العطلة الانتصافية  برامج لاستثمارها في الدراسة.. وتوظيف أيامها لإعادة تفعيل الطاقات بالشكل السليم

العطلة الانتصافية برامج لاستثمارها في الدراسة.. وتوظيف أيامها لإعادة تفعيل الطاقات بالشكل السليم

شعوب وعادات

الجمعة، ٢١ ديسمبر ٢٠١٨

ينتظر الطلاب العطلة الانتصافية بفارغ الصبر، ورغم قصر مدتها، إلا أنها تعتبر فترة راحة بعد دوام مدرسي لعدة أشهر، بما تضمنته من واجبات مدرسية، و”تسميعات”، ومذاكرات، ولكي تكون العطلة مجدية وتؤتي ثمارها للأهل والطلاب معاً، لابد من استثمارها بالشكل الأمثل بما يعود بالمنفعة المشتركة، وليتهيأ الطلاب لفصل دراسي جديد وطويل بكل نشاط وحيوية واندفاع، ولتحقيق ذلك كيف يتم استثمار العطلة؟ وما دور الأهل في ذلك؟.
آراء متباينة
تباينت الآراء في كيفية تمضية العطلة الانتصافية، إن كان من الأبناء، أو الأهل، ريم وحنين وهبة، طالبات الصف التاسع، اتفقن على تمضية العطلة سوياً، ووجدن في تنظيم الوقت أفضل نتيجة، وبمساعدة الأهل “الذين لا غنى عنهم”، /حسب تعبيرهن/، بين مراجعة الدروس الأصعب خلال الفصل الدراسي الأول، وتمضية الوقت في زيارات خاصة، إضافة إلى مشاهدة التلفاز مع الأسرة، في حين يرى الطالب هادي في الصف الخامس أن وقت العطلة يجب أن يكون للاسترخاء الكامل بعد عناء أشهر من الدراسة، بينما يؤكد وعد، طالب البكالوريا العلمي، أن العطلة يجب أن تجمع الراحة مع متابعة الدروس، والوقوف على نقاط الضعف، ومراجعتها لتلافيها.
تتابع صفاء/أم مهند/ العطلة الانتصافية مع أبنائها الأربعة، فهي ملازمة لدراستهم وعطلتهم أيضاً، وتقول: أمتع أطفالي بالعطلة بشكل كامل، ولا أفرض عليهم الدراسة خلالها، بينما تخالف حنين ما ذكرته صفاء، فالعطلة، حسب تعبيرها، يجب أن يركز فيها الطالب المتوسط، ولاسيما في الشهادات، على دروسه، لأن الفصل الثاني امتداد للأول، على أن تتخلل فترات الدراسة استراحة، وقضاء الأوقات التي يرغب الأبناء بتمضيتها كيفما شاؤوا.
وجهات نظر
تأتي العطلة الانتصافية في فصل الشتاء، حيث تكون غالبية النشاطات وأوقات الفراغ داخلية، وعلى الأغلب داخل المنزل، ما يجعل الأهل أمام مشكلة تنظيم أوقات أبنائهم خلال مدة زمنية قصيرة حوالي عشرة أيام على الأكثر، تتوزع أنشطتها ما بين الترفيه والتعليم، حسب الدكتور بسام الصافتلي، كلية التربية، مضيفاً: هنا تتعدد وجهات نظر الأهل حول الاستفادة من هذه العطلة، فمنهم من يعدها فترة استراحة بعد الامتحانات النصفية، ومنهم من يعدها فترة هامة لترميم النقص في مستوى أبنائهم الدراسي، وآخرون يرونها فترة يجب أن تكون متنوعة بين الأنشطة الترفيهية والتعليمية، وقد تعود تلك الاختلافات في وجهات النظر لعدة أسباب، منها: (مستوى الطلاب التعليمي، مستوى الأهل الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، والعلمي)، حيث نرى أن آباء الطلاب في المرحلة الإعدادية والثانوية يركزون بحزم وصرامة على الجانب التعليمي أكثر من الجانب الترفيهي والاجتماعي، على العكس تماماً من الطلاب في المراحل التعليمية السابقة الذين يولي آباؤهم اهتماماً أكبر بالجانب الترفيهي والاجتماعي.
تنظيم الوقت
وأردف الدكتور الصافتلي: يمكننا أن ننظر إلى أهمية العطلة الانتصافية بالنسبة للطلاب والأهل على حد سواء من عدة جوانب، فمن الجانب التعليمي، تعد بمثابة تغذية راجعة لمستوى الطلاب التحصيلي، والعمل على تقويمه، وتحسين جودته قدر الإمكان قبل بدء الفصل الدراسي الثاني من خلال دروس التقوية داخل المنزل، أو الدورات التعليمية في المعاهد المتخصصة، بينما يعد الجانب الترفيهي بمثابة فترة ذهبية لراحة النفس والجسد بعد عناء فصل دراسي كامل في التعليم، والتعلّم، والمتابعة المستمرة داخل المدرسة وخارجها من خلال ممارسة الألعاب والأنشطة الترفيهية المتنوعة، والجانب الاجتماعي بمثابة فرصة مناسبة لتبادل الزيارات بين الأصدقاء والأهل والأقارب، وتقوية الروابط الاجتماعية، وتمتين صلة الرحم، وما لذلك من أثر كبير، ودلالة رمزية في نفسية الآباء والأبناء.
ويرى د. الصافتلي أن تنظيم وقت الطلاب في هذه الفترة والاستفادة منها بصورة إيجابية وبناءة يكمن في وضع الأهل برنامجاً متنوعاً يراعي الجوانب الثلاثة السابقة، ما ينعكس إيجابياً على الطلاب نفسياً وعقلياً واجتماعياً، ويحضرهم لاستقبال الفصل الدراسي الثاني بحيوية ونشاط وفاعلية.
منظور إيجابي
بدورها رأت ثناء سليمان، منسق الدعم النفسي في مديرية التربية بطرطوس، أن الإجازات الفصلية القصيرة، والعطل الدراسية الطويلة، هي الراحة بعد العناء، وهي المكافأة بعد جهود الدراسة والمثابرة، كما بيّنت أن إجازة الطالب حلقة من حلقات البناء والتطوير والتغيير والتحسين للأفضل، والطالب الذي يريد أن يكون الأفضل والأحسن، ويضع بصمة في مسيرته نحو التميز في حياته العلمية، ثم المهنية التي تنتظره، عليه أن يفكر في الإجازة بمنظور إيجابي بحت لاكتساب المهارات، أو تغذية قدراته الذهنية، أو التعرف على موضوعات تضيف إلى ذاته، أو زيارة بعض الأماكن، أو غيرها من الأنشطة التي تترك بصمة معرفية وحياتية يحتاجها الطالب لإحداث التوازن المطلوب في حياته.
ثلاثية النجاح
ولفتت سليمان إلى أن عدداً من الطلبة والطالبات يفكرون بأن الإجازة هي الابتعاد عن كل ما هو معرفي وعلمي، لكن مفهوم الإجازة الحقيقي هو عبارة عن محطة للمواهب والفنون من حيث تقويتها، وتعزيزها، وصقلها، واكتسابها، وبهذا تكون العطلة الدراسية هي واحة للنماء، واستراحة للطالب لكي يعود بعدها لمواصلة الحياة بروح متجددة، وطاقة إيجابية اكتسبها مما فعله، لأن ثلاثية النجاح للطالب هي أن يفعل ما يحب، ويحب ما يفعل، ويستمتع بما يحب.
فوائد وإيجابيات
عدّد المختصون الفوائد والإيجابيات للعطلة الدراسية، من بينها حصول الطلاب على فرصة لتجديد نشاطهم الذهني والنفسي، وراحتهم الجسدية، كما تمنحهم الفرصة لعلاج العقبات والصعوبات والنواقص التي واجهوها خلال العام الدراسي، مع الاستعداد لعام دراسي جديد، كذلك ثقافة استثمار الوقت، حيث إن كسب فترات الإجازات والعطل، والاستفادة منها، مرهونان بجدية أولياء الأمور، وينبغي أن تراعى البرامج التي توضع لتوفير عوامل جذب الأبناء إليها، وأكثر الجداول نجاحاً تلك التي تأخذ في الاعتبار الجوانب الترفيهية، إلى جانب تنمية حب التعليم لديهم، وحسب منسق الدعم النفسي فإن للأسرة دوراً كبيراً في تنظيم الوقت لدى الأبناء في العطلات عموماً، وخاصة أن دور المنزل يكون مهماً في تشجيع الأبناء على القيام بتنمية المهارات الفكرية والسلوكية، وتنظيم الوقت من خلال المشاركات في الفعاليات، والمهرجانات الوطنية، والثقافية، والتراثية، والأنشطة التي يمكن أن تقام في فترة العطلة.
مع الأبناء
وأضافت: ينبغي على أولياء الأمور الاهتمام بالوقت أكثر خلال فترة العطلة الدراسية، وألا يضيع هدراً من دون أية فائدة، وذلك بأن يتعاون أفراد الأسرة، وعلى رأسهم الأب والأم، في تنظيم تخطيط إيجابي للاستفادة من العطلة، وقضاء وقت مميز ومليء بالفائدة، والاستمتاع والاستعداد لمسيرة دراسية جديدة، مبيّنة أن العطلة لابد أن تحتوي على فرصة للطفل يجد فيها وقتاً للترفيه والتسلية أكثر ما يمكن، فهي عطلة من الدراسة والامتحانات، لذلك على الأهل أن يوفروا هذه المساحة للأطفال، وأن يكونوا جزءاً منها، وبإمكان الأهل أن يجدوا في هذه المساحة الفنية فرصة لتسلية الأبناء، والتعلّم على بعض المهارات الفنية والحرفية التي تنمّي لدى الطفل موهبته، وتساعده على التفكير.
وسائل غير مباشرة
ووجدت سليمان أن وسائل التعليم غير المباشرة من شأنها أن تنمّي تفكير الطفل، وتساعده على أن يبقى ذهنه واعياً ومتحفزاً للتعليم، ولكن بطرق بسيطة كتوفير القصص المسلية التي يستمتع بها الطفل، وتوفير الألعاب التي تساعد على التركيز، وتطوير الذكاء الإبداعي، والتفكير الناقد، كما أن الشطرنج ينمّي الذكاء العقلي، ويعلّم الطفل التفكير المنطقي والصبر، والقراءة هي مفتاح العلم، فيجب أن نعوّد أطفالنا عليها، ونشجعهم بأن نقرأ معهم، وأحياناً نكافئهم كلما أنهوا كتاباً، والمجلات محببة للأطفال، ويمكن للأهل الاشتراك لأبنائهم في إحدى المجلات لتصلهم إلى المنزل كل شهر مثلاً، وتعتبر العطلة فترة لإعادة النظر في بعض الدروس الصعبة، ومتابعة بعض التقصير الذي حدث في الفصل الأول.
وأشارت منسق الدعم النفسي إلى أن صلة القربى من الأشياء التي قد يقصّر البعض بها نتيجة الانشغال، وبالتالي يمكن استثمار العطلة لزيارة الأقارب، وتعليم الطفل عظم ثواب صلة الرحم، كما لابد من توجيه الأبناء لتعلّم مهارات، وتعلّم برامج تفيدهم في حياتهم المستقبلية مثل مهارة الكتابة السريعة، والبرمجة، وإنشاء المواقع، والفوتوشوب، وصيانة الكمبيوتر، ولا شك أن الرياضة مفيدة، وخاصة للأطفال.
تنظيم واستثمار
وبهذا تكون العطلة الانتصافية حاجة عقلية وجسدية ونفسية لكل عناصر العملية التربوية من طلاب ومدرّسين، ويترك تنظيمها واستثمارها لوعي الأسرة ومهاراتها في توظيفها بما يخدم إعادة تفعيل طاقات أبنائها بالشكل السليم.
دارين حسن