السكبة في رمضان دعوة للتراحم وإشاعة البهجة تترافق مع النداء بفرحة الصائم

السكبة في رمضان دعوة للتراحم وإشاعة البهجة تترافق مع النداء بفرحة الصائم

شعوب وعادات

الثلاثاء، ١٤ مايو ٢٠١٩

ليس في الحياة أجمل من منظرِ ولدٍ يدق الباب على الجيران والفرحةُ تملأ قلبه، ويُفتح له الباب فيقول: مرحباً تفضلي، ماما بتسلم عليكِ وتقول لكِ ذوقي هذا الصحن من المقلوبة… أو يقول: ماما اشتهتكم بهذه الحلويات من صنع يدها.
وليس أزكى من رائحة صحن المقلوبة المليء بالأرز المطبوخ مع الباذنجان واللحم والسمن العربي والمزين بأنواع المكسرات كالجوز والصنوبر واللوز والفستق الحلبي وهو ينتقل من بيت إلى آخر في الحارة، أو ينزل ويصعد إلى طابق آخر في البناء.
إنها السكبة، ظاهرةٌ اجتماعيةٌ فريدة تدعو إلى التراحمِ والتلاحم وتشيعُ روح التعاونِ بين الجيران.
ظاهرةٌ تبثُّ المحبة وتُنشِئُ الأُلفة وتعلِّمُ الإيثار وتزرع الحنان… ظاهرة تؤكد أن الإنسان مفطور بطبيعته على الود والصفاء والتعاون.
في شهر رمضان غالباً ما تطبخ سيدة المنزل أكثر من طبخة واحدة… واحدة للبيت والثانية للتوزيع على الجيران، وما أن ترسلها حتى تسمع طرقاً على الباب إذ يعود الصحن الذي أرسلته مليئاً بوجبة من طبخة مختلفة… وما أجملها من مفاجأة ممتعة أن تجد لديها فجأة صحن ملوخية مثلا أو صحناً من أكلة المحاشي جاهزاً دون عناء.
ما أجملها من ظاهرة اجتماعية تدعو إلى التراحم والتوادد، وتشيع الفرح في النفوس، إذ ما إن يقترب موعد أذان المغرب في رمضان حتى نرى في الحارات أطفالاً صغاراً تعلو الابتسامة وجوههم، يحمل كلٌّ منهم صينية عليها آنية أو أوان من الطعام الفاخر ذي الروائح الزكية، والبخار يتصاعد منها.
على أن أجمل ما في هذه العادة أنها تستخدم لإنهاء الخلافات بين عائلتين تخاصمتا، إذ إن مجرد أن تقوم إحدى العائلتين بتقديم طبق حلوى للأخرى، فيكون هذا الطبق كفيلاً بإنهاء الخصام، وبالتالي فإنه يندر أن يستمر خلاف بين الناس ضمن الشهر الفضيل.
على أن الصائمين يجب أن يراعوا مشاعر بعضهم عند تقديم السكبة، فإذا كانت العائلة التي سيُقدَّم إليها الطعام من العائلات الفقيرة، فإن تقديم السكبة يجب أن يكون بشكل شبه سري قبيل آذان المغرب بدقائق قليلة.
ومما يذكر أن السكبة لا يشترط فيها أن تكون من أنواع الطعام الفاخر، بل على العكس ينبغي أن يتم تبادل السكبة المؤلفة من طعام بسيط جيد الصنع ورخيص الثمن، فهذا الذي يضفي البهجة على هذه العادة.
ألا ليتنا نحيي هذه العادة من جديد، لأنها تقوي الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ويغني النفس الإنسانية بأخلاق عالية وقيم رفيعة.
الوطن