تحاصر أفكار أطفالنا!! الألعاب الالكترونية.. إدمان ودخول إلى العالم الافتراضي ومشكلات صحية وسلوكية

تحاصر أفكار أطفالنا!! الألعاب الالكترونية.. إدمان ودخول إلى العالم الافتراضي ومشكلات صحية وسلوكية

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٩

الجميع دخل اللعبة ولم يعد يستطيع الخروج منها، فهناك الرابح والخاسر، وهناك صديق ننتظر مساعدته، وصديقة تستمر معنا حتى النهاية رغم الوقت الطويل الذي تستهلكه اللعبة، أنا لا أتحدث عن لعبة رياضية، ولا فكرية كالشطرنج والضامة، إنها “لعبة البابجي، “فمن منا لم يشاهد أحد المتشبثين بهواتفهم المحمولة، وتظهر على وجوههم تلك الانفعالات الوهمية كالغضب، أو الضحك، أو الإحساس بالفشل، ناهيك عن حالة التركيز العالية للعبة، فأنت تستطيع أن تفعل ما تريد باللاعب دون أن يشعر بما يجري حوله، بل على العكس تماماً هو يتخلى عن كل شيء، ويوافق دون أن يعلم ما يؤخذ منه، وقد نتعرّض لمواجهة شرسة من اللاعب إذا شتتنا تركيزه، وسببنا له الهزيمة أو خطأ ما أثناء المعركة الخيالية.
 تأثير اجتماعي
تعتبر الألعاب الالكترونية سلعة تكنولوجية حديثة يتم تسويقها وبيعها، فهي عبارة عن جزء من الموجة الرقمية الحالية التي عملت على التأثير في الأشخاص بطرق مختلفة، وبذلك فهي تعتبر مشكلة كبيرة في حال تم استخدامها من قبل الأطفال أو المراهق بشكل كبير ومتكرر، حيث إن هذه الألعاب ستسبب رغبة في إهمال الواجبات الشخصية، والعلمية، والأسرية، ترى الدكتورة الاختصاصية في علم النفس سلمى أسعد أنه قد يتطور التعلّق بهذه الألعاب الالكترونية إلى حالة إدمان لأنها تسبب الحزن والانفعال الشديد إذا لم يتم إبعاد الطفل أو المراهق عن الاستمرار بها، فحالة الإدمان تدفعه لقضاء المزيد من الوقت في اللعب، فهو لم يعد يشعر بأهمية ما كان يقوم به من نشاطات سابقاً لأنه فقد إحساسه بمتعة اللعب بها، وقد يلجأ للكذب حول كمية الوقت المستنفد في هذه الألعاب، مشكلات الألعاب الالكترونية منتشرة جداً، ويمكن أن تسبب خسارة الأصدقاء والأقارب والمعارف، والفشل الدراسي، فالإحصائيات العالمية أشارت إلى أنه في بداية الثمانينيات تم رصد حالات الإدمان على الألعاب الالكترونية، وخاصة بعد انتشار الأنترنت، لذلك قامت بعض الدول باعتبار هذه الألعاب سبباً رئيسياً في تخريب الصحة العامة للمجتمع، وقامت باتخاذ جملة من القرارات التي تحد من المشكلة.
التأثير على الصحة
يرتبط هذا النوع من الألعاب بالعديد من الأمراض كالبدانة والكسل والعزلة، والعديد من المشكلات الاجتماعية، وبمعنى آخر هي مرتبطة بالصحة الجسدية والفكرية، والتي تكون نتيجة الإدمان على الألعاب الالكترونية، دكتورة الصحة العامة وفاء الأحمد تؤكد أن معظم المدمنين على هذا النوع من الألعاب تسبب لهم آلاماً في مفاصل الرقبة واليدين والقدمين نتيجة الجلوس لمدة طويلة ودون استراحة لمتابعة مراحل اللعبة، ويعتبر نقص فيتامين د من أهم المشكلات الصحية لهذه الألعاب بسبب عدم الخروج إلى الطبيعة، واستقطاب فوائد التعرّض للشمس، ما يسبب هشاشة العظام، وانحناء العمود الفقري.
سلوك عدواني
تم اختيار مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 8 إلى 16 سنة لدراسة تأثير الألعاب الالكترونية عليهم خلال ثلاث سنوات، فكانت المؤشرات تدل على أن الألعاب الالكترونية الحربية تحفز على السلوك العنيف عند الأطفال بسبب تأثر الطفل بمشاهد عدوانية، يقول الدكتور في علم النفس حسين حمادة: إن هذا التأثر العدواني يصيب جميع الأشخاص بغض النظر عن طبيعتهم وسلوكهم الحقيقي، فالطيبون أيضاً يتحولون لأشخاص عدوانيين نتيجة تأثرهم بهذا النوع من الألعاب التي تؤثر أيضاً على الفتيات وتكسبهم سلوكاً عنيفاً وعدوانياً، إضافة إلى أن هذه الألعاب تسبب حالات  من التوتر المستمر للجسم، وارتفاعاً في ضغط الدم، وتسرعاً في عدد نبضات القلب، وذلك ليس فقط لأنها ألعاب عنف فقط، بل لأنها ألعاب حركة تعتمد على سرعة اللاعب، وارتفاع عملية الإثارة البصرية والمعرفية، ما يثير الدماغ والجسم لبذل مجهود وهمي يؤدي للقلق أثناء النوم، وهنا يؤكد حمادة أن زيادة عدد ساعات النوم عند الطفل لا تدل على عدم اضطرابه أثناء النوم، فبعض الأجزاء في الدماغ ترسل إشارات إلى الجسم أثناء النوم تجعله في حالة التأهب.
تفسير علمي
إن السطوع غير الطبيعي، والضوء الاصطناعي الذي يبث عبر شاشات الموبايل أو الكمبيوتر يؤثران على هرمون الميلاتونين، ويمنعانه من الظهور خلال الظلام فقط، حيث إن الضوء الاصطناعي يذهب إلى العقل بشكل مباشر، وذلك يؤدي إلى فقدان الإحساس بالنعاس، وإيقاف عمل ساعة الجسم “البيولوجية”، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى عدم التركيز وتشويه الحالة المزاجية، والتغيير في الحالة الهرمونية للجسم، ويعتبر الاختصاصي الفيزيائي توفيق هاشم بأن الإشعاع المنبثق من الأجهزة  “الإشعاع الكهرومغناطيسي” يمنع عملية إفراز هرمون الميلاتونين، وبالتالي فإنه يقلل من كميات النوم والاستراحة، لأن هذا الإشعاع ينتج عن جميع الأجهزة الالكترونية واللاسلكية كأجهزة المراقبة، والأنترنت، والألعاب المحمولة، وغيرها من الالكترونيات، وعن تأثيرها على الصحة النفسية تم إجراء دراسة على مجموعة من طلاب الصف الثالث والرابع والسابع والثامن، وقد كانت نتيجة هذه الدراسة أن الطلاب الذين يعانون من إدمان الألعاب الالكترونية يعانون من مشاكل نفسية مثل: الاكتئاب، والقلق، والرهاب الاجتماعي، كما أنها تؤدي إلى تدني الدرجات الدراسية لهؤلاء الطلاب، أما تأثيرها على الوقت فيتجلى في تضييع وقت اللاعب، إذ يمكن قضاء الوقت المستهلك في لعب هذه الألعاب بتأدية نشاطات تعود بالفائدة على الفرد، مثل زيادة النشاط الاجتماعي بتمضية الوقت مع العائلة والأصدقاء، أو زيادة الأوقات التي تتم بها ممارسة الأنشطة الترفيهية كالقيام بلعب كرة القدم، أو تأدية المسؤوليات كالدراسة أو العمل، ويمكن أيضاً تطوير مهارات شخصية تعود بالفائدة على الشخص.
مرحلة الإدمان
هناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن ألعاب الفيديو تحولت إلى حالة إدمان مهما كان نوعها، سواء كانت عبر الأنترنت، أو عبر التلفاز، منها عدم الاهتمام بما يحدث حول اللاعب من أفعال وحركة، وبشكل ما يعيش شيئاً يشبه العزلة، والتفكير المستمر في الوقت الذي سيتاح له ليتمكن من اللعب مرة أخرى، أو التخلي عن أي من الهوايات التي كان يفضلها، واستبدالها بالألعاب الالكترونية، وهنا لا يمكن السيطرة على سلوك الطفل أو المراهق، وينتج صدام حقيقي بين اللاعب وعائلته ومن حوله لتغيير سلوكه، وإعادته إلى حياته الطبيعية، واندماجه مع أسرته، وفي بعض الأحيان يحتاج الأمر لتدخل اختصاصي علم نفس لإخراج المدمن من حالته بالتعاون مع الأبوين لضمان عدم تفاقم المشكلة، أو خلق نزاع بين أفراد العائلة.
ميادة حسن