الأولاد والـ«Online»... رسائل مبطّنة تقودهم الى الإنتحار

الأولاد والـ«Online»... رسائل مبطّنة تقودهم الى الإنتحار

شعوب وعادات

السبت، ٩ مارس ٢٠١٩

بعد أن ضجّت المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، بدمية «مومو» المُرعبة، ارتاح البعض بعد أن شاع إعلان تدميرها. ولكن ماذا عن الصحة النفسية للأطفال الذين وقعوا ضحيّتها؟ وما هو تأثير «البدع» الأخرى التي يتعرّض لها أطفالكم «Online» دون معرفتكم؟
الموضوع جدّي، اكثر مما يظن البعض، ولا ينتهي بمجرد تدمير اللعبة او الدمية او الفيديو، لأن الآثار الجانبية لهذه الامور تدخل في العقل الباطني لطفلكم او حتّى للمراهق وتؤثر في اللاوعي لديه، ما يساهم في خلق مجتمع سيّئ، ناهيك عن السلوكيات العنيفة التي تؤذي الغير، والشخص نفسه وتسبّب في موته.
نعم، نحن لا نبالغ عندما نقول «الموت» لأن «استلشاء» الاهل بالتكنولوجيا وعدم تفعيل رقابتهم على العاب ومشاهدات اولادهم، قد يوصلهم الى الاكتئاب والانتحار وبالتالي الموت، وقد سُجلت عالمياً حالات كثيرة تصبّ في هذا الصدد.
وبما أنّه من المهم نشر الوعي بين الاهل، لفهم أنّ دورهم اساسي واساسي جدّاً في هذا الموضوع، حاورت «الجمهورية» الاختصاصية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية الدكتور كارول سعادة التي اشارت الى أنّ «هذه الالعاب ليست جديدة، بل هي موجودة منذ الـ1950، ولكنّها اجتاحت العالم مع ظهور الانترنت، وازدادت وتيرتها في الفترة الاخيرة، بسب الاستعمال المفرط للتكنولوجيا بالنسبة لجميع الفئات العمرية. يرتكز هذا النوع من الالعاب على التحدي وتصوير الحدث ونشره على مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة. ونقصد، بالتحدي: تحدي الخنق بهدف خلق نقص في اوكسيجين الدماغ والوصول الى الغيبوبة، أو بهدف أذيّة الآخر وحتّى أذيّة النفس».
الرعب والانتحار
«مومو»، «الحوت الأزرق»، وغيرهما من البدع غير المعلنة او غير المكتشفة، تمكنت من خرق «فايسبوك» و«يوتيوب» وحتّى «واتساب» لتحقيق هدفها. فما هي المضاعفات التي تسببها هذه الامور في نفسية وسلوكيات الاطفال؟
تجيب د. سعادة «يختلف ذلك، بحسب عمر الشخص؛ فهي تزرع في الاطفال حالات من الرعب والخوف، وتمنعهم من التحرك بمفردهم في المنزل، والنوم ليلاً. أمّا بالنسبة للمراهقين فهي اخطر لأنها تؤثر بشكل مباشر على سلوكياتهم. ورغم توقيف بعض من هذه اللعب المدمرة، واخيرها كانت لعبة مومو، الّا أنّ البعض كان قد اشار الى أنها ما زالت موجودة وخبر تدميرها كاذب، فهذا لا يعني وكأنّ شيئاً لم يكن، فولدكم قد شاهد ما شاهده، وشكّل هذا له هواجس من الخوف والقلق والرعب وأثرّ في نفسيّته، ما يفسر السلوكيات العنيفة التي يمارسها «الضحايا» هؤلاء، بحق غيرهم او أنفسهم لا سيما عندما تأمرهم اللعبة مثلاً بأذيّة أنفسهم بالسكين، وصولاً الى الانتحار».
رسائل باطنية
سجّل لبنان الكثير من حالات الخوف والقلق حديثاً، وبحسب د. سعادة «لاحظنا في الفترة الاخيرة تراجعاً ملحوظاً على المستوى النفسي، والعلمي عند الطفل. ويهمني أن اوضح أنّ تراكم المضاعفات على المدى الطويل والتأثير الواضح على شخصية الطفل، بالاضافة للخوف والرعب، يخلق عنده نزعة الى التدمير والعنف، حيث يمكن تأكيد هذا الموضوع نسبةً لما نراه في المدارس بين التلاميذ من تحريض وتنمّر وتخويف وتعنيف.
كذلك، كل الرسائل الباطنية الموجودة في هذه الالعاب، تدخل في لاوعي الطفل وعقله الباطني، وتجعله يتصرف بشكل عنيف حاضراً ومستقبلاً، وبالتالي نحن نتّجه للاسف نحو مجتمع مكوناته متأثرة بشكل سلبي.
من جهة اخرى، إنّ الحاجة للعلاج امر ضروري لمساعدة الطفل في التعبير عن خوفه وقلقه، كذلك بالنسبة للمراهق الذي يساعده الاختصاصي في البوح عن مشكلته لا سيما انّ الرسائل التي يتلقاها بواسطة هذه الالعاب الالكترونية، تجعله كتوماً وتهدده بالقتل والأذيّة اذا تكلم عن هواجسه، وبالتالي يعيش المراهق بظلام مدمر وبصراع مع نفسه وانطوائية سوداء توصله الى الكآبة وبالتالي الانتحار. ويرتكز العلاج على جعل «الضحية» تعبّر عن نفسها، وجعلها تفهم أنّ ما تعرّضت له مجرد لعبة».
إحموا أولادكم
لا يقتصر الامر فقط، على هذه الالعاب، فهل تعلمون أنّ اطفالكم يتعرضون خلال مشاهدتهم للفيديوهات التثقيفية، الى الكثير من المشاهد التي تسوق للدمار، والافراط بتناول الحلوى والسلوك السيّئ وعدم طاعة الاهل.
في هذا السياق، توضح د. سعادة «أتوجّه للأهل، لافسر لهم انه لا يمكنكم ضبط الرسائل الباطنية حتى من خلال جعل طفلكم يشاهد «YouTube Kids».
لذلك، تبدأ الوقاية مع توعية الاهل، وتفعيل رقابتهم على كل ما يشاهده طفلهم. وفي الاساس، لا يجب تعريض الاطفال تحت الـ3 سنوات الى التكنولوجيا، وحتى فوق هذا العمر يجب ان تكون مدّة الاستعمال قصيرة جدّاً، شرط مرافقة الاهل لهم، والانتباه الى ادق التفاصيل وحتى لو كان الفيديو تثقيفيّاً، لحماية الاولاد من التداعيات السلبية على حاضرهم ومستقبلهم».