هل فعلاً الصينيون متشابهون؟

هل فعلاً الصينيون متشابهون؟

شعوب وعادات

الاثنين، ١٤ أغسطس ٢٠١٧


عندما نقرأ، أو نشاهد، أو نسمع خبراً عن الصين، فكرة سريعة تخطر على بالنا وتحيّرنا في بعض الأحيان، وهي: لماذا يتشابه جميع الصينيين؟ مليار و379 مليون من البشر يتشابهون حتّى إننا قد نضيع بين جميع هذه الوجوه التي نعتبرها متشابهة إلى حدّ يرى البعض أنه تمّ نسخها من «قالب واحد». فهل حقاً الصينيون يشبهون بعضهم البعض؟ وما علاقة علم النفس بهذا السؤال؟ وما الفكر النمطي الذي يفسّر هذا «التشابه»؟
هناك كثير من الأفكار النمطية التي نردّدها بمزح أو بشكل جدّي خلال يومياتنا: «جميع الصينيين يشبهون بعضهم البعض»، «كل الشعوب السكندنافية تتميّز بالشعر الأحمر»، «من صفات الشعب الياباني الهدوء والرصانة»، «الشعب الإيسلاندي كلّه يتميّز بصوت جميل».... كما هناك أفكار نمطية أكثر «عنصرية» مثلاً: «الرجل يتميّز بالمبادرة أما المرأة فمتحفّظة»، «القرويون أقل ذكاءً من سكان المدينة»، «الألماني عدواني»، و«الإنكليزي ممل» و«الإيطالي كسول»، و«الفرنسي متعالٍ»...

كلّ هذه الأفكار النمطية خالية من الحجّة والبرهان. فلا يمكن أن يشبه جميع الصينيين بعضهم البعض. وفي الكثير من القرى، يوجد عباقرة. كما هناك فرنسيون متواضعون كثيراً وهناك فتيات إسكندنافيات ذات لون شعر بني...

ما هي الأفكار النمطية؟

الأفكار النمطية أو Stereotype Ideas، هي «شيوع» فكرة بين الناس، تصبح ضمن يومياتهم دون التأكد من صحتها لرفضها أو قبولها، وقد يكوّنها الإنسان أو يتلقاها. فالفكر الإنساني يعمّم بعض الأفكار التي تصبح نمطية. والأفكار النمطية موجودة عند كلّ الناس، ولكن بدرجات متفاوتة بين مجتمع وآخر.

مثلاً، الصينيون يشبهون بعضهم بعضاً، هي فكرة نمطية تعتبر بأنّ هناك تشابهاً كبيراً بين الصينيين كقطع النقود. ذلك، لأن في اللاواعي، «يترجم» العقل كل ما هو «أصفر» (لون البشرة)، قصير القامة، صاحب شعر ناعم وعيون صغيرة... إلى شخص «صيني» ويراه الإنسان بأنه توأم لشخص صيني آخر.

طبعاً هذه الفكرة ليست صحيحة لأنّ لكل صيني ميزاته الخاصة ولا يمكن لمليار ونيف أن يتشابهوا. فهناك صينيون طوال القامة، وآخرون ذات لون بشرة بيضاء... ولكن سبب هذا التشبيه الذي يميل إليه الإنسان هو «التفكير النمطي» الموجود في عقله.

فعلى رغم الصورة النمطية المنتشره بين الناس والتي تؤكد بأنّ الصينيين يشبهون بعضهم، يشير الواقع إلى عوامل تاريخية وجغرافية وفيزيولوجية وجينية أثّرت فيهم ومنحتهم خصائص معيّنة، ولكن تختلف هذه الخصائص من صيني إلى صيني آخر.

والجدير بالذكر، أننا كما نجد أنّ الصينيين يتشابهون كثيراً، هم أيضاً يرون أنّ حاملي العرق العربي متشابهون، كما أنهم لا يميّزون بين الشعوب الأوروبية. والسبب هو «الأفكار النمطية» الموجودة في ذهن الإنسان.

الشيء نفسه بالنسبة للشعب الياباني الذي يُعرف عنه أنه يحترم القوانين لأقصى الحدود. فإذا صادفنا أحد الأشخاص الذين يحترمون بشدّة كلّ شيء، نمازحهم قائلين: «هل أصلك ياباني؟». هذه الفكرة النمطية مكوّنة في ذهننا، ولكنّ اليابانيين، كغيرهم من الشعوب، منهم أشخاص خارجون عن القانون وفاسدون ومسجونون...

من أين تأتي؟

مصادر الأفكار النمطية هي:

أولاً، قلة الثقافة بين الناس، التي تؤدي إلى تداول أخبار غير صحيحة في معظمها وغير مؤكدة علمياً.

ثانياً، «المحدودية» في التفكير وعدم الحوار مع الآخر، ما يؤدّي إلى «تصلّب» العقل وبالتالي قبول كلّ الأفكار حتّى لو كانت غير صحيحة. فالتربية والمدرسة والجامعة والإعلام... مصادر أساسية لتخفيف «ثقافة الأفكار النمطية» من خلال الحوار وتعزيز التبادل الثقافي والإنفتاح نحو الآخر.

ثالثاً، ثمة شعوب تهتمّ فقط بإنتاجها الإقتصادي ونشاطها السياسي وتبتعد عن «الإنسانية» وعن الثقافة. هذا الإبتعاد يُغذّي الأفكار النمطية ويشجّع شيوعها بين الناس.

وأخيراً، التقسيم النفسي للإنسان والمناخ الثقافي، عاملان أساسيان لظهور الأفكار النمطية.

كيف نقلّصها؟

طبعاً، لا يمكن القضاء نهائياً على الأفكار النمطية، فهذه مهمة مستحيلة، لسبب بسيط، وهو تجذّرها في كل المجتمعات، ولا يمكن لأيّ شعب أن يتخلّص بشكل مطلق من أفكاره النمطية، ولكن يمكن تحجيمها وتقليصها من خلال الخطوات التالية:

• التربية السويّة المبنيّة على المساواة بين الإخوة والأخوات وبين الأصدقاء في المدرسة والأصحاب في الحيّ وبالتالي بين جميع سكان البلد الذي ينتمي إليه الطفل، وصولاً إلى تقبّل فكرة المساواة وتقبّل الآخر مهما كانت جنسيته والبلد الذي ينتمي إليه.

• تؤدّي المدرسة دوراً بارزاً في شيوع الأفكار الثقافية وتقبّل الآخر من خلال برامجها التربوية والمناخ الذي يجب أن تبتكره لحضن الأفكار الإيجابية تجاه الآخر.

• للجامعة دور أساسي في تقليص الأفكار النمطية من خلال الحوارات وتحضير المؤتمرات حول هذا الموضوع. كما لأساتذة الجامعة دور أساسي من خلال تحضير ندوات عن الأفكار النمطية وتقبّل الآخر والإبتعاد من الأحكام المسبقة.

• للإنسان أيضاً دور بارز. فيجب أن يتقبّل فكر التعدّدية ولا يعني ذلك الإبتعاد من العقلانية بل إستعمال عقله في تحليل الأفكار النمطية التي لا ينضوي أكثرها تحت غطاء علمي وليس لها نتيجة علمية محتّمة. كما أنّ الأشخاص يستعملون الأفكار النمطية (العنصرية بعض الأحيان) فقط لإظهار «قوتهم» أمام الآخرين. فالمشاكل النفسية وعدم قبول الذات وقلة الثقة بالنفس تساعد على إنتشار الأفكار السلبية أو الأفكار النمطية.

• مسؤولية الإعلام كبيرة، فهو قادر على إظهار الحقيقة وإلغاء الأفكار النمطية. البرامج المتلفزة، والحلقات الإعلامية على إذاعات الراديو والمقالات العلمية التي تُكتب على أساس علمي متين... كل ذلك يساعد على تحجيم شيوع الأفكار السلبية - النمطية التي يتداولها الناس فيما بينهم.

أخيراً وليس آخراً، لا يوجد «قالب» موحّد للوجوه، أو تصرّف إجتماعي موحّد بين كلّ الشعوب أو ذكاء مماثل بين كلّ سكان الأرض... كلّ إنسان مختلف تماماً عن أخيه الإنسان. ولكنّ الأفكار النمطية هي التي تجعلنا نقع في فخ التعميم. العائلة، المدرسة، الجامعة والإعلام .. كلها مسؤولة عن التربية الصالحة التي تبعدنا عن الأحكام السابقة وعن الأفكار النمطية.