً متنوعة من حياتنا كالشخير والخطوات والكرسي والشفاه الرقيقة والوهن والإحباط وعلى سبيل الذكر قال الشاعر في الكرسي:
الكرسيّ موعد للجلوس
وفي السّروة:
السّروة آهةٌ خضراء
وأما عن الإحباط قال الشاعر:
الإحباط بئرٌ لا يعرف قمر «يوسف»
على حين اعتبر الجريدة رنة وقراءتها دوام إضافي:
الجريدة رنّة جرسٍ في الصباح
  
قراءة الصّحف دوامٌ إضافي دون أجر.
وفي مكان آخر ومن خواطره الشاعر النثرية في«كلمات» تحدّث عن أسفاره وخصّ سفره إلى صنعاء في اليمن قائلاً:
قبل الوصول لـ«صنعاء»
في مطار «دمشق»
قبل المغادرة
شعرت بالملل من الأماكن
التي لم أصل إليها
وفار بي الحنين للبيت
وعن الوصول إلى المكان الصحيح بعد المعاناة وتقاذف الظروف وتجاوز العقبات ومن ثم النجاح في قطف الثمار:
كان يستظلُّ في (شجرة)
دفعتهُ العاصفة بعنف شديد إلى
مكانٍ بعيد،
بعد سنواتٍ قمريةٍ كثيرة..
بعد حصاد الكثير من الغلات
أدرك كيف أوصلته العاصفة إلى
(البستان).
وفي دعوة الشاعر إلى كيفية الحصول على قسط من النوم وطريقة الاستغراق فيه من دون أرق جاء مقطع في قناطر قال فيه:
لكي تخلد إلى النّوم..
أوقف طرح الأسئلة
لأنّ تلقّي الأجوبة لا ينتهي،
ما دمت تفكّر فستداهمك
صقور المعاني
كي تذهب للنّوم
أوقف شغب العقل
أطفئ قنديل الأفكار
أقفل الحواسّ
الظّاهرة والباطنة….
في مقطع من قناطر روى فيه الشاعر بخاطرته النثرية عن الثرثرة ولسان المثرثر وطبيعته التي لا يمكن أن تتغير حتى لو تمّ قطع لسانه:
يُروى أن أحد الملوك كان حازماً، عادلاً،
ويحبُّ الصّمت،
أصدر أمراً ملكياً بقطع لسان من يؤذي
الناس بثرثرته،
جيء بثرثار، قطعوا لسانه،
شفي الجرح،
صار يُخرج أصواتاً غير مفهومة،
لا يتوقّف عن الأصوات إلا حين ينام،
شكا منه من حوله،
أوصل البصّاصون الأمر للملك،
أمر بإحضاره،
كان الملك يجلس في أحد بساتينه،
أحضروه، أجلسوه بين يديه،
سأله الملك:
«ماذا تريد»؟
خطّ في التّراب:
«مولاي أرجوك امنحني لسانين…»
وفي «أضغاث» كي يعزّز الشاعر من نشوة وهم راحة البال للفقراء والابتعاد عن النظر إلى ما لم يُقدّر أن يكون لهم بل هو مخصص فقط للأغنياء، قال في مقطع نثري:
مساكين أثرياء العالم
إنّهم حين يغادرون يتركون
كلّ الرفاه، والمغريات،
مساكين!!
يُوجعون القلب،
أمّا نحن.. فسنرحل وليس لدينا
ما يُبكى عليه….
وفي مقطع أيضاً من الجزء الأخير من الكتاب وعن دمشق قال الشاعر عبد الكريم الناعم:
دمشق زورقٌ أقامه اللـه
بين أشواقه القمريّة
فاندفعت الغزالة بين مغربين
فكنتُ في الصباح وردتها
التي لا تُضاهى
  
أمسِ
على غير ميعاد
كما هي عادة الطّيور
جئت حاملاَ دمشقَ التي «هنا»
إلى دمشقَ التّي «هناك»
دمشق الحلم إلى دمشق الغبار
وحملتُ قلبي معي
وكان علي هيئة زورق
وبحثتُ عنكِ في سوق العطّارين
فما وجدتك!!!