زواج القاصرت اصطياد للأحلام الصغيرة وانتهاك لقوانين الطفولة وحقوقها

زواج القاصرت اصطياد للأحلام الصغيرة وانتهاك لقوانين الطفولة وحقوقها

شعوب وعادات

الجمعة، ٦ ديسمبر ٢٠١٩

تعددت القصص التي تحكي عن مآسي الفتيات الصغيرات، وخاصة خلال فترة الحرب التي شكّلت بيئة مناسبة لاستفحال ظاهرة الزواج المبكر التي تشمل الفتيات القاصرات ممن لم يبلغن سن الرشد 18، وفرضتها الظروف المختلفة ، بل وباتت موجودة في المجتمع السوري، وقد سوّق وسهّل مثل هذا الانتهاك الخطير للطفولة الواقع الاقتصادي والمعيشي، إلى جانب تلك العقليات التقليدية المتخلفة التي تسوق تبريرات ، منها أن الفتاة الصغيرة تكون عجينة بيد الزوج يكيّفها كما يشاء، ويربيها على النحو الذي يريده، وقد أثبتت النداءات المتكررة التي تنبه لخطورة الزواج المبكر الصحية، والاجتماعية، والنفسية، والقوانين التي تجرم زواج القاصر، فشلها الذريع في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات رادعة من الجهات المعنية لمكافحة جريمة تذهب ضحيتها فتيات في عمر الزهور.
 
إجهاض متكرر
لا يمكن اعتبار بلوغ الفتاة الذي يحدث في بلادنا ما بين عمر 11-15 سنة، كما أفادت الدكتورة هيلانة الشكر، الاختصاصية بالأمراض النسائية ورعاية الحوامل، مؤهلاً للدخول لعالم الزوجية، ولا يؤشر على قدرة الفتاة على الحمل والإنجاب، فحمل الفتاة في فترة زمنية مبكرة يعرّضها لمخاطر، كما يعرّض الجنين لها، حيث تقل في مدة الحمل المتعارف عليها، وهي إتمام التسعة أشهر، فرص إتمامها لدى الفتاة الصغيرة بالعمر، وجسمها لم يكتمل نموه بعد، وقد تتعرّض للإجهاض المتكرر والمبكر نتيجة عدم اكتمال العلاقة الهرمونية بصورتها الصحيحة، والأخطر من ذلك، كما أضافت الشكر، تعرّض الفتاة للإصابة بفقر الدم، وخاصة خلال فترة الحمل، وهي أشهر مضاعفات الحمل بشكل عام، وفقر الدم بحد ذاته يشكّل خطراً حقيقياً على صحة الأم وحياتها، فهي لا تملك دراية كافية بأهمية العنصر الغذائي أثناء فترة الحمل، والولادة، والرضاعة.
 
استئصال الأعراف السلبية
يعتبر الزواج المبكر اعتداء مقصوداً، كما عبّرت الباحثة الاجتماعية لينا المحمد، على الطفولة، فالفتاة القاصر لاتزال في سن الطفولة، وهي غير مهيأة فيزيولوجياً ونفسياً واجتماعياً كي تكون زوجة وأماً، وهي لا تملك القدرة الكافية على الاختيار، فتكون مرغمة على الزواج من شخص اختاره الأهل لها، ففي مثل تلك العلاقة الزوجية التي كان الاختيار فيها غائباً، ستكون المسؤولية غائبة، وسترتكب الأخطاء، وحتى المسؤولية لن تتحمّلها الفتاة، وستلقي باللوم بشكل مستمر على أهلها، كما أن الأمومة، كما أضافت المحمد، تحتاج لنضج عقلي وجسدي، فكيف يمكن لطفلة أن تنجب وتربي طفلة، فهي لا تشعر بمعنى الأمومة، ولا بحجم المسؤولية الملقاة على كاهلها بالإنجاب، والتربية، وتلبية متطلبات الزوج، والقيام بأعباء المنزل، وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية غير قادرة على تكوين علاقات سليمة مع محيطها، ولاسيما أهل الزوج، فتكثر المشاحنات والخلافات، وغالباً ما تنتهي بالطلاق.
وتؤكد المحمد على أن في الزواج المبكر اختصاراً لحياة الطرفين، وقتلاً لطموحهما ومستقبلهما بالدراسة، وتأسيس عمل أو مشروع ناجح، إضافة إلى أن تدبير شؤون المنزل من الناحية المالية يحتاج لخبرة وقدرة ذهنية، فكيف لطفلة أن تقدر المسألة الاقتصادية كما تقدرها فتاة ناضجة، وتضيف بأن المجتمع الذي يسود فيه العرف والتقليد على القوانين، وعلى كل ما أتت به الدراسات العلمية من نتائج وحقائق كارثية للزواج المبكر، يحتاج إلى ثقافة موجهة تعمل على استئصال ما هو سلبي من الأعراف والتقاليد، ويجب إعادة النظر بالقوانين، وتلافي الثغرات التي يمكن النفاذ منها لارتكاب جرائم بحق الطفولة البريئة.
 
الحكم الشرعي
إذا كان الزواج المبكر منتشراً قديماً في بداية التشريع الإسلامي، فإن ذلك يعود إلى النضج في الجسد، والوعي والفهم العاليين آنذاك، وتكريم المرأة وصون كرامتها كما أكد رجال الدين، إلا أن تلك القيم هبطت اليوم هبوطاً ذريعاً، وتراجعت الرجولة، وتمددت الطفولة، فنرى تعامل بعض الأفراد في 25 و26 من عمرهم كتعامل الأطفال في التصرفات والأحاديث، وتعيش الأنثى اليوم واقعاً غريباً عن كل ما ورد في التاريخ من انتهاك لحقوقها وكرامتها وأنوثتها، وتحدثوا عن الحكم الشرعي أو الفتوى التي وردت في موضوع الزواج المبكر، فمن حيث الأصل يجوز تزويج الفتاة بمجرد بلوغها الحلم، لكن المذاهب الفقهية اختلفت في تحديد العمر المناسب للزواج، فأخذ المذهب الحنفي بجواز تزويج الفتاة في عمر 18 سنة فما فوق، والشاب في عمر 17 وما فوق، ومن أجل علاقة زوجية ناجحة يجب أن يكون الارتباط مبنياً على التكافؤ، وأن يكون الزوج قادراً على القيام بالحقوق والواجبات، والزوجة ناضجة جسدياً وفكرياً بالقدر الذي يسمح لها بتأسيس أسرة ناجحة وسليمة، وقد نبهوا إلى الخروقات التي ترتكب تحت غطاء شرعي أو قانوني مثل الزواج العرفي الذي يكتب فيه الشيخ كتاباً للطرفين، أو ينظم محام ما عقد الزواج العرفي وهو ينطوي في الحقيقة على متاجرة بجسد الفتاة، فتكون صفقة مربحة مادياً للأهل أصحاب النفوس الضعيفة، أو للتخلص منها، وخاصة في العائلات الفقيرة، مثل تلك الانتهاكات يتوجب مكافحتها بعقوبات رادعة لأنها تسيء للأنثى، وللدين، وللمجتمع بأكمله.
 
اغتصاب الطفولة
يعتبر زواج القاصرات، انتهاكاً لكرامة الأنثى، ووأداً لقدراتها وطموحاتها، وحرماناً من حقها في المشاركة بالبناء والتطوير، وإعاقة نمو عنصر هام يشكّل نصف المجتمع، ويحدث خللاً بقدرته على تربية جيل آخر سيأتي من بعده لا يمكن أن يكون ناجحاً إلا إذا تلقى تربية صحيحة وسليمة.