مع اختلاف طقوسه أيام العيد.. تبدل في العادات والتقاليد وتواصل عبر  الواتس والفيسبوك

مع اختلاف طقوسه أيام العيد.. تبدل في العادات والتقاليد وتواصل عبر الواتس والفيسبوك

شعوب وعادات

الخميس، ٦ يونيو ٢٠١٩

معيدة لذاكرتي سنوات خلت، وأياماً مضت، كانت تلك “الفيشة” التي رأيتها في أحد الأسواق الشعبية تتحضر لاستقبال عيد الفطر السعيد، ومجموعة من الأطفال والصبية يتجمعون حولها، وهم في غمرة من الفرح والسعادة، تقف أمامهم للحظات مطولة، فتشعر وكأنك تشاهد مباراة حية لكرة القدم مع هتافات من نوع خاص للتشجيع كانوا يستخدمونها لتسافر معها للذكريات القديمة، مظهر بات من النادر مشاهدته كغيره من التفاصيل الأخرى التي اختفت واختلفت بين زمنين وجيلين، وفقدت خصوصيتها بين سلم وحرب، فلم تعد زيارات العيد أو تهانيه بين الناس كما كانت، ولم تعد مظاهره هي نفسها التي عرفناها سابقاً، اليوم يتجه أطفالنا بكثرة لألعاب الحرب والقتال بدل الأراجيح والألعاب القديمة التي كانت في طفولتنا، واليوم تستبدل معايدات الأهل، وزيارات الأقارب برسائل خاصة على مواقع التواصل، ومفرزات الثورة الرقمية المختلفة، فنختصر أعيادنا بتهنئة “واتس أب”،  أو معايدة “فيس بوك”.
 
مقارنات مختلفة
 
تبدو المقارنات التي يتحدث عنها العديد من الناس محزنة بمجملها، وتقف إلى جانب الماضي في تفاصيل كثيرة متعلقة بمآل الأعياد، وما أصبحت عليه، إذ كانت الأعياد في الماضي ذات نكهة خاصة، تبدأ التحضيرات لها قبل أسبوع، وتتوزع الألعاب في كل مكان، كانت أجواء رائعة رغم بساطتها، أما اليوم، للأسف، فلم يبق من هذه المظاهر سوى القشور، وفقد العيد بهجته القديمة، حتى الأسواق التجارية لم تعد تشعر بقرب العيد ولا بفرحته، لعل الوضع الاقتصادي الذي نعيشه يلعب دوراً في هذا الإطار، ولعلها التكنولوجيا أيضاً التي غيّرت الألعاب، فسيطرت على عقولهم وبات الكبار أيضاً يمضون معظم أوقاتهم أمام الكومبيوتر، ويتواصلون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويعايدون بعضهم عبر الرسائل الهاتفية، أو ما يُعرف اليوم بـ “الواتس أب”، فتقلصت الروابط العائلية، واندثرت كل العادات التي كنا نستقبل بها العيد سابقاً.
 
بهجة مفقودة
 
معظم من التقيناهم من الأهالي يشعرون بالحنين لتلك الأيام التي ما إن كان يصلهم خبر دخول أيام العيد حتى تهب رياح الأفراح والبهجة، وتبدأ الزيارات والمباركات لبعضهم، فالتغيير الذي نشهده اليوم في ممارسة طقوس العيد يجدونه بلا طعم ولا لون، فالناس قديماً كانوا يحضّرون للمناسبة قبلها بأيام، بالتأهب، وذبح الذبائح، وجلب الحلوى للأطفال، إلى جانب الاستعداد للفرح، وتجهيز مكان يجتمعون فيه ليتبادلوا أطراف الحديث على فناجين القهوة والشاي، وكان بينهم الشباب في ذلك الحين الذين يأنسون لهذه المجالس، بعكس شباب اليوم الذين يفضلون السهر ليلة العيد في الأسواق، والكفتريات، ويعودون للنوم في ساعات متأخرة من الليل غير مبالين بيوم العيد، كل ذلك كان فرح العيد، أبو سليمان، جد لخمسة عشر حفيداً، واحد ممن يحن لتلك الأيام التي كان يذهب فيها قبل أن يحين العيد بأسبوع مع والده إلى الخياط لتفصيل ثوب العيد، وشراء “الطواقي”، وتسلّمها قبل يومين من العيد مرتّبة بالورق، وعندما يتم تأكيد أن العيد سيكون في الغد تبدأ التجهيزات الأخيرة، إذ يتم التسلل إلى غرفة الوالد لنأخذ من عطوره ونرش على ثيابنا الجديدة، أما الجدة أم عادل فلم تعد تشعر بطعم العيد منذ أن وصل عمرها إلى سبعة عشر، ومع ذلك لها ذكريات جميلة منذ أيام الطفولة، لا يوجد وجه مقارنة عندها بين العيد في الماضي واليوم، إذ كان همها الوحيد عندما كانت صغيرة شراء الملابس الجديدة، وجمع (العيدية)، والذهاب إلى مدينة الألعاب، ولكن اليوم باتت وظيفتها الوحيدة توزيع العيدية بدلاً من أخذها، ومن الأمر الطبيعي أن يمر العيد من دون شراء ملابس جديدة، أو الذهاب إلى الملاهي، مضيفة: “اليوم يقتصر العيد عندنا على الزيارات القصيرة إن وجدت، فمنذ أن بلغت سن السابعة عشرة انتهى ما يسمى العيد من حياتي، ولم أعد أشعر بلذته، كذلك كانت لأم سعيد، “مدرّسة فلسفة”، رأيها في تغير مفهوم العيد بين الماضي والحاضر، حيث إن قنوات التواصل الحديثة الموجودة الآن لها دور في إعادة صياغة العلاقات الأسرية، فعادة زيارة الأهل والأقارب ومعايدتهم كانت تتم بصورة أجمل من الحاضر، ما أفقد العيد الكثير من البهجة والسعادة، وأصبح الاختلاف بين عيد الأمس وعيد اليوم واضحاً بشكل كبير.
 
فوارق عديدة
 
وفي وصف الفوارق بين العيد في الماضي والحاضر رأت الدكتورة هناء برقاوي أن الفوارق تظهر لنا بشكل كبير، فاليوم اندثرت كل معالم فرحة العيد، وفي السابق كان الناس ينتظرونه بفارغ الصبر، وبلهفة الشوق التي ترتسم على وجوه الرجال والشباب والنساء والأطفال، ولكن لا يمكننا إلقاء اللوم على الجيل الحاضر، فكل عيد له بهجته بأصحابه ومكانهم، ولكل جيل رغباته الخاصة، وليس بالضرورة أن يكون الجيل القديم هو الأفضل أو العكس، فالحياة متغيرة، مشيرة إلى أنه من الممكن أن تنضم الأجيال القديمة إلى الحديثة، ويصبح هناك تواصل للأجيال وليس انقطاعاً، ولكن من المهم أن يظل للعيد معنى ولو بشكل مختلف، مؤكدة على ضرورة أن يكون هناك تجديد دائم كي لا تصبح حياتنا روتينية مملة، ناهيك عن أن المقارنة بين الماضي والحاضر هي “مقارنة تعسفية”، فالثقافة مستمرة، ومعانيها مستمرة أيضاً، وأواصر التكافل الاجتماعي والتواصل الأسري كانت قوية جداً، يسودها الحب والوئام والمحبة وحب الخير للجميع، فتجد الجميع يسأل عن جيرانه وأقربائه وأصدقائه في أجواء تغمرها الألفة والوئام، على عكس ما هم عليه أبناؤنا في هذا الجيل نتيجة تغير ثقافتهم فغدوا فيه كالغرباء فيما بينهم، إذ أثقلتهم الحياة الحديثة عن بعضهم.
 
محمد محمود