الوجدان في شعر المرأة السورية: اعتماد على العاطفة وتباين في المستوى

الوجدان في شعر المرأة السورية: اعتماد على العاطفة وتباين في المستوى

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٥

يشغل الجانب الوجداني حيزا مهما في الشعر لدى المرأة السورية وباعتبار أن هذا النوع من الشعر يركز على الحس الإنساني والتصوير النفسي فإنه يرتبط بشدة بالموهبة التي تتباين من شاعرة لأخرى في الوقت الذي يرتكز فيه كل شعر المرأة على العاطفة التي تتميز بها.

الحالة الوجدانية عند الشاعرة غادة اليوسف جعلتها تعتمد في  معظم قصائدها على محاكاة ترميزية للطبيعة تمجد فيها الألم مرتكزة في تركيب بنائها التصويري على الاستعارات المكنية كأسلوب بلاغي دلالي وتؤدي نصوصها إلى انعكاس وجداني لواقع يستأهل الوقوف أمام تحولاته تقول في قصيدة نرنو لفجر ..

قلبي على الأفنان أشلاء غدت .. في كل واد والأراك توجع
عاث الخراب بكل روض مزهر .. والبوم ينعب والثعالب ترتع
نرنو لفجر ما أتانا ضووءه ..والكاس مر والنديم المدمع.

وتحاول الشاعرة مرام النسر أن تعوض عن الصورة والدلالة بالعاطفة والتحول الحدثي لمضمون النص ما يشي إلى وجود حالة ذاتية مبتكرة في وجدانياتها تدل على حضور موهبة تحتاج إلى اطلاع أوسع على الصعيدين الثقافي والاجتماعي كما ورد في ديوانها البيان حيث تقول..
يجتاجني هم ولست بناظر .. سؤل الحبيب ولا أراك تجيب في الوقت عينه يرتفع مستوى النص الوطني الذي يخاطب وجدانها فيه دمشق فتقول…

 وآت مثل ليل مستحيل .. وأنثر هم قلبي واغترابي
نداء طار في أفق بعيد .. وما خاب الرجاء بالاقتراب
ترافق بردها لتخط حرفا .. يليه الحرف مخنوق الإهاب

أما الشاعرة أشجان شعراني فتركز في قصائدها على الموهبة كما في قصيدة نبكي اوطاننا التي تمكنت من الفاظها فأودعتها في حنايا البحر الطويل واستعارت حرف الراء ليكون الروي ملائما مع حركة الحدث البنيوي في موضع القصيدة إلا أن العاطفة كانت طاغية على وجود بقية أركان القصيدة حيث تقول..

على من سأبكي والخطوب كثار .. وعيني شلال وقلبي نار
بلاد غزاها الموت في كل جبهة .. وعرش فيها مأتم ودمار
متى يلجم الحقد الدفين وأرضنا .. لها في فضاء العابثين دمار

وتسمو العاطفة في وجدان الشاعرة ديمة الجباعي التي تفوقت عاطفتها وارتقى وجدانها كما في قصيدة أيا أماه إلى مستوى كل الأمهات اللواتي ترى فيهن عبق الحضارة والاصالة حيث أخذ حرف الروي النون  تحولا بيانيا متصاعدا رقيق الحركة وشفيف إلى ذائقة المتلقي بعفوية وبساطة فقال…
سلاما يا مقدسة الجبين .. وآلهة المحبة والحنين
أرى في جفنك المكسور صبرا .. يمزق في دمي صبر السنين
وقفت وفي فؤادك ألف جرح .. ألا يا سنديانة علميني
احاول أن أسدد بعض ديني .. فتحرقني وتغرقني ديوني

وتكتنف تجربة الشاعرة عبير الديب بصرخة وجدانية مباشرة دون الاعتماد على دلالات كما في قصيدة  رسالة نصية معتبرة أن موضوع الأمة العربية لا يحتاج إلى صور واستعارات وكنايات إضافة إلى عدم الاعتماد على وزن بنيوي كامل فقالت..

رسالة نصية مني أنا .. من شابة سورية
إلى رجال الأمة العربية .. أقلت رجالا .. لا والله فأشباه رجال
أشباه رجال كركوزات .. والمسرح جامعة الدول العربية

وفي شعر التفعيلة ظهر وجدان الشاعرة لينا منير حمدان ولا سيما في قصيدتها هل ضيع الينبوع ماءه بعد تجربة حياتية طويلة وألم كان يحدق من جوانب متعددة صاغته عبر تفعيلة استعارتها من البحر الكامل وذهبت فيها إلى استعارات ودلالات قلقة فتقول..

عبرت مواويل .. وصار القلب بعد العمر .. محشوا بطين
مر الزمان ..أغلقت نافذة النجوم .. كففت عطر الياسمين

في حين كان وجدان الشاعرة وليدة عنتابي رافلا بالفلسفةالحياتية وبالتأمل برغم وجودها في عالم جعل منها تتألم على
واقع تحلم بتغييره إلى واقع أجمل فتقتصر غالبا على البعد الفلسفي والنفسي مع التزامها بالنغمة الموسيقية كما جاء في قصيدتها فصل النوى
طال النوى ودخلت في طقس من الهذيان
أملأه الحريق .. لهفي على قلبي
ووجهك في ضباب الصمت غاب

وتتآزر الوحدات الموسيقية عند الشاعرة نبوغ اسعد مع العاطفة المنبعثة من وجدان يتدخل العقل فيه بكثير من معانيه لإدراك اسباب الفاجعة التي يمر بها وطننا كما جاء في قصيدتها إيلان الطفل حيث تخيلت الشاعرة أن الطفل الغريق بعث برسالة من العالم الآخر إلى والده يستنكر إقدامه على الهجرة ويرفض كل من سلك سلوكه وترك وطنه فأتت بحرف الروي الراء الملائم للواقع السحري الرمزي لمشاهد البراءة المنكوبة بفعل الظلام الذي يعبث بعالمه فقالت …

إني سأبعث يا أبي برسالتي .. فاقرأ لقومي او لذاك الجار
من مات في بلد غريب لا يرى ..أهلا تشيعه  بدمع جار
وارفع حذائي فوق كل جباههم ..كي يشعروا بالعز والإكبار
أنا قد أبيت العيش بين جموعكم .. ولحقت بالركب البهي الساري

اختلاف مستويات النصوص لدى الشاعرات ما بين من ارتقت إلى مستوى الشعر بجدارة ورصدت المعاني الإنسانية وبين من وقعت بالقلق وعدم التمكن من استخدام الألفاظ بشكل جيد يعود إلى عدم وجود نقد موضوعي يعتمد على أدوات سليمة وواعية برغم وجود المواهب القادرة على صياغة الشعر.

محمد الخضر وشذى حمود