الهاتف المحمول.. هل هو وسيلة اتصال أو أداة انفصال؟!

الهاتف المحمول.. هل هو وسيلة اتصال أو أداة انفصال؟!

شعوب وعادات

الثلاثاء، ٢٢ يونيو ٢٠٢١

منذ أن خلق الله الإنسان على الأرض، وهو يكتشف ويخترع ويبتكر؛ يكتشف من أجل البقاء، ويخترع من أجل الإشباع، ويبتكر من أجل الرفاهية. وقد شهدت تلك العمليات العديد والعديد من المراحل التي أبهرت الإنسان وخاطبت عقله ومقتضيات حياته ورغباته وتحقيقها بشيء من اليسر والسهولة؛ فكل الاختراعات ما هي إلا لتبتغي راحة الإنسان وتدليله.
وفي ما يلي يتحدث الدكتور «عبد الحميد يحيى» أستاذ الإدارة وخبير التدريب وتنمية الموارد البشرية الدولي عن هذا الموضوع.
الإنسان ووسائل الاتصال
الاتصالات أو تبادل المعلومات أو توفير التسلية، توفرها عدة وسائل مثل الخطابات، التلفزيون، الراديو، التليفون، وربما يُعد أهم أنواعها هو التليفون؛ فحالياً كل وسائل الاتصال مجتمعة في التليفون المحمول من راديو وتلفزيون وإنترنت، حتى التسوق وحجز التذاكر للسينما أو الطيران، من خلال التليفون المحمول، وهذا ما أكسبه ميزة توفير الجهد والوقت والمال.
مراحل تطور التليفون الأرضي
التليفون بالقرص
عندما اخترع العالم «جراهام بل» الهاتف قدم خدمةً كبيرة للعالم؛ فمن خلال هذا الهاتف تم التواصل السريع والبسيط بين الناس عبر المناطق المختلفة جغرافياً. وكان عبارة عن جهاز إرسال بسيط وجهاز استقبال وأسلاك بينهما. في عام 1882 تم اختراع الهاتف الذي يُعلق على الحائط مزوَّداً بخدمة تحويل المكالمة إلى الجهة المطلوبة. ثم توالت الاختراعات والتطويرات والابتكارات ليأخذ الهاتف عدة أشكال من التليفون بالقرص، ثم التليفون بالأزرار، حتى ظهر التليفون اللاسلكي، حيث كان طفرة للكلام في التليفون دون أسلاك، وأخيراً التليفون المحمول.
 
مراحل التليفون المحمول
 
«كلما تقدَّم العالم؛ تتقدَّم اختراعاته»، ومن هذه المقولة يقول الدكتور «عبد الحميد يحيى»: «كانت بداية التليفون المحمول عبارة عن جهاز كبير مثل جهاز اللاسلكي ثم تطورت الأمور وسارت الاختراعات، لكنها سارت بسرعة. فلم تستغرق عملية تطوير الجهاز المحمول إلا بضع سنوات، وكأنها طفرات تكنولوجية في تطويره».
 
وتابع: «كان التليفون المحمول قديماً لا يحتوي على خاصية التصوير بالإضافة إلى حجم الشاشة الصغير التي ربما تحتاج إلى عدسات مكبرة لرؤية الكتابة، ثم جاءت الشركات لتتنافس مع بعضها بعضاً؛ فحصل تنافس في السوق العالمي لصناعة البرمجيات. وكل هذا كان من أجل الإنسان ورفاهيته ترفيهاً عالياً. وأصبحت برامج الهاتف المحمول مزوَّدة بتقنيات حديثة للاحتفاظ بالمعلومات والبيانات والصور والذكريات في هذا الجهاز الذي لا يتجاوز حجمة 200 غرام. وبالتالي فقد غدا هذا الاختراع من أجل ترفيه الإنسان، وأصبح التليفون المحمول اختراعاً ثورياً، كما أبهر التلفزيون أعين الإنسان وأبهر الراديو أذنيه».
 
تابعي المزيد:أزمة الهواتف المحمولة تستدعي تدخلاً حكومياً سريعاً وطارئاً في اليابان
 
 
التليفون المحمول وسيلة اتصال
 
يوضح الدكتور «عبد الحميد»: «قبل اختراع المحمول كان التواصل بين الناس يستغرق وقتاً. لمحادثة شخص ما كان يجب الرجوع للمنزل أو الاتصال عن طريق كابينة التليفون في الشارع. هذا بجانب مشكلات التليفون الأرضي التقليدية من انقطاع الحرارة وخلافه. أما الآن فالتليفون المحمول في أيدينا محمولاً وكأننا نحمل العالم بين أيدينا صوتاً وصورة، تسجيلاً وتوثيقاً؛ ليصبح التليفون المحمول ليس وسيلة اتصال فقط، بل وسيلة رؤية، فقرَّب المسافات وجعل الاتصال سريعاً. كما يُستخدم أيضاً بوصفه مخزناً للمعلومات والصور والذكريات وغيرها، مثله مثل الكمبيوتر واللاب توب، لكنه أكثر إبهاراً منهما؛ فدخل في منافسة مع وسائل الاتصال الأخرى. ومن مميزاته أنه محمول وخفيف الوزن يُوضع في الجيب، ويُوضع في الحقيبة وعلى الطاولة، ويُمكن حمله في أي مكان؛ فسَّهل الاتصال في أي لحظة في أي مكان لأي إنسان صوتاً وصورةً».
 
وأضاف: «كما أنه تطور بشكل كبير حيث تم ربطه مع الشبكة العنكبوتية، وأصبح يمكن من خلاله تصفح مواقع الأخبار والدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي والتواصل مع الناس، كما أصبحت هناك الكاميرات التي من خلالها يتم أخذ الصور وإرسالها مباشرة عبر الإنترنت، كما وصل تطور الهاتف المحمول إلى القدرة على التواصل بصوت وصورة وبشكل مباشر من خلال استخدام الإنترنت؛ فهو يجعلنا نرى الحدث وقته، في ثانية حدوثه نفسها، وكأننا موجودون فيه».
 
التليفون المحمول وسيلة انفصال
التليفون اللاسلكي
ويحذر الدكتور «عبد الحميد»: «لكن علينا أن نؤمن تمام الإيمان وأن نوقن تمام اليقين أن الإنسان يدفع ثمن هذا التقدم من أعصابه وحياته وعلاقاته الاجتماعية. فدخلت هذه المخترعات ودخل هذا المحمول دائرة النقض ودائرة السلبية في بعض الأحوال؛ فكما أنه وسيلة من وسائل الاتصال السريعة، فإنه أصبح وسيلة من وسائل الانفصال. فعلى سبيل المثال، كان الابن يحرص على زيارة والديه في إجازاته من العمل، فأصبح المحمول يغنيه عن هذه الزيارة؛ حيث أمكنه رؤيتهما بالصوت والصورة في مكانه، فاستغنى عن ذهابه لهما برؤية صورهما ومكالمتهما على المحمول».
«وعلى الرغم من أن هذه النقطة قد تكون ميزة للمسافرين في أماكن بعيدة؛ فإنها أصبحت وسيلة انفصال، إذ إنها حدَّت من الزيارات وجهاً لوجه، وعملت على الاكتفاء بالمحادثة في التليفون، فأصبح التليفون وسيلة من وسائل الانفصال».
واستكمل قائلاً: «كما أن هذا التليفون، وهو أداة من أدوات الإبهار، بدأ في مخاطبة عقول الصغار ورغباتهم؛ فبدأت مرحلة جديدة من الخطورة. ومن السلبيات أن الطفل يجلس أمام المحمول ساعات طويلة فلا يخرج من غرفته، فأصبحت هناك ظاهرة العزلة السرية. بالإضافة للألعاب المبهرة التي عزلت هذا الطفل أو الشاب عن مجتمعه الخارجي؛ فأصبح معزولاً في غرفة واحدة. كل فرد في المنزل أصبح في غرفة وحده، وليس الأطفال وحدهم، بل الزوج والزوجة أيضاً، كل فرد في يده المحمول لكنه في دنيا أخرى تماماً. وهذا ما جعل الإنسان يغيِّر من نسق حياته ونظامها».
 
 
تحويل مسار الهاتف المحمول من الانفصال للاتصال
 
إذاً، تأتي عيوب هذا الجهاز من ثقافة استخدامه التي تكون في بعض الأحيان ثقافة غير سليمة؛ ليصبح عاملاً في انفصال الإنسان عن العالم الخارجي. فعلى الرغم من كونه وسيلة اتصال لربط الناس ببعضهم بعضاً؛ فإنه قد يحد من الزيارات العائلية والمجتمعية التي كانت سائدة في الماضي، وبالتالي تأثر النسق الاجتماعي.
 
النصيحة المقدمة من الدكتور «عبد الحميد»: «فكما أن للتليفون المحمول مزايا فإن له عيوباً أيضاً، والمطلوب هو ترشيد استخدام هذا الاختراع؛ لضمان الاستخدام السليم والرشيد لهذه الأجهزة في مجرد ما نريده، كالدخول على الإنترنت للبحث عن معلومة أو مكالمة هاتفية بغرض الاطمئنان والتواصل. وكذلك التحكم ومراقبة الأطفال في استخدام الجهاز عن طريق البرامج المخصصة لذلك».