«تجليات الطبيعة» في شعر محمد عمران

«تجليات الطبيعة» في شعر محمد عمران

شاعرات وشعراء

الأحد، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٦

سارة سلامة

توفي في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1996، تاركاً وراءه إرثا ثقافياً غنياً، ولاسيما في مجال الشعر، إنه الشاعر محمد عمران، حيث صدر عن الهيئة السورية للكتاب مجموعة شعرية بعنوان «تجليات الطبيعة» في شعر محمد عمران، للكاتب راجي شاهين، احتوى الكتاب على فصلين وفي كل فصل عدة أبواب.

الطبيعة في شعر محمد عمران مركز يقوم عليه الحدث الشعري، فقد سكنت نفسه وروحه، وأضاءت فلك شعره، إذ كان عمران ولعاً بها، يصبو إليها كل حين، ولأنها كذلك، بدا طبيعياً حضورها بقوةٍ في شعره، إلى الحد الذي وصلت فيه مرحلة التجلي.
ولما كان التجلي أحد أشكال حضور الطبيعة في شعر عمران، جاءت هذه الدراسة مفصلةً حالة التجلّي، وأشكالها، وأنماطها، في محاولة لتفسير هذه الظاهرة، التي منحت النص المكتوب، شعريته فأضحت الطبيعة عاملاً أساسياً صانعاً لشعرية الخطاب، مؤتلفاً مع عناصر أخرى للارتقاء بالنص المكتوب وصولاً إلى مستوى عالٍ من الشعرية.
وجاء هذا الكتاب بمنزلة دراسة تأتي أهميتها وهدفها من تتبع تجليات الطبيعة في شعر عمران، وذلك من خلال دراسة التجلّيات وأنماطها، وآلياتها، كما تتناول الدراسة الموضوعات تناولاً بنيوياً، وذلك من خلال تتبع البنى الدالة على التجلي، في حالاته الثلاث: التجلي الأولي-والتجلي الكثيف-وحالة الإغراق في التجلي.
تشكل الطبيعة عند عمران ركناً رئيسياً من أركان شعره، ويرى قارئ شعره أن المقطع الشعري عنده لا يقوم بلا الطبيعة مع مشهد الذات والأنثى حتى يبدو لنا وكأنهما عنصران من هذه الطبيعة.
ويقول عمران في قصيدة «أفق النبات»:
أفق طازج
خرجت من دمي غيمة
ومشت في الهواء
مطر يستظل بسنبلة
وجديلة عشب تسرح خضرتها
وتراب يفيق على لثغة الماء
إن يداً من نباتٍ
تهزُّ إليها بجذع من السماء
لمن الوسادة من حشيش الماء
والقمر البهي على الوسادة؟
أما الفصل الثاني فقد تناول أنماط التجلي و«الحضور»، الطبيعة في هذا النمط من التجلي حاضرة بوصفها مرتكزاً من مرتكزات الحدث الشعري في القصيدة، فهي جزء من المشهد الكلّي. ويقول عمران في قصيدة «مرفأ الذاكرة الجديدة»:
الحب سنديانة
شروشها في غبطة الموت المحب
جذعها الصلاة
كل غصن
حنجرة مضاءة العبادة
والورق:
الخضرة في الشهادة
احكي عن الذاكرة الجديدة:
الأرض فخذ امرأة نحبها
الأرض سرير امرأة
ثيابها.. عطورها
أما في «تشكيل الأنثى» يقول عمران في قصيدة «مديح من أهوى»:
قلبي على قلب القصيدة
إنها الأنثى التي جاءت من الغيب الجميل.
«القصيدة» هذا الكون الإبداعي، والمكون الماورائي، أنثى قادمة من منبع عالي الدلالة.. قد نبعت هذه الأنثى من الغيب الذي فاض جمالاً فتمثل فيضانه الجميل بأنثى تشكلت في قصيدة، هي الإبداع.
هكذا يبدأ عمران تشكيل أنثاه، فقد أسكن أنثاه روحاً من جمال الغيب الذي فاض.
ويقول عمران في قصيدة «مديح من أهوى»:
وأراك آتيةً إلي
أرى جلال الأرض فيك
وأرى معاطفها التي ليست ترى
إلا عليك
وأرى يواقيت السماء الخضر
تحرس معصميك
فأمد أغصاني لألتقط النجوم العالقات بذيل ثوبك
والطيور الحائمات على يديك
ويكاد قلبي أن يمدّ يدين من فرح النهار
ليحتويك.
شكل عمران صوت الأنثى، عينيها، وشعرها، وفي هذه اللوحة يقدم تصوراً للوجه، أنه واهب السلام، يفيض على الخصب الذي ترمز إليه الحقول الوادعة، تلك الحقول التواقة إلى السلام الذي واكب طبيعتها وهدوءها. يقول عمران في قصيدة «مديح من أهوى»:
لو قلت:
قلب الأرض ينبض ملء قلبك
لن يصدقني أحد
لو قلت:
وجهك غيمة،
وأنا أرى أمطاره السمراء تهطل،
لن يصدقني أحد
لو قلت:
في عينيك نهر صنوبر يجري،
وإني جالس في ضفتيه،
لن يصدقني أحد
يرسم الشاعر لوحة، غير متناسقة الأطراف، وغير متوافقة، أي إنها غير متجانسة، فالقدم طير راقص، والساق جنية بحر، والشفاه جزر، والعينان لآلئ، وفي كل شعرة من رأسه مهر يصهل.
هذه اللوحة غير مفهومة العلاقات، ففيها تداعٍ، وبعثرة للأفكار، وذلك يوحي بالجو النفسي للقصيدة التي تسير على هذا المنوال، يقول عمران في قصيدة «مرفأ الذاكرة الجديدة»:
دخلت في مدار برتقالة زرقاء
في تفاحة
رجعت بذرة
أولى
اعتنقت رحم التراب
لا اسم لي
أنا بوابة الأسماء
أشرعيهما
المدار ممطر
رمانة الفصول أينعت،
صار الزمان حبة
سكنتها
ارفعي البحار سقفها
السماء
جدراناً لها
ارصفيها بالموت
ادهنيها بالأرض
لونيها بنكهة الشمس
احفري في بابها عينيك
اشرعيهما… الرياح أينعت…
تعبت
أما في الخاتمة فحرص شاهين على التذكير بأن عمران عشق الطبيعة التي سكنت نفسه وروحه، فأضاءت جوانب شعره وأغنت القصيدة لديه، فحضرت بقوة في شعره، وأصبحت مركزاً يقوم عليه الحدث الشعري، وأخذ حضورها يشتد تدريجياً، حتى وصل إلى حد التجلّي.