ربما تحميهم القوانين..؟! العمل أثناء الدراسة الجامعية.. محاولة شبابية لتحقيق الاستقلال المادي.. وبحث دائم عن الطموح

ربما تحميهم القوانين..؟! العمل أثناء الدراسة الجامعية.. محاولة شبابية لتحقيق الاستقلال المادي.. وبحث دائم عن الطموح

شعوب وعادات

الأربعاء، ١٠ أكتوبر ٢٠١٨

مع بدء مرحلة الحياة الجامعية تبدأ رحلة البحث عن الذات، وتحقيق الاستقلال الذاتي عن الأهل، والتفكير بطريقة مختلفة عما كنا عليه في الفترات السابقة، لما تحمله هذه المرحلة المهمة جداً من حياتنا من نضج فكري، وعاطفي، واجتماعي، وفكرة الاستقلال عن الأهل لا يمكن أن تتحقق إلا بتحقيق الاستقلال المادي، والاعتماد على الذات، لذلك يبدأ الشباب بالبحث عن فرصة عمل أثناء دراستهم الجامعية تمنحهم هامشاً لابأس به من الحرية.
وبكل تأكيد ليس الغرض من الدراسة في الجامعة فقط تحصيل شهادة، بل أيضاً إقامة روابط اجتماعية متميزة بين الطلبة، ومعظم الشباب يعتقد أن النجاح الحقيقي هو القدرة على كيفية إدارة الوقت، وتحقيق الذات، ولذلك نرى أن لكل إنسان مفهومه الخاص للنجاح، حيث تختلف وجهات النظر المتعلقة بهذا الشأن، فالبعض يعتقد أن مرحلة الدراسة الجامعية هي فقط للتحصيل العلمي، والبعض لديه رؤية أخرى تجمع بين الدراسة والعمل لاكتساب المهارات والخبرات، وهناك من يؤمن بأن هذه المرحلة هي من أهم المحطات في حياة الإنسان، لذلك يجب أن يسعى فيها لإقامة علاقات اجتماعية مميزة بينه وبين زملائه، ومن هنا يرى العمل أثناء الدراسة ضرورة لإتاحة هامش مادي يمكنه من إقامة هذه الصلات والعلاقات، فنرى الكثير من الشباب يبحث عن فرصة عمل تحقق له هذا الهامش المادي، ويبذل جهداً مضاعفاً حتى لا يتضارب عمله مع أوقات محاضراته، أو يؤثر على دراسته.

وجهان إيجابي وسلبي!
الدكتور حليم أسمر، أستاذ في كلية التربية (جامعة حلب)، يوضح أن مفهوم العمل بشكل عام هو مفهوم يقدس الإنسان، ولكن أن يكون طالباً ويعمل، ومدى التوفيق بين الدراسة والعمل، فهذا أمر يحتاج إلى تصميم، وتلزمه إرادة قوية، لأن ما قد يحدث غالباً عندما يدخل الطالب بمسار العمل حتى ولو كان يجني أموالاً، سواء كانت عالية القيمة أو قليلة من الممكن أن يأخذه العمل ويدخله بمشكلة التسويف، أي أنه في حال لم يتقدم إلى الامتحان في هذه الدورة يتقدم في الدورة الامتحانية المقبلة، وأنه “سوف” ينجح، وهكذا، فالتسويف أصبح مشكلة تعم حالياً الكثير من مجالات الحياة، وهي ليست مقتصرة فقط على الطلاب، ولكن في حال استطاع الطالب التوفيق بين المسارين، أي العمل، وفكرة أن هذا العمل سيكون أداة ليتابع دراسته، فهذا أمر مهم، ومعظم الطلاب يفكرون به، ويتابع الدكتور أسمر حديثه قائلاً: حتى أنا عندما كنت طالباً عملت إلى جانب دراستي، ولكن الأمر أو الهدف كان واضحاً لدي، فهدفي من العمل كان لتعميق دراستي ومتابعتها، وعلى الأقل أخفف عبئاً مادياً عن أهلي، وهذا أمر مهم جداً، والأمر الآخر المهم جداً الذي أحبذه هو الإحساس بقيمة العمل، لأن العمل يشعر الإنسان بقيمته من ناحية أنني لست عالة على أهلي، أو على أي أحد، وبالعمل الشخصية تنمو، ولكن ضمن ظروف وشروط، وبساعات عمل قليلة، أو حتى نوع العمل، فأنا لا أريد عملاً مهيناً ومذلاً لطالب الجامعة، بل يمكن أن يكون قريباً من طبيعة الحياة الجامعية، سواء في مكتبة أو دور نشر،إلخ، ومع ذلك هذا الأمر لا نوفق به دائماً، وهذا طبيعي، فقد يكون عملاً ليلياً، أو عملاً يبعدنا عن جو الدراسة، وهذا ما قد يوقع الطالب في حيرة، يريد مالاً ولا يوجد، وإيمانه بالعمل وبضميره، لأن هذا ما يجعله سوياً، ما يجعله بعيداً عن الانحراف، أو السرقة، أو غيرهما، لذلك يبقى العمل ضامناً له، وهذا الضمان بالتأكيد يدعم مسيرته العلمية.

الغاية تبرر الوسيلة
إن استغلال الطالب من قبل رب العمل له شكلان، مع التأكيد على أنه يستغله في واقع الأمر بكل الأحوال، ولكن أحياناً يكون هذا الاستغلال ظاهرياً، حتى إنه من الممكن أن يستمر إلى ما بعد التخرج، بحجة أنه يحتاج إلى تدريب ومهارات، فهو لا يدخل بسوق العمل إلا عندما تكون لديه خبرة سنة أو سنتي تدريب، وقد تكون هذه السنة التي يتدرب فيها استغلالاً له أيضاً من قبل رب العمل، لذلك نلاحظ في السنوات العشر الأخيرة توجه الجامعات إلى إيجاد صيغة توفق بين المنهج الدراسي والجهات المستفيدة حتى يتم تقديم مخرجات تعليم عالية للجهات المستفيدة يمكنها أن تدخل بسوق العمل ضمن ما تقدمه هذه المؤسسات أو الجهات المستفيدة من معايير علمية للتوظيف، وهذا الأمر ينتشر بالعالم، لكن هناك أمراً جد خطير، وبالأخص فيما يتعلق بعمل الفتيات، فعمل الفتيات أحياناً يكون غير واضح تشوبه الكثير من الأمور من ناحية عملهن في الورش، أو أماكن أخرى قد يتعرّضن خلالها للاستغلال، وهناك الكثير من الوقائع بهذا الخصوص، لذلك من الضرورة بمكان إعادة النظر بهذا الموضوع، وبالأخص في ظروف الحرب، وهذا الأمر بطبيعة الحال يحتاج إلى دراسة متكاملة، لأن القيم والأخلاق تتلاشى مع الوقت في مثل هذه الظروف، أو ما يسمى السلوك الأخلاقي، حيث إننا نرى البعض يريد العمل بغض النظر عن طبيعة العمل والمكان الذي من الممكن أن يعمل به، وبالتالي يصبح الهدف هنا غير واضح، لأن الوسيلة يمكن أن تلغي الهدف، وتصبح الغاية تبرر الوسيلة!.

العمل لكسب المهارة والخبرة
الدكتور سليمان عوض “كلية الاقتصاد”، تحدث عن الموضوع من وجهة نظره كما يراه، خاصة أنه على تماس مباشر ويومي مع الطلاب، قائلاً: إذا كان الطالب ملتزماً بحضور المحاضرات أعتقد أن عمله لن يؤثر عليه، بل على العكس سيكسبه خبرة ومهارة، خاصة إذا كانت له علاقة بتخصصه، فمثلاً تخصص الكهرباء يعمل ضمن هذا المجال، وهذا سيعطي مهارة لريادة الأعمال، وتأسيس مشروع، وعدم انتظار الوظيفة فيما بعد التخرج، ويجب أن نشجع الطلاب على فتح مشروعهم الخاص بعد التخرج مباشرة، وهذا مكسبه أكبر من الوظيفة، فالانعزال للدراسة فقط يفقد الشخص الثقة بالنفس، ولا يرى سوى الوظيفة، وبالتالي البطالة المقنعة والانحراف نحو الفساد، فبناء المشروع الفردي، أو بشراكة مع صاحب رأس المال، يفتح أمامه كسباً إيجابياً، والمزيد من التوسع والكسب، ويضيف الدكتور عوض: أنا مثلاً كنت أدرس، وفي الوقت نفسه تعلّمت مهنة العائلة، العلم والشهادة يكسبان الطالب معارف جديدة، وأفقاً واسعاً، ومع أنني كنت أتعلّم وأعمل كنت من الأوائل في الجامعة، متابعاً: لا شك اليوم أن الحرب أكسبت الطلاب الذين لديهم تحد ومهارات كبيرة، وأثرت على الكثيرين، فخرجوا من الدراسة، واليوم نرى الكثير من الأهالي يتحمسون لتدريس أبنائهم بعد توقف معاملهم وتجارتهم، وأغلبهم للتأجيل، وهذا ما أثر على أبناء الفقراء الذين لا يملكون أقساط الدراسة الخاصة، فالطبقة الوسطى والأغنياء أغلبهم تابعوا دراستهم مع عمل أو دون عمل، ونحن هنا ندعو الدولة إلى ربط الدراسة بالعمل المناسب لكسب المهارات بالتخصص نفسه، أو بما هو قريب منه كالعمل الصيفي مثلاً، على سبيل المثال بعض طلاب الماجستير كانوا يدرّسون الطلاب الضعفاء، وهذا كان يحدث أحياناً في القاعات الفارغة، وهنا الجامعة حاربتهم للأسف بدلاً من أن تشجعهم، فتقويتهم مكسب وطني، ومكسب للطالب الضعيف، في الدول الأجنبية يتم تنظيم هذه العملية بشكل رسمي لتعريف الطلاب ذوي نقاط الضعف بطلاب الدراسات، ولهم أجور رسمية.

تجارب وقصص من الواقع
نسرين، طالبة هندسة معلوماتية “التعليم الموازي”، تعطي دروساً خصوصية لتلاميذ في المرحلة الابتدائية لتأمين قسطها السنوي ومصروفها، فالقسط، كما تقول نسرين، مرتفع جداً، ولا يمكن لأهلها تأمينه كاملاً، لذلك تقوم هي بمساعدتهم، وتسعى جاهدة لعدم تأثير عملها على دراستها.
غسان، طالب “كلية الاقتصاد”، يتحدث عن معاناته في الإلمام بين دراسته وعمله قائلاً: تواجهني الكثير من العوائق والصعوبات أثناء العمل والدراسة كوني أعمل في مجال البرمجة، وهذا ما يأخذ من وقت دراستي قليلاً، ولكن أحاول جاهداً التوفيق بين عملي ودراستي، فلا أريد أن أخسر دراستي ولا عملي، لأن الشهادة الجامعية مهمة جداً، فهي إضافة إلى تقدير الذات تعتبر إنجازاً ضرورياً، ولأني أعمل في مجال البرمجة فهناك كل يوم تقنيات متغيرة بشكل دائم، لذلك لابد من أن أبقى على اطلاع ومن دون انقطاع على آخر ما توصل إليه العلم في هذا المجال، ولا يمكنني الاستغناء عن عملي لأنه يشكّل مصدر رزق لي ولعائلتي.

ربما
أغلب الطلاب يصعب عليهم التوفيق إذا اتجهوا للعمل كثيراً على حساب الدراسة، ربما لعمل مسائي بدوام سهل وقصير، أو لعمل في فترة الصيف مناسب أكثر، هذا طبعاً في حال توفر حتى لا يندفع الطالب للحصول على نجاح وشهادة في الحدود الدنيا، بمعنى شهادة شكلية لا يعمل بها أبداً، كما أن ازدياد المصاريف والأعباء المادية على الطلاب وذويهم يجبر العديد منهم على العمل، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على بدء مرحلة النضج الفكري والاجتماعي إلى حد ما في محاولة لإثبات كيانه المستقل عن العائلة والأهل، لذلك من الضروري أن نسعى لنؤمن لهذه الفئة العمرية من المجتمع حماية قانونية، واجتماعية، واقتصادية حتى لا تكون عرضة للاستغلال والابتزاز عن طريق وضع أطر وقوانين ناظمة تكفل لهم الحماية شأنهم في ذلك شأن الكثير من الشباب في الدول المتقدمة حتى نضمن مخرجات ذات كفاءات ومهارات عالية المستوى.
لينا عدرة