يمضـون أيام العيد وساعـاته في أمـاكن عمـلـهم.. العمال فـي بعـض المهن جنـود مجهـولون يسرقـهم الـواجب من بيــوتهم وأسرهم

يمضـون أيام العيد وساعـاته في أمـاكن عمـلـهم.. العمال فـي بعـض المهن جنـود مجهـولون يسرقـهم الـواجب من بيــوتهم وأسرهم

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٤ أغسطس ٢٠١٨

أجمل ما في الأعياد الدينية والاجتماعية لمة العائلة وساعات الإعداد لطقوس العيد واستقبال لحظاته الأولى، تلك اللحظات التي ينتظرها الكبار والصغار عادة من سنة إلى سنة، وهنا تكمن معاناة أولئك العاملين في مهن تتطلب ظروفها وطبيعتها الغياب عن أسرهم وبيوتهم حتى في أيام العيد ومنها عيد الأضحى المبارك الذي يعيش السوريون أفراحه وطقوسه هذا العام بكثير من الفرح والمحبة وصلة الرحم بعد تطهير معظم الأراضي السورية من رجس الإرهاب.
«تشرين» رصدت جانباً من تلك المعاناة، وتوقفت مطولاً عند ظروف وطبيعة عمل رجال الإطفاء والأطباء والممرضين وعمال المخابز والكهرباء وعمال النظافة وأصحاب البسطات لتتعرف إلى تفاصيل يوميات أولئك العاملين الممزوجة بالفرح حيناً وبالغصة في أحيان أخرى خلال أيام الأعياد.
 
لايهابون.. لا يخافون.. متحمسون.. مقدامون.. هكذا هم رجال الإطفاء يسارعون عند اندلاع النيران إلى مكان الحادث كما تزامن ذلك مع زيارة تشرين لفوج إطفاء دمشق، حين توجهت سياراتهم مع الكوادر المتعددة لإخماد حريق.. لا يكلون ولا يتعبون.
إنهم رجال المهمات الصعبة، وتعد مهنة الإطفاء من المهام الخطرة التي يحرص المعنيون بها في الحرب والسلم على الجاهزية الكاملة لإخماد الحرائق وإنقاذ الأرواح والحفاظ على الممتلكات.
وفي فترة الأعياد يبقى رجال الإطفاء في جاهزية كلية كما هم على الدوام وبحالة استنفار كامل على مدار الـ24 ساعة، وفقاً للعميد الركن المجاز داؤد نصر عميري- قائد فوج إطفاء محافظة دمشق، الذي يرى أن رجل الإطفاء وهب نفسه لخدمة الوطن والمواطن، ويواصل الليل بالنهار من أجل تأدية واجبه على أكمل وجه، ويعمل على إخماد الحرائق المندلعة في أي مكان إضافة لمهمات الإنقاذ بأنواعها المتعددة.
يضيف: في فترة الأعياد نتخذ العديد من الإجراءات الاحترازية للحد من وقوع الحرائق من خلال توعية المواطنين بمخاطر الحريق عبر وسائل الإعلام المختلفة وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، والتأكيد على أهمية أن يكون في كل بيت جهاز إطفاء حريق، وكذلك في السيارات والآليات والمحلات التجارية والدوائر الرسمية.
وينبغي الابتعاد عن أي وسيلة تؤدي لاندلاع الحرائق في التجمعات والمطاعم والمقاهي والصالات المغلقة والحدائق العامة، وإخماد النيران في الحدائق بعد انتهاء الزيارات والتأكد من ذلك بشكل جيد، ولذلك نقوم بنشر عربات الإطفاء في الأماكن والتجمعات في فترة الأعياد إضافة لجاهزيتنا على مدار الساعة لتلقي جميع الاتصالات، ومن المؤسف أنه رغم الإجراءات الاحترازية التي نقوم بها، وخاصة في فترة الأعياد، تزداد عمليات الإنقاذ نتيجة عدم التقيد بها ومثال على ذلك الألعاب النارية، ونحن كرجال إطفاء عندما تمر دقيقة من دون وقوع أي حادث حريق أو إنقاذ هي بمنزلة عيد لنا.
مخاطر عديدة
يتعرض عنصر الإطفاء، بحسب قائد فوج إطفاء دمشق، لمخاطر عديدة تنجم عن الحريق إما الاستشهاد نتيجة الغازات السامة المنبعثة من لهيب الحرائق أو الإصابات الجسدية نتيجة عمليات مكافحة الحرائق والإنقاذ والتدريب في بعض الأحيان إذ قدم فرعنا 13 شهيداً وأكثر من 50 جريحاً.
وخلال فترة الحرب والتصدي للإرهاب والإرهابيين أثناء التفجيرات التي كانت تحصل نتيجة السيارات المفخخة وقذائف الحقد التي كانت تقذف على مدينة دمشق وعلى المواطنين الأبرياء كنا نساهم بشكل فعال في عملية إخماد الحرائق وإنقاذ المواطنين المتضررين من ذلك، والمساهمة في تأهيل المنطقة وإعادتها لوضعها الذي كانت عليه قبل التفجير من خلال الإخلاء وتنظيف الأماكن.
ولنجاح عملنا ينبغي إفساح المجال لعربات الإطفاء في المناطق والشوارع المزدحمة للوصول بأسرع وقت وأقل زمن، وخاصة في الأماكن الضيقة التي لا تسمح بدخول عربات الإطفاء الكبيرة، وخاصة في مناطق دمشق القديمة، وترك المجال لعناصر الإطفاء للقيام بواجبهم لكونهم المتخصصين والذين يرتدون ألبسة خاصة بالحريق وعدم التدخل لمساعدتهم، وستبقى عين رجال الإطفاء ساهرة على سلامة المواطنين مع أمنياتنا بالسلامة والأمان للجميع. وخلال جولة تشرين في فوج إطفاء دمشق التقت عدداً من المعنيين في نطاق عملهم.
خدمة المواطنين عيد لنا
خالد السبتي، الذي أمضى 26 عاماً في الفوج ويعمل في غرفة العلميات، قال: طبيعة عملي تتطلب مني الحضور حتى في الأعياد لخدمة المواطنين، وحين نؤديها وننقذهم من حريق أو حادث يكون ذلك بمنزلة العيد الحقيقي لنا مع أسرتنا وأولادنا، وفي عملي حين نتلقى اتصالاً من المواطنين نتأكد من المعلومة وندون العنوان بدقة ونطلب من المعنيين التوجه لمكان الحادث خلال دقائق.
بدوره قائد السرية المناوبة محمد القادري خلال زيارة تشرين لفوج الإطفاء(36 عاماً في مجال الإطفاء) شدد على أهمية متابعة الحوادث والحرص على سلامة العناصر وتأمين الراحة لهم من خلال معاملتهم الأبوية نظراً لما يبذلونه من جهد كبير، ويضيف: قدم الفوج العديد من الشهداء فكنا على الخط الأمامي مع قواتنا الباسلة، ونترحم بمناسبة عيد الأضحى المبارك على شهداء الوطن وشهداء الإطفاء بشكل خاص، ونتمنى لجرحانا الشفاء العاجل. وليثق الجميع أننا لا نحب الحوادث بل نسهر على راحة المواطنين، ونتمنى ألا يحصل أي حادث والسلامة للجميع.
أشكال متعددة للإنقاذ
وبيّن باسم أبو فخر- آمر زمرة الإنقاذ في الفوج أهمية الإنقاذ بأشكاله المتعددة سواء كانت إنقاذ أرواح الناس من الغرق وفي الطرقات وتحت الأبنية المنهارة أو المتصدعة.. يضيف نعمل في ظروف قاسية جداً، وهو ما يتطلب امتلاك الكوادر المدربة والخامات الممتازة والمجهزة بالعدة والعتاد، ونحمد الله على توافرها في فوجنا، ونحن جاهزون لتنفيذ أي مهمة تصلنا من غرفة العمليات، ولدينا المقدرة في التعامل مع أي حادث بالشكل المناسب، والعيد بالنسبة لنا هو اليوم الذي لا يمر فيه أي حادث على فوج الإطفاء.
مهنة إنسانية
وينطلق أحمد ناصر الدين- آمر السائقين في حديثه لـ«تشرين» من كون مهنة رجل الإطفاء مهنة إنسانية، فقد تجد في الشارع العام من يساهم معك في إخماد حريق أو إنقاذ طفل أو غير ذلك ورجل الإطفاء يكون عادة في المقدمة باتجاه مختلف هذه القضايا. ولذلك، وفقاً لناصر، يحرص في التعامل مع السائقين بروح أبوية وتشجيعهم وتقديم النصح لهم لتدارك الأخطاء التي قد تحصل خلال التوجه لتنفيذ المهمة الموكلة لهم بغية الحفاظ على جاهزيتهم ولياقتهم وآلياتهم. ولا يتذكر آمر السائقين أنه خلال سنوات الحرب على سورية قضى عطلة العيد مع أسرته، بل كانت على الدوام في مكان العمل.
 
مهنة شاقة
ولعل المعاناة مضاعفة بالنسبة للعاملين في صناعة الخبز والأفران لأنها مهنة شاقة أساساً لا توقف فيها ولا تأجيل من يوم إلى يوم، خاصة للعاملين في القطاع العام، أي الأفران التابعة للدولة، فهؤلاء يتضاعف عملهم ويطول، وغالباً ما يستقبلون ساعات العيد الأولى ووجوههم بمواجهة نار الفرن، وسواعدهم تنقل العجين، بينما صور أطفالهم وعائلاتهم لا تغيب عن بالهم.
«عيدنا في عملنا» عبارة أجمع عليها معظم من التقيناهم من عمال المخابز، ومنهم أبو سليم الذي قال وهو يتابع توزيع الخبز خوفاً من تأخير المواطنين عن بيوتهم وعائلاتهم: يوم العيد بالنسبة لنا كبقية الأيام مع اختلاف بسيط يتمثل في قلة مزاحمة الناس وتدافعهم على الفرن، في العيد تعيش نفوسنا مشاعر متناقضة، فصباح العيد يطل علينا ونحن نتابع أرغفة الخبز وهي تنضج أمامنا، صوت الأذان لصلاة العيد يثير الفرح داخلنا لقدوم العيد وكذلك الحزن لأننا لا نعيش هذه اللحظات بين عائلاتنا وأهلنا أو بين صفوف المصلين، عزاؤنا الوحيد أن العمل تضحية.
مشاعر تقاسمها معه العامل ماهر الأسطة مضيفاً: عملنا لا يعرف أيام عيد أو عطلة، منذ عشر سنوات وأنا أعمل في الفرن لا أذكر أنني عايدت أسرتي وجهاً لوجه سوى مرة أو مرتين، يخطئ من يعتقد أننا نشعر بالحزن، فكل ابتسامة ترتسم على وجه من ينتظرون رغيف الخبز هي أحلى عيدية نتلقاها في أيام العيد، كلام عاد بذاكرة العامل حسان قيسية- متقاعد من الشركة العامة للمطاحن، سنوات وسنوات إلى الوراء، فقد كان كبقية زملائه يعملون أيام العطل والأعياد لتلبية حاجة المواطنين من مادة الخبز، وردد مستغرباً: لا يمكن للأفران أن تتوقف عن العمل، فالخبز مادة أساسية لا يمكن أن تغيب عن بيوتنا وحياتنا.
مسك الختام في جولتنا كان عند «أبو فراس» الذي يقف أمام بيت النار بمنشفته الرطبة التي تلف رأسه ورقبته في محاولة منه لتخفيف حرارة الغرفة المرتفعة التي تصل حدّ الاحتراق من جهة وتجفيف قطرات العرق التي تتساقط على جبينه وتضاريس وجهه من جهة ثانية، وصوته الذي يصدح في أرجاء المكان بأغنية «يا ليلة العيد أنستينا وجددتي الأمل فينا»، وما أن تقترب منه حتى يبادلك الابتسامة رغم أجواء عمله الصعبة ويبدأ بالحديث عن طبيعة مهنتهم الشاقة، فالعمل في المخابز تحكمه ظروف خاصة منها درجة الحرارة العالية والتعب والجهد من جراء عمليات الرفع والعجن والتقسيط، إضافة إلى ساعات العمل الطويلة التي ترهق العامل وتؤثر في نفسيته وصحته الجسدية، ولا ننسى بالطبع «مجادلة الناس وتهدئتهم والتخفيف من غضبهم وازدحامهم أمام نوافذ وأبواب الفرن» ويضيف: الاستمرارية في العمل واجب علينا، وإذا لم نتمكن من قضاء اليوم الأول مع أبنائنا فهذا بات أمراً اعتيادياً هم ونحن اعتدنا عليه وحتى الأهل والجيران المقربون والأصدقاء، فهناك اليوم الثاني والثالث حسب المناوبات والورديات، ولكن مطلبنا أن تكون لنا مكافآت مالية أو تعويضات من خلال العطل البديلة وهذا باعتقادنا حق من حقوقنا، فعمال المخابز بحاجة للدعم المادي والمعنوي.. وفيما يتعلق بتمضية أوقات العيد مع الأهل والأحبة بعد انتهاء وردية العمل في الفرن خلال أيام العيد، يبين أبو فراس أن زيارات العيد في سنوات الحرب كانت تقتصر على الأهل والجيران المقربين نظراً للظروف التي كنا نمر فيها، أما في هذا العام فالحال اختلفت، وفرحة العيد عادت وكذلك طقوسه التي أدخلت البهجة والسرور إلى قلوبنا وقلوب أطفالنا، فكل عام وأنتم بألف خير.
كوادر طبية جاهزة
يتبادر إلى ذهن أي مواطن أنه يستطيع الاستغناء عن الكثير من الخدمات المقدمة من الجهات الحكومية في أيام العطل، ويمكنه تأجيل طلب العديد من حاجاته، لكن عندما يتعلق الموضوع بصحته يصبح ضرورياً ولا يحتمل أي تأجيل، فيجد الكوادر الطبية في تلك الأيام على أهبة الاستعداد لتقديم كل ما هو مطلوب. وعن طبيعة العمل خلال أيام العيد تحدثت رشا منصور (إدارية في مشفى الباسل للأمراض القلبية) أن الإدارة تضع مخططاً لسير العمل خلال أيام العيد، من حيث دوام ومناوبات الكادر الطبي وعمال قسم الصيانة والأعمال الفنية، إضافة إلى تجهيز كميات مناسبة من الأدوية والمعقمات وإحضارها من المستودعات، لتغطي الحاجات طوال أيام العطلة، وفي حال وقوع أي طارئ تكون هناك حلول بديلة، ويكون كادر العمل كشبكة واحدة يتم التواصل بين بعضهم بشكل مستمر، وهذا ينعكس على الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين فلا تتأخر أو تنقطع خلال الأعياد أو غيرها من العطل، وأضافت: الأطباء والممرضون وكل عامل في المشفى يعلم أن مهنته لا ترتبط بعطلة أو عيد، وأن واجبه يجب أن يؤديه حتى لو على حساب راحته الشخصية.
سعاد محرز (ممرضة في مركز صحي في منطقة المزة) تشير إلى أنها تناوب مع بقية زميلاتها خلال يومين على الأقل من أيام العيد حتى يستمر عمل المركز من دون توقف، وأن الأيام التي تعمل فيها في العطلة تأخذ بدلاً عنها أيام إجازة، وتجد أن العمل أيام العطل أسهل من بقية الأيام من الناحية العملية إلا أنه أصعب من الناحية النفسية، ومع ذلك لا تتخيل أن يكون المركز مغلقاً في كل أيام العيد، وتقول بضحكة: المرض والحالات الصحية الطارئة لا تعرف عيد أو عطلة.
الدكتورة عفراء حسن (طبيبة مقيمة في مستشفى المواساة) أشارت إلى أن عمل الأطباء المقيمين في أيام الأعياد مستمر كأيام الدوام الاعتيادية، من حيث توزيع المناوبات بينهم والجاهزية وآلية العمل، وأضافت: نتشارك نحن الزملاء طقوس العيد مع بعضنا، وأغلب المرضى الذين يزورون المشفى في أيام العيد يشكروننا على ما نقدمه لهم، وهذا يشعرنا بالسعادة والرضا.
الأسواق المبسطة
في أيام العيد غالباً ما تُغلق كل الأسواق، إلا أن حركة الناس لا تنقطع، وحاجتهم أيضاً لشراء الحاجات تستمر، وهنا قد يجد المواطنون أمامهم «البسطات» البديل الأسهل لشراء ما قد يضطرون إليه في أيام العطل.
سمير زعتر (صاحب بسطة في منطقة الشيخ سعد) أكد أنه يستفيد من عمله خلال أيام الأعياد أكثر من أي وقت في العام، فيكون «السوق له» حسب تعبيره، فلا توجد محلات تأخذ الزبائن من البسطات، ورغم أنه في كل عيد لا وقت لديه للاستمتاع بوقته مع العائلة وأداء طقوس العيد، إلا أنه يعد هذه الأيام مصدر رزق لا يفوّت.
أما عدنان بركات (يعمل على «بسطة» في منطقة البرامكة) فأشار إلى أنه ليس صاحب القرار في أيام عمله وأيام عطلته، وأن مالك «البسطة» يفرض عليه وعلى غيره من العمال، الذين يقفون على «البسطات» التي يملكها، العمل في أيام العيد كغيرها من الأيام، وبالأجر ذاته، وأضاف: في أغلب الأعياد بعد الانتهاء من العمل يعطينا صاحب العمل «عيدية»، غير محددة مسبقاً، وتتفاوت حسب نسبة الربح التي حققناها خلال فترة العيد، ولا نشعر بالعيد إلا من خلال بضعة الآلاف التي نحصل عليها في آخر أيام العيد.
نجاح عبدالله (ربة منزل) تشكر أصحاب «البسطات» الذين يداومون على عملهم خلال أيام العطل والأعياد، مشيرة إلى أنهم ينقذون الكثير من السيدات اللواتي يتذكرن شراء حاجاتهن في اللحظات الأخيرة والتي غالباً تكون فيها الأسواق مغلقة.
عمال النظافة
ومن الجنود المجهولين في أيام الأعياد، عمال النظافة الذين لولاهم لكان العيد ناقصاً، فالعيد بالنسبة للأطفال هو الشارع واللعب، وتالياً، شارع نظيف. «تشرين» التقت عامل النظافة أبو محمد وسألته عن الدوام أيام الأعياد والعطل، ومشاعره وهو يعلم أن الناس مشغولون بالعيد في منازلهم وفي مختلف أماكن الترفيه، بينما هو في العمل، فقال: أولاً لقد اعتدت هذا الأمر، فأنا في الخدمة منذ سنوات طويلة، في بداية سنين عملي كان يؤلمني أن أترك عائلتي في العيد وأتوجه إلى العمل، وخاصة في اليوم الأول من العيد الذي يجتمع فيه الأقارب والجيران، لكن بعد سنوات، أدركت أن على البعض أن يضحي من أجل الآخرين، ويجب أن تكون الشوارع نظيفة ليلعب الأولاد براحة، ومنهم أولادي. كذلك قال أبو عبد الرحمن الذي صرح عن اسمه بداية، ثم تراجع وفضل أن نذكر لقبه، لأن لديه ابنة في الجامعة، ويخشى أن يقرأ أحد زملائها اسمه، ويعرف أن والدها عامل نظافة، فالناس في مجتمعنا لا يزالون ينظرون إلى هذه المهنة بانتقاص شديد، ويعدونها عاراً. أما عن الدوام في العيد، فقال: أنا أنتظر هذا الدوام سنوياً، لأني أولاً اعتدت على العمل ولا أستطيع البقاء في المنزل ولو ليوم واحد، إضافة إلى ما نحصله -نحن عمال النظافة- من مبالغ إضافية يجود بها الناس علينا من باب المعايدة ومن دون أن نطلب منهم في كثير من الأحيان، أي عن طيب خاطر، وتقديراً منهم لعملنا في الأعياد وابتعادنا عن أسرنا وأهالينا، وبكل صراحة أجمع في أيام دوام العطل – وخاصة الأعياد – مبلغاً جيداً يساعدني في مصروف المنزل.
وتواصلت «تشرين» مع رئيس مجلس مدينة دير الزور المهندس فادي طعمة وسألته عما إذا كانت هناك ميزات للعمال المداومين في الأعياد، فأوضح بداية أن العمل خلال الأعياد يشمل قطاعات غير قليلة من مؤسسات الدولة، ومنهم مديرو القطاعات الخدمية.
أما عن التعويضات، فأكد المهندس طعمة أن كل يوم دوام في العطل يُحسب بيومين، لكن مبلغ التعويضات يكون بحسب طبيعة التعاقد، وأساس الراتب الشهري، لأنه يُحسب على أساسه، مضيفاً أن التعويض بالنسبة للعمال المؤقتين يجب أن يكون أكبر، لأن أساس رواتبهم ضعيف جداً.
تشرين