قراءة الكـف والفنجان بيـن الحقيقة والوهـم... بائعـو الأمـل الزائف لفاقديـه..عابـرون للحاضـر ونافـذة صقيـع للمسـتقبل...

قراءة الكـف والفنجان بيـن الحقيقة والوهـم... بائعـو الأمـل الزائف لفاقديـه..عابـرون للحاضـر ونافـذة صقيـع للمسـتقبل...

شعوب وعادات

الجمعة، ١٩ أبريل ٢٠١٩

بقوافل تجارية على ظهر علوم زائفة من التبصير والتنجيم يدخلون بضاعتهم المطعمة بحلو الكلام وعلقمه، موادها الأولية قاتلة لمن يدمن عليها ويشتريها، تقدم بالمجان حينا لمن يهوى التسلية ويمتلك الوقت، وبحرية ولا مبالاة يهدره.
 
ولكن بمكان آخر وبأيد أكثر ذكاء يحولون حاجة الآخر بكلمة تفاؤل إلى دولار وقسم كبير يجمع بين التسلية وجني المال من جيوب عامرة به، وغالبية من تدفع بدل لقمة عيشهم، لقمة لا تسد الرمق.
هو عالم مخيف من الغيبيات وقد وضع خطا وهميا ضمن الحياة الإنسانية ليقسمها إلى عالمين، عالم يبدو طبيعيا متوازنا يعيش حياته اليومية بهدوء، وعالم غامض غير مرئي يسقط الأكثرية تقريبا فيه، متوجهين نحو العفن الذي يرفضه العقل والمنطق.
تساهم وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة للأسف بشكل كبير بانتشاره والترويج له، ونتائجه خطيرة إزاء تسطح العقول وجرها إلى الهاوية.
 
 
هل يمنحون الأمل أم يمنعونه؟
هي مظاهر وممارسات تفشت بالمجتمع بشكل لافت ومخيف، قديمة قدم الإنسانية، فالتسجيلات الأولى لعلم التنجيم تعود إلى الفترة ما بين 4000 و5000 سنة في الحضارات القديمة، وحديثة أصابها التطور والتكنولوجيا وممتدة إلى المستقبل.
هو عالم الغيب الذي يحتاجه الإنسان ليحرر نفسه من المسؤولية المرتبطة بعالم الواقع، وطريقة لتفريغ مشاعر الغضب وخيبة الأمل في ظروف سيئة وقاسية يعيش بها.. عبر تقنيات التنجيم الذي يعتبر من العلوم الزائفة بما يسمى علم الأبراج، وقراءة الفنجان، والكف وورق التاروت، والتنويم المغناطيسي، وضرب الودع، والرمل، وعلم الأرقام، ولغة الجسد، والسحر والشعوذة.
هنا نطرح ظاهرة الاهتمام بعلم التنجيم «الأبراج» وقراءة الفنجان والكف التي تنتشر بين أغلبية أفراد مجتمعنا، بل المجتمعات الإنسانية بشكل عام.. فكيف حال تلك «البضاعة» في مجتمعنا وما الحال بين البائع والشاري؟.
 
بائعو الأمل الكاذب «عبر وسائل التواصل الاجتماعي»
• السيدة عفراء 50 عاما متعلمة وسيدة منزل حدثتنا عن تجربتها بالعمل في مجال التبصير عبر قراءة الأبراج عن بعد، وقراءة صورة فنجان القهوة قائلة: بدأت بقراءة الفنجان والكف، بهدف التسلية، أقرأ لكل صديقاتي وضيوفي في المنزل، وبالمصادفة علمت أن هناك تطبيقات عبر الإنترنت تطلب موظفين وموظفات يبصرون وينجمون بالفنجان والأبراج.. طبعا مكان العمل أو الشركة غير معروف، ومن المؤكد أنه بإحدى الدول المجاورة، وكل ما أعرفه رقم هاتف دفعني فضولي بالبداية للاتصال بهم، ومن ثم تقدمت بطلب للعمل، فتمت الموافقة شرط وضعي مدة أسبوع تحت الاختبار، أتلقى اتصالات مسجلة عبر «واتس اب» على موبايلي، أرد على المتصل المجهول وأقرأ برجه أو صورة فنجانه التي يرسلها لي.. وبعد الأسبوع نفس المتصلين يضعون تقييما لعملي ومدى رضاهم عنه.
نجحت بأن أصبح موظفة وكل يوم يردني عدة اتصالات وأرد عليها صوتيا، وأتلقى أجري المالي عبر حساب مصرفي لا أعرف بشكل شخصي المديرين أو المشرفين على عملي، يسجلون ملاحظاتهم وإرشاداتهم، وشروط محددة التزم بها، وأتقاضى مقابل ذلك أجرا ماديا يصل 2 بالمئة من المبلغ الذي يدفعه الزبون المتصل، والمتصلون من كافة أرجاء الوطن العربي وبلهجات مختلفة، لكن الأغلبية من دول الخليج والاثرياء منهم، حيث قصصهم مرعبة ومقرفة ولا أخلاقية.. وهكذا تدرجت بالعمل والآن أصبحت قادرة على الاستماع إلى قصصهم وحل مشاكلهم، وتربطني بالبعض منهم علاقات مودة وثقة كبيرة «خارج إطار الفنجان والأبراج»، طبعا ممنوع التعامل مع أي منهم خارج التطبيق، والمشرفون يسمعون ويعلمون بكل شيء، والتعامل «ع الخاص» يفقدني عملي فورا.. تقول السيدة عفراء أبيعهم الأمل والكلمات التي ترضيهم وتزيد من إرادتهم، مع الوقت أصبحت متمرسة في عملي، وهو باب رزق لي وباب أمل لهم، فما الضرر والشركة هي المستفيد الأكبر من ذلك, فمن 100 دولار يصلني 2-3 دولارات فقط.. فمن المحتال والمسيء أنا أم هم؟.
 
«إذا كررت الكذب بما فيه الكفاية فسوف يصدقك الناس»
• هدى فتاة ذكية جميلة عمرها 36 عاما دراستها معهد متوسط، تتحدث عن تجربتها فتقول: أعمل موظفة وأقبض مرتبا شهريا بالدولار في أحد الفنادق خارج سورية، عملي التبصير والتنجيم للنزلاء، والزوار ممن يريد ذلك، يعادل دخلي اليومي أحيانا معاش شهر في وظيفة حكومية عادية، زبائني أناس متخمون من كثرة المال، وقلة الحظ بالحياة الاجتماعية، هم يخافون الفشل وخسارة ما حققوه، وآخرون مرهقون نفسيا، كل ما أقرأه لهم بالفنجان والكف والرمل يصدقونه، تدربت على قراءة أفكارهم وتعابير وجوههم، وبدأت أصدق نفسي وأعجب بإتقاني لعملي، زبائني من الوسط الفني أحيانا، ورجال أعمال وتجار، وسيدات طبقات مخملية، وأحيانا يسألونني عن صفقات بملايين الدولارات عما إذا كانوا يقومون بها أو لا، أناس غريبو الأطوار، شهادات ومال ورفاهية ويغرقون بعالم الغيب ويؤمنون به، وما أقوم به مجرد عمل.. عمل فقط.
• بدأت السيدة لميس ربة منزل العمر 55 عاما متعلمة بقراءة الفنجان بهدف التسلية فقط، تقول طوال حياتي أحب أن أقرأ فنجان القهوة لصديقاتي ومعارفي، هي جلسة تسلية يومية ومع الوقت ازددت شغفا وفضولا وبدأت أقرأ كتبا بعلم الأبراج في المكتبات وعبر الإنترنت وكل ما يساعدني على التمرس وزيادة قدراتي.. بالمصادفة زارتني سيدة غنية وقرأت لها بالفنجان وأعجبت وأذهلها ما قلته لها، أصرت على تقديم هدية مالية كبيرة وشجعتني أن أتابع وتكون باب رزق لي.. وأنا سيدة بلا عمل، أمام ضغط الحياة وغلاء المعيشة بدأت بالتبصير والتنجيم عبر قراءة الأبراج وتوقعاتها، لكنني أقدم للجميع حالة من السعادة والرضى والأمل بالمستقبل، فكلماتي ترفع معنوياتهم وأنني شددت من إرادتهم بقضبان حديد قوية، وسعادتهم بكلامي يسعدني وأشعر أني قدمت خيرا، لا شرا، ومن زبائني من تعيش ببحبوحة أو ثراء فاحش أحيانا، يقدمن لي أجرا يساعدني بحياتي، فأنا لاأضر أحدا.. بل أبيعهم أملا جميلا وتفاؤل.
من المشتري أو المرحب؟
 
للبائع «المبصر» رأيه.. فماذا عن المشتري صاحب الفنجان والكف؟
• الصحفي علي سليمان يقول فيما يتعلق بالتبصير والأبراج وغيرها من أشكال الادعاء بعلم الغيب، فهي تلاعب وخداع لفظي وبصري ونفسي، يستغل فضول الإنسان الدائم لمعرفة الغيب، ومع أنني لا أؤمن بها، لكن يجذبني الفضول لمعرفة ما تقوله الأبراج وغيرها، كما أنني لست متابعا يوميا، ولكن بالمصادفة هي رغبة لسماع أي جملة تعطي جرعة تفاؤل وطاقة إيجابية.
• السيدة فاطمة محمد العمر48 عاما حاصلة على التعليم الجامعي.. هي لا تصدق هؤلاء المشعوذين ولا تؤمن بالأبراج حسب قولها.. لتضيف ربما غيري يؤمن بها من باب الفضول ومعرفة المستقبل.. لأن علم الغيب لا يعلم به إلا الله أما ما يخص الماضي فهو معروف وليس بحاجة للتنبؤات.
• الطالب الجامعي محمد الحناوي 22 عاما فهو يتابع توقعات رأس السنة والأبراج وقراءة الفنجان ويعتبرها نوعا من الفكاهة التي تستدعي الضحك.. أما آنسة الفيزياء ميرفت قطان 26 عاما فتجدها خزعبلات وضحكا على العقول.
تجربة شخصية
• السيدة ثناء أحمد إجازة جامعية تقول عن تجربتها الشخصية مع هؤلاء المنجمين بأنهم كاذبون ولو صدقوا.. وتقول إن أحدهم توقع لي أن أتزوج من خارج بلدي سورية.. وأنني سأسافر معه.. والمنجم كان مغربيا، ولم يكن له أن سبق ورأني.. وآخر أخبرني أن فراقا سيتم بيني وبين زوجي «من دولة عربية»، ولم أصدقه حينها، وقد حصل فعلا طلاق مرتين وعدنا.. وأعتقد أن التنجيم وعلم الفلك مرتبطان بتاريخ ميلاد الإنسان وساعة ولادته، والأبراج والمجرات الكونية، وهذا مذكور في القرآن الكريم.
وتضيف ثناء كان لي تجربة ثالثة مع سيدة سمعت عنها بأنها تبصر ومشهود لها بصدق كلامها، حيث ذهبت إليها مع أحد زملائي في العمل ليعرف مستقبله مع الفتاة التي يحبها، وقالت له حرفيا هي ليست من نصيبك وسوف تتزوج بشخص آخر وتسافر خارج سورية وهذا ما حصل بالفعل لاحقا هي الآن في ألمانيا.
وتتابع ثناء أولادي في سن العشرين ولا فضول عندهم لمعرفة المستقبل ولا يحاولون الذهاب لأحد ليبصر لهم وبرأيهم هؤلاء المبصرون والمنجمون كاذبون، هم يخدعون الناس بغية جني المال.. أما زوجي فرأيه أن هذا حرام ويستند على أحاديث الرسول محمد عليه الصلاة والسلام والقرآن الكريم.. ويعترف أحيانا بصدق توقعات المنجمين.
• السيدة نور متعلمة العمر 30 عاما لم أكن أؤمن بالتبصير ولكن بالمصادفة قرأت سيدة لي فنجاني وهي لا تعرفني وكل ما قالته لي صحيح، فقد أصابني الذهول وبدأت أغير قناعاتي، فربما هؤلاء فعلا يمتلكون قدرات خارقة، أما بالنسبة للأبراج فالبرج الذي يعجبني ويسعدني اعتمده, في كل مرة يتسنى لي الوقت بالاطلاع على الأبراج في الجريدة أو التلفاز أفعل وهي مصادفة وليست عادة دائمة.
• السيد طلال تاجر ألبسة العمر48 عاما يروي ما حصل معه في أحد الأيام فيقول: دخلت سيدة المحل للشراء وجلست تحدق بي، وسألتني هل تحب أن أقرأ لك الكف، بالحقيقة أن لا أؤمن بأن البعض له قدرات ومعرفة طالعي في خطوط الكف.. وافقت وقدمت لي معلومات دقيقة عن شخص وما أمر به من قلق وكانت صادقة «وهنا ازدادت قناعتي» بالتبصير والتنجيم.
• ناهد طالبة جامعية العمر 20 عاما قالت: إذا أردت أن أفكر بعقلي فقط فأنا أعرف أن كل ذلك خزعبلات، ولكن أتمنى معرفة ما يقوله برجي، وفي أي جلسة ومناسبة أتمنى أن أعرف ما يحمله لي الفنجان من معلومات مستقبلية خصوصا إذا كانت إيجابية فهذا شيء يسعدني.
• السيدة ليلى 37 عاما ربة منزل تقول: أؤمن بالحسد والعين فهي مذكورة بالقرآن، ولأنها أمور حصلت معي فعلا، ومن باب التسلية أقرأ الأبراج واستمع لهؤلاء ممن يظهرون على شاشة التلفاز بالمصادفة ولا أتابعهم بشكل خاص.
من خلال استطلاع عدد من الآراء ومن مختلف الشرائح، وجدت ما يدعو للتفاؤل فعلا، فأغلبية الأعمار تحت سن العشرين لا يؤمنون بالتنجيم والتبصير ولا يهتمون ولا يصدقون أولئك المدعين.
يدخل الناس لعالم الخرافة من باب التسلية ولكنهم يقعون في فخ التصديق، وقد يصلون حد الإدمان.. يدفع فضول الإنسان وحب معرفة ما تخبئه الأيام في المستقبل، والفراغ الروحي أحيانا، وكثر الأعباء المعيشية إلى الهروب نحو التبصير والتنجيم.
لقد اتُفق علميا أن ما يسمى علم التنجيم هو من العلوم الزائفة التي يمكن أن ندحضها بالعلوم الحقيقية والموضوعية وأيضا بالمنطق العلمي وبالعلم.. وهنا نطرح في حوارنا مع الدكتورة آداب إبراهيم عبد الهادي الاختصاصية بالصحة النفسية عن دور التنشئة الاجتماعية في انتشار ظاهرة التنجيم والتبصير.
• دكتورة ما دور البيئة والتنشئة الاجتماعية في انتشار ظاهرة التبصير والتنجيم وقراءة الفنجان وغيرها؟.
•• عندما تتم تنشئة الأبناء على الخرافة والجهل، وعندما تؤمن الأم أو الأب بالعفاريت والجن، وعندما يتغلب الجهل والتخلف على العلم لا بد من أن يكبر الأبناء وهم مقتنعون قناعة تامة ويؤمنون بهذه الخزعبلات، فبيئة الإنسان منذ نشأته الأولى هي المسؤولة مسؤولية تامة عن انتشار هذه الظاهرة وتصديقها والإيمان بها.
• كيف يؤمن المثقف بالتبصير والتنجيم ويلجأ إليه ولماذا؟.
•• المثقف الحقيقي لا يؤمن بالتبصير ولا يلجأ إليه، ومن يلجأ إلى التبصير والتنجيم فهو يكشف حقيقته الهشة وادعاءاته الكاذبة بالثقافة، وبالتالي فالأشخاص الذين تراهم مثقفين ويلجؤون إلى هذه الأشياء هم في الحقيقة محبطون ويائسون وفاشلون, وبالتالي يبحثون من خلال هذه الوسائل على حل مشاكلهم، وتلبية لرغباتهم التي فشلوا عمليا في إيجاد حلول لها بالعقل والعلم والمنطق، وهذا دليل على أنهم فاشلون.
• هل يصلح التأهيل ما غرسه الدهر بهؤلاء مم تربوا وامتهنوا الخرافات والشعوذة.
•• بالنسبة للعملين في هذا المجال ويمارسون الشعوذة والتنجيم والذين اعتادوا على الكسب المادي من خلال هذه التجارة القائمة على الاحتيال والنصب، فإن التأهيل النفسي لن يفيدهم، ولاسيما إذا مضت سنوات طويلة على امتهانهم هذه الممارسات، والحل هو أن تتبنى الدولة مكافحتهم كما تتم مكافحة الاتجار بالمخدرات لأنهم يهدمون البشر ويتلاعبون بعقولهم وبالتالي يهدمون الدولة والمجتمع.
وبالنسبة لزبائن هؤلاء من ضعاف النفوس وقليلي الإيمان يجب أن يخضعوا لعلاج نفسي سلوكي، ويتم تأهيلهم من خلال إعادة برمجتهم، والأهم من كل ذلك مساعدتهم في حل مشاكلهم وتخليصهم من القلق الذي يسيطر على حياتهم ويدفعهم للجوء إلى التنجيم والتبصير وقراءة الكف للبحث عن باب فرج وفرصة أمل تخلصهم من قلقهم وإحباطهم ويأسهم.
• هل ساهمت ظروف الحرب بانتشار هذه الممارسات وبالتالي تصديق الناس لهم والتعامل بشكل أكبر مع تلك الفئة من تجار الوهم؟.
•• ظروف الحرب والانفتاح الإعلامي وكثرة الوسائل الإعلامية التي تروج للتنجيم من أهم الأسباب التي ساعدت في انتشار هذه الظاهرة، والظواهر التي تعتمد على الخرافة والتلاعب بمصائر الناس، وكانت الحرب بيئة مناسبة للبحث عن مخرج للأزمات النفسية والاقتصادية ولحالات العجز التي بات يشعر الناس حيالها من الخوف والرعب والقلق من المستقبل، وظروف الحرب القاسية التي جعلت الناس تقف عاجزة لا تعرف مصيرها أو تريد البحث عن طاقة أمل، كل هذا ساعد في انتشار هذه الظاهرة كما أن طول فترة الحرب أفرزت جيلا من الآميين والجاهلين يؤمنون بهذه الخرافات.
• هل عدم الرضا عن الحاضر أم الخوف على المستقبل أم مجرد فضول يدفع البعض للاعتقاد بهؤلاء التجار المزيفين.
•• كل ذلك وما ذكرت سابقا القلق هو الدافع الأساس بذلك، القلق من الحاضر ومن المستقبل، وحالة العجز حتى الفضوليون الذين يتابعون هذه الأمور، هناك عجز في أعماقهم وقلق، يتسترون تحت عنوان الفضول يبحثون عن حلول لقضاياهم ومشاكلهم بدلا من اللجوء إلى العلم والحلول المنطقية، إلا أن وسائل الإعلام بكافة صنوفها هي المسؤولة أولا عن ترويجها لهذه الظاهرة وللمنجمين تحت عناوين شتى.
• هل يتحول الإنسان الذي يلجأ إلى هؤلاء المبصرين والمنجمين من التسلية ليقع بالإدمان وهل يمكن الشفاء من هذا النوع من الإدمان المرضي؟.
•• نعم يمكن أن تتحول التسلية إلى عادة، كما أن هناك الكثير من العادات والسلوكيات يدمنها صاحبها لأنها تشكل له سعادة وفرحا، وبالتالي يزداد إفراز هرمون السعادة بالجسم «الدوبامين» فيصبح الإنسان أسيرا لهذه العادة أي مدمنا عليها بغض النظر عن كونها إيجابية أو سلبية.
ولكن يمكن الشفاء من هذا الإدمان إذا خضع المدمن لبرنامج علاجي سلوكي لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر لأن مثل هذه العادات ولو أنها تترك أثرا من السعادة في نفس مدمنها إلا أنه بعد فترة من الوقت والاسترخاء يشعر دماغه بالندم فيتمنى أن يتخلص من هذه العادة إلا أنه يكابر على نفسه ويحاول إقناعها بأنه على صواب ومن هنا يبدأ العلاج.
التنجيم والتبصير في القانون السوري
«كذب المنجمون ولو صدقوا».. وباعتبار أن هؤلاء وصل بهم الحال والغرور لأن يحددوا زمنا لنهاية العالم، والتدخل بحركة الطبيعة من براكين وزلازل، والتوقع بحدوث الحروب.. إضافة إلى حالات النصب والاحتيال.. كان لابد من كلمة فيصل للقانون.. ووجوب تدخله لقمعهم وردعهم.. فهل قانون العقوبات السوري يشكل رادعا لهم..
الأستاذ المحامي موسى العلي قال: جاء في المادة 754 من قانون العقوبات السوري عدة نقاط هي:
1- يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة 25 إلى 100 ليرة من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب والتنويم المغناطيس وكل ماله علاقة بعلم الغيب، وتصادر الألبسة والعدد المستعملة.
2- يعاقب المكرر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى مئة ليرة ويمكن إبعاده إذا كان أجنبيا.
ويرى الأستاذ موسى يجب تعديل هذه المادة بما يتناسب وارتكابات اليوم، فقد تصل هذه الجرائم إلى درجة السرقة الموصوفة وإلى حد الجناية.
يبقى الصراع بين العلم والغيبيات قائما.. والواقع يقول إن الإنسان لن يتخلى عنها طالما في الأرض الظلم والحروب والموت، وسيقابل المنطق بالرفض، ذلك المنطق المبني على الأساس العلمي الذي يقول إن ارتباط التنجيم بجذوره الأولى بعلم الفلك، وهذا لا يحتم الخلط بينهما.. فعلم الفلك يشرح موقع النجوم في السماء ولكنه لا يربط مواقعها بحياتنا الشخصية.
فالتنجيم يقوم على الفكرة القائلة بوجود تأثير الأجرام السماوية والكواكب على أحداث الأرض.. ولكنه لا يعتمد على الأدلة والمنطق.
وعن العلاقة بين علم الفلك وما يسمى علم التنجيم تحاورنا مع الأستاذ المهندس فايز فوق العادة مؤسس الجمعية الكونية السورية ورئيسها منذ عام 1980.
• هل التنجيم علم أم خرافة أم هو نوع من أنواع فنون علم الفلك؟.
•• هو حتما ليس علما.. هو خرافة احترافية ينجح بها المتلاعبون، وكما قال نيوتن: الحسم النهائي للتحكيم العقلي، وباعتبار الحياة هي المشاعر فالنبوءة أمر أساسي، ولكن نيوتن مؤسس العلم يقول يجب أن تكون النبوءة معللة بالعلم دائما.
تاريخيا كان يسمى علم النجوم.. اليوم ليس له أي علاقة بأي علم وتحديدا علم الفلك.. فإذا فكرنا بالعقل والحجة العلمية فإن بعض النجوم هي أكبر من الشمس، ولكن لبعدها يصل لنا إضاءة خافتة جدا، فأي ثر يمكن أن تؤثر في البشر، وما الذي يصلنا منها ليكون له هذا التأثير الكبير على حياتنا ومصيرنا كبشر.
• هل فعلا كما يدعي البعض أن هذا علم يدرس فهل يحتاج حقا للدراسة؟.
•• حسب علمي هناك مؤسسات في الغرب تدرس الخرافات وهدفها نشر المخرفين حول العالم لنشر الجهل في العالم، وأغلبها موجود في الولايات المتحدة الأميركية أكثر من بقية الدول الأجنبية، وهدفها السيطرة على العالم بالخرافات.
• ما رأيك إذا بظاهرة جعل هؤلاء مقبولين وفرضهم عبر وسائل الإعلام على الناس والأسرة والترويج لهم؟.
•• برأيي أن سبب الترويج لهم في وسائل الإعلام هو نوع من الرضوخ لمشاعر الناس»مسايرة مشاعرهم» ولكن في أغلب الأحيان تبدأ قضية شعورية وتنتهي إلى إدمان.. فهل يمكن أن يكون عدد سكان الكرة الأرضية 7,53 مليارات حسب إحصائية 2017 إذا قسمناهم على 12 برجا يمكن أن يكون 600 بالمئة لهم الطالع نفسه.
والصحيح في قراءة الكف والأبراج والفنجان هي وسائط لقراءة أفكار الشخص المعني وليس لقراءة ما بين يديه، فهو يقرأ أفكارا وليس فنجانا أو كفا.. وقد أثبت العلم وجود علم التخاطر، وبأن هناك بعض الأشخاص لهم القدرة على قراءة الأفكار، وفي الفيزياء «التخاطر» هو نوع من الطنين بين منظومتين عصبيتين مختلفتين، والمسؤول عن هذه الظاهرة الغدة الصنوبرية.
• إذا هل يمكن القضاء على هذه الممارسات التي أصبحت ظواهر تطغى على مجتمعنا؟.
•• حسب داروين لا يمكن حصول ذلك إلا بالانتقال المتدرج والطبيعي وإذا انتهت هذه الممارسات فسيتحول المجتمع بالكامل لمجتمع علماني صرف.
ولكن بسبب المجتمع المتخلف نجد هذه الحالات وخصوصا بالحرب قد ازدادت بسبب الظروف والقهر وقسوة الحياة أياما وبعد الحروب.
•هل فعلا قراءة الأفكار حقيقة ومثبة علميا؟.
•• قراءة الأفكار موجودة في البحوث السرية وتستخدمها الاستخبارات العالمية وهذا لم يعد سرا.. والتخاطر والظواهر القريبة من التخاطر هي ظواهر موجودة ولكنها لم توضع على البحث العلمي العلني، ولكن هناك أبحاث سرية تجري وقد اُثبتت.
ختاماً
«كذب المنجمون ولو صدقوا» والتنجيم كفر أكبر يخالف جوهر الإيمان.. كلام متفق عليه في الديانة الإسلامية والمسيحية.. ومع ضعف الإيمان ينتشر التنجيم، نتيجة لفقدان الطمأنينة في أرواح البعض يدفعهم للبحث عنه في خارجها. فالتنجيم مجرد وسيلة للهروب من الواقع.. واقع بائس مثقل بالهموم والانكسارات، لكن مع الإدمان عليه يتحول إلى كارثة تفوق سوء الواقع المرير.. وهو وإن انتشر يبقى علما زائفا بعيدا عن المنطق.. يقتات على الضحايا النفسيين للحروب والأزمات، ويغرر بمحتاج لبقعة ضوء في سرداب حياته المظلم، ويجمل مستقبل يائس بحلو الكلام.. دون معرفة الأسباب أو المغريات التي تدفع برئيس مثل رئيس فرنسي سابق أن يشارك ساحرة ومنجمة حياته لتسير له شؤون عامة وسياسة دولة بكاملها؟؟!!.
وإذا كانت برامج الأبراج والتنجيم هي رضوخ لمشاعر الناس والتي هي طريق للإيمان بالسحر والشعوذة.. فيجب أن يقابلها برامج توعية تحذر من خطورة هذا الإيمان الكاذب بل وعلينا تأهيل عقول الأشخاص الذين يمتهنون الخرافات أيا كان السبب.
صبا أحمد يوسف