مراقبة الآباء لخصوصيات المراهق.. بين الصواب والخطأ

مراقبة الآباء لخصوصيات المراهق.. بين الصواب والخطأ

شعوب وعادات

السبت، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٢

في عصر التواصل والمواقع الاجتماعية والأدوات المتاحة بين يدي الأبناء، والملاصقة لهم طوال ساعات يومهم داخل البيت وخارجه، تبدل أسلوب مراقبة الآباء وأصبح يأخذ طابع السرية، والتجسس.. فهم يتتبعون محادثات أبنائهم الهاتفية وكتاباتهم النصية، بل ويرصدون تحركاتهم، ما يؤدي في النهاية إلى انهيار ثقة الأبناء في أنفسهم وفي آبائهم، ساعد على ذلك تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة التي سهلت عملية المراقبة أو التجسس، والسؤال: هل من حق الآباء مراقبة خصوصيات أبنائهم؟! وما هو الخيط الرفيع الذي يفصل بين المراقبة والتجسس؟ اللقاء مع أستاذة طب النفس ومحاضرة التنمية البشرية الدكتورة فاطمة الشناوي؛ للشرح والتوضيح.
خط رفيع بين المراقبة والتجسس
إن الهدف النهائي من التربية.. تنشئة أشخاص بالغين أصحاء نفسياً، ناجحين مستقلين، والصعوبة تتمثل في التعارض بين تنمية شخصيتهم المستقلة، ومحاولة الاطمئنان على أمنهم بالمراقبة حينا والتجسس لمرات..
حيث إن بعض الآباء أو الأمهات يصل تتبعهم لتحركات المراهق.. إلى معرفة موقعه بدقة على الخارطة، وهناك إشعار يرسل إليهم عندما ينطلق ابنهم بسرعة زائدة بالسيارة.
خطورة الأمر تتجلى في مرحلة المراهقة؛ حينما تصبح الحياة الخاصة للمراهق-ة- خطاً أحمر، يمنع أي إنسان من تجاوزه، خاصة حالة تحول المراقبة إلى تجسس.
يوجد خط رفيع بين المراقبة التي تهدف إلى تقويم سلوك المراهق، وبين التجسس على حياته بشكل يجرح خصوصياته.
تعرّفي إلى المزيد: "حظر التجول" ..قرار يفرضه الأب ويرفضه المراهق!
التمرد ومرحلة المراهقة
 
المراهقة مرحلة التمرد والتغييرات بالدماغ والجسد
في بداية المراهقة، يتعرض دماغ وجسد الإنسان لعدة تغيرات في فترة قصيرة، بالتوازي مع تغيرات في الحياة الاجتماعية.
فيحتاج المراهق إلى مساحة لاكتشاف هويته والتعبير عن نفسه، ومن أبرز سمات هذه الفترة.. الاندفاع نحو التمرد على الأهل.
في حين يلجأ الآباء بدافع خوفهم وحرصهم على مصلحة أبنائهم، إلى التجسس على حياتهم الشخصية، ظناً منهم بأنهم يتدخلون لصالح الأبناء في الوقت المناسب.
لكن للأسف، فإن تجسسهم على أبنائهم يأتي بنتائج عكسية.. لأن المراهقين والأطفال أصبحت لديهم دراية أكثر من آبائهم بحيل التكنولوجيا.
وعند اكتشاف الطفل تجسس والديه على حياته، يفقد الثقة بهما، فيصبح أكثر تحفظاً في كشف تفاصيل حياته الشخصية، ويظهر الحاجز النفسي بين الطرفين.
تعرّفي إلى المزيد: طرق لمعالجة المراهق الخجول
المراقبة حق مشروع ولكن!
 
المراقبة ليست قيودا وتسلطا وعدم احترام للخصوصيات
مراقبة الآباء لسلوكيات أبنائهم حق مشروع وأسلوب تربوي تطالب به كل نظريات التربية التقليدية والحديثة، وحدودها وشكلها يتباين باختلاف المراحل العمرية التي يمرون بها.
ولكن أن يتحوّل الهدف من الرعاية والاهتمام إلى فضول وتسلط وعدم احترام لخصوصيات المراهق، باتباع أساليب التجسس المختلفة والنبش في مقتنياتهم وخزائنهم، وملابسهم، والاطلاع على كلّ ما يخصهم، فهي مراقبة غير متزنة.
تعرّفي إلى المزيد: مشاكل المراهقين السلوكية
60 %من الآباء يتجسسون على أبنائهم إلكترونياً!
 
60 بالمائة من الآباء يدخلون على حسابات أبنائهم الخاصة!
أرقام ودلالات: أشارت دراسة حديثة إلى أنّ الكثير من المراهقين يقضون معظم أوقاتهم منفردين داخل غرفهم الخاصة، ما بين الأجهزة الإلكترونية والحاسوب.
بينما اعترف 60% من الآباء والأُمّهات أنهم يدخلون على الصندوق البريدي، والحسابات الخاصة بأبنائهم، معتقدين أنّ التطفل "ضروري" لمصلحة أبنائهم.
ودراسة أخرى تؤكد أن هناك 6 من بين 10 من الآباء، يراقبون أبناءهم على شبكة الإنترنت وكذلك هواتفهم، وقد صدموا من المحتوى الذي تتضمنه أجهزتهم.
ومن الأساليب التي يستخدمونها لمراقبة أبنائهم إلكترونياً؛ هي تأسيس صفحات خاصة بهم على الفيس بوك لمتابعة أبنائهم، ووصلت نسبتهم لـ11% من الأهل.
وبأسلوب آخر.. اعترف 13% من الآباء أنهم دخلوا إلى مواقع أبنائهم، بحسابات تعود لأصدقاء، بعد أن رفض الأولاد قبول دعوات الصداقة المقدمة، لمجرد اعتبار ذلك انتهاكاً لخصوصيتهم.
نصائح وإرشادات للآباء والأمهات
 
مراقبة الأبناء بصورة معتدلة ومتوازنة أفضل
البعض يعتقد أنّ للأبوين الحقّ الكامل في مراقبة الأبناء، حتى إن وصل الأمر إلى حد التجسس، للسيطرة على أبنائهما وحمايتهما من الوقوع في الخطأ قبل تورطهم.
وآخرون يرون أن مراقبة الأُم لا يمكن إدراجها تحت مفهوم التجسس، فهي أحد الأساليب التي تتبعها لملاحظة سلوكيات أبنائها لتوجيههم وإرشادهم.
لا اعتراض على مبدأ مراقبة الأبناء، لكن بصورة معتدلة ومتوازنة، وبما يضمن للابن المراهق قدراً كافياً من الحرّية ويحافظ على خصوصياته.
كلّ مرحلة تفرض على الأبوين طريقة للمتابعة والمراقبة، فالأم تزداد ملاحظتها في مرحلة الطفولة، وتقل المراقبة تدريجياً في مرحلة المراهقة؛ لتأخذ شكلاً ثانيا.
الاعتدال هو النجاح
 
الرقابة والحصار الشديد والتجسس خطأ تربوي
الاعتدال في استخدام كل الأساليب التربوية هو طريق النجاح، وهو ما لابدّ من تطبيقه على مراقبة الأبناء، فالهدف هو الإصلاح والتهذيب وليس مضايقة الابن.
مبدأ الرقابة والحصار من قِبَل الآباء تجاه المراهقين، وملاحقتهم في كلّ حركاتهم، والتجسس عليهم في كلّ كبيرة وصغيرة يمكن أن يأتي بنتائج سلبية.
إنّ هناك فرقاً كبيراً بين المراقبة والتجسس، فالأولى تعني التقرب من الابن ومعرفة شخصيته وسلوكياته وطريقة تفكيره ورغباته وميوله.
أما التجسس فهو سلوك مرضي؛ لخلوه من الفطنة والذكاء التربوي المطلوب، وكلاهما خطأ تربوي يهدد بناء الابن عقلياً واجتماعياً.
لهذا هناك ضرورة أن يضع الأبوان عقداً ثابتاً مع أبنائهما، يتم من خلاله تحديد القواعد والحقوق والواجبات وأساليب العقاب والثواب التي لابدّ أن يلتزم الجميع بها.