مشكلة التنمر الإلكتروني.. أسباب وحلول صحية ونفسية

مشكلة التنمر الإلكتروني.. أسباب وحلول صحية ونفسية

شعوب وعادات

الثلاثاء، ١٢ يناير ٢٠٢١

دينا عبد   
التنمر من أبرز المشكلات التي يعانيها المراهقون في المدرسة، وهو شكل من أشكال الإيذاء الكلامي أو السلوكي الذي يمارسه شخص أو جماعة على فرد أو مجموعة أخرى أضعف من الأولى من ناحية معينة، ويمكن أن يكون التنمر جسدياً كأن يتم الاعتداء على الأشخاص بالتهديد والضرب، أو لفظياً حيث تقوم المجموعة الأولى بالسخرية من المجموعة الثانية، والاستهزاء بسبب عدة أمور مثلاً بسبب: الشكل – الحجم – الملابس – لون البشرة – أو الطبقة الاجتماعية، أو أي موضوع آخر يترك أثراً بالنسبة إلى الشخص المتنمر عليه.
حالات
يوسف، ينزعج من تعليقات بعض زملائه حول قصر قامته ونظارته التي يضعها على عينيه، تقول والدته: عندما يأتي من المدرسة يدخل غرفته باكياً، في البداية لا يتحدث عن شيء، ولكن عند المساء يحكي عما تعرض له من قبل زملائه، فهم ينعتونه دائماً بقصير القامة, إذ يقولون له: لا تستطيع يدك الوصول إلى الرف الأعلى من الكتب لأنك قصير القامة أو هل ترى هذا الشيء البعيد إشارة لأنه يضع نظارات.
وتصف والدة يوسف إن هذا السلوك المتكرر يهدف إلى الإضرار بالأشخاص عمداً.
أما هديل الطالبة في المرحلة الإعدادية فتنزعج من حركات زميلاتها المقصودة تجاهها بسبب وزنها الزائد، وفي رأي والدتها إن هذا الأسلوب جعل منها فتاة وحيدة من دون صديقات، فهي غالباً ما تكون منعزلة، والسبب تلميحات صديقاتها تجاهها التي جعلتها تشعر بالخجل والابتعاد عنهن.
و بالرغم من كل ذلك فإن المواقف المماثلة التي يمكن أن يتعرض لها المراهق أو الشاب عديدة في مرحلة أو أكثر من مراحل حياته.
فما مدى خطورة التنمر بين المراهقين .. و كيف يمكن معالجتها وتجنبها؟
يحدث عبر الانترنت
د. منى كشيك – رئيسة قسم أصول التربية في كلية التربية بجامعة دمشق, قالت: لم يقتصر التنمر في الفناء المدرسي أو في زوايا الشوارع بل أصبح يحدث عبر الانترنت وفي أي مكان، خاصة بعد انتشار التكنولوجيا في المنزل وعبر الإنترنت والهواتف الذكية والبريد الالكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي على مدار ٢٤ ساعة مع وجود مئات الأشخاص الذين تود مشاركتهم.
ويستمد التنمر الإلكتروني من التكنولوجيا الرقمية المضايقات أو توجيه الاتهام أو الإذلال على عكس التنمر التقليدي، فالتنمر الإلكتروني لا يتطلب اتصالاً وجهاً لوجه، ولا يقتصر على مجرد حفنة من الشهود في وقت واحد كما أنه لا يتطلب قوة جسدية، وبإمكان التنمر الإلكتروني تعذيب المتنمر عليه على مدار ٢٤ ساعة يومياً و سبعة أيام في الأسبوع، حيث يشعر بالأذى والغضب والخوف والعجز واليأس والعزلة والخجل والشعور بالذنب، ومن المرجح أن تتراجع صحته البدنية ويكون أكثر عرضة لخطورة الإصابة بمشكلات الصحة النفسية، مثل الاكتئاب أو تدني احترام الذات أو القلق أو الاضطرابات ما بعد الصدمة عند المراهقين.
كما يمكن أن يتسرب من المدرسة لتجنب التعرض للتنمر، وأيضا يلجأ العديد من ضحايا التنمر الالكتروني إلى منافذ أخرى للتنفيس عن أنفسهم مثل: التدخين وتناول الكحول، وفي كثير من الأحيان يتعرضون إلى الانفصال أو الانعزال عن الناس والأصدقاء.
و أسباب التنمر كثيرة، بحسب د.كشيك، منها لفت الانتباه أو الهروب من مشكلات خاصة قد تكون ناتجة عن غيرة، وهنا لايقع على عاتق الشخص الآخر تحملها، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك في التغلب على المشكلات من أجل الحفاظ على إحساسك بذاتك.
التنمر من منظور مختلف
 
وعن العلاج قالت د. كشيك يجب ألا تخجل من نفسك أو ما بما تقوم به، فالتنمر يأتي من شخص يعاني من مشكلات كثيرة ، وحاول أن ترى التنمر من منظور مختلف، فالمتنمر شخص غير سعيد ومحبط و يريد أن يتحكم بمشاعرك، حيث يحاول أن يشعرك بالسوء الذي يشعر به لذلك لا تمنحه هذا الفرصة.
فلا تغرق نفسك في حادثة التنمر سواء من خلال التعليق عليه أو قراءة رسائل التنمر عبر الانترنت مراراً، أو تكراراً، لذلك احذف الرسائل التي لا تعجبك، وركز على التجارب الإيجابية في حياتك، فهناك العديد من الأشياء الرائعة لديك، وتعلم كيفية إدارة التنمر، فالعثور على طرق صحية لتخفيف التوتر الناتج عن التنمر يجعلك أكثر مرونة حتى لا تشعر بالتجربة السلبية، فالتمارين الرياضية والتأمل والتحدث الإيجابي عن النفس واسترخاء العضلات وتمارين التنفس كلها طرق جديدة للتغلب على ضغوط التنمر ونسيانها.
أسباب التنمر
إلهام محمد – رئيسة دائرة البحوث في مديرية تربية دمشق تحدثت عن حالات التنمر فقالت: إن التنمر هو الاستقواء على الآخرين، والقيام بأفعال سلبية متعمدة تتم بصورة متكررة وطوال الوقت، قد تكون من قبل تلميذ لآخر، أو جماعة لجماعة، ويأخذ التنمر أشكالاً منها اللفظي عن طريق التوبيخ، والإغاظة والشتائم والتهديد والاستفزاز أو تنمر اجتماعي عن طريق الإشاعات ونبذ الشخص اجتماعياً والإحراج والكذب.
أما التنمر الالكتروني فيتم عن طريق رسائل التهديد، والفيديوهات والصور وعدم قبول الصداقة.
 
وعن أسبابه قالت محمد: أسباب التنمر سواء للمتنمِر أو المتنمَر عليه هناك تأثير لوسائل الإعلام، وإدمان ألعاب العنف والتنشئة الوالدية التي تأخذ جانب الحماية الزائدة والاعتمادية أحياناً، وفي بعض الأحيان القسوة الزائدة والإهمال، وعدم تمكن التلميذ من أساليب حل المشكلات ومهارات التواصل اللاعنفي وتأكيد الذات، وهناك أسباب تعود للمدرسة وعدم تلبية احتياجات الأطفال واعتماد العقوبة، وعدم وجود أنشطة تلبي احتياجاتهم وميولهم وغياب سياسة التشجيع والدعم.
حلول في المدرسة والمنزل
وعن الحلول قالت محمد: يجب مناقشة سلوك الأبناء بهدوء وتعقل، والتواصل الدائم بين المدرسة والمنزل والإخبار عن حالات التنمر ووضع (بروشورات) وملصقات عن التنمر وأخطاره، إضافة إلى وضع ميثاق صفي ومدرسي يوضح الإجراءات للإخبار عن التنمر، والإجراءات المتخذة بحق المتنمرين، كما يجب تنظيم أنشطة تهتم بتعديل السلوك وبتنمية الثقة بالنفس وتأكيد الذات، واستخدام تقنية لعب الأدوار، وهي تقنية تفيد في الملاحظة والتعبير عن المشاعر والاحتياجات والطلب للمساعدة، إضافة إلى تفعيل مجالس أولياء الأمور وطرح ظاهرة التنمر بحيث يشارك الأهل في إيجاد الحلول، وتفعيل دور المرشد النفسي والاجتماعي وطرح موضوع التنمر، من خلال حصص التوجيه الجمعي، وملاحظة سلوك المتنمرين، بحيث تتم متابعة المتنمر والمتنمر عليه من خلال الجلسات الإرشادية الفردية، ويمكن للمدرسة القيام بإعادة ترتيب التلاميذ في الصف وفي حافلة المدرسة، من خلال قيادة مناقشة داخل الصف حول كيفية أن يصبح التلميذ صديقاً جيداً، وكتابة قصة حول آثار التنمر أو فوائد العمل الجماعي، وضم التلاميذ إلى النوادي الرياضية لتمكينهم من اكتساب قواعد القيادة وكسب الأصدقاء والتشجيع والدعم الدائم للتحسن في السلوك.
ومن آثار التنمر الشرود، وفقدان التركيز والهروب من المدرسة وتراجع التحصيل الدراسي – التمارض والغياب المتكرر عن المدرسة – تغيرات في المزاج – غضب وانفعالات دائمة.
وعلى الأهل أخذ دورهم التربوي بمراقبة سلوك أبنائهم واهتماماتهم عن كثب، إذ إن انتشار الألعاب الالكترونية التي ظهرت في السنوات الأخيرة جميعها تحرض على فكرة العنف والقوة الخارقة، ما يولد رد فعل سلبياً لدى الطالب في ميوله واختياراته لأن ما نزرعه تحت الأرض سيظهر ثمرة فوقها، كذلك نفسية أبنائنا ما نزرعه داخل نفوسهم سنجده بعد قليل سلوكية حسنة و نتائج طيبة.