حتى تعود الألفة.. شهر رمضان فرصة لتوثيق عرى التواصل بين الناس

حتى تعود الألفة.. شهر رمضان فرصة لتوثيق عرى التواصل بين الناس

شعوب وعادات

الجمعة، ١٦ يونيو ٢٠١٧

تغيّرت أنماط الحياة ، وتبدّلت مفردات التعايش والتواصل الاجتماعي في أيامنا وحياتنا، ونلاحظ أن ابتعاد الكثير من الناس عن بعضهم البعض وعزلتهم زاد في زمن الحرب، رغم أننا نعيش في عمارات شاهقة وأبنية متلاصقة، فالأسرة منذوية ومكتفية بأفرادها، والمجتمع يركن في ضوضاء التكنولوجيا ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي الذي يعتبر ضرورة، وصلة الرحم واجبة، فلا بد من تعميق الزيارات والتواصل بشكل عام، وفي رمضان بشكل خاص لما لهذا الشهر من معالم اجتماعية وروابط أخلاقية، روحية وأسرية، تشي بالألفة والصدق، وتنتهي بالتسامح والمحبة.
مدير الفريق الديني الشبابي بطرطوس/ الشيخ المهندس عبد الله محمد السيد/ قال : إن لله خواصاً في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، وقد خص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان من بين الأشهر لما له من فضائل وميزات كبيرة، هذه الأهمية تجلت في دعاء الصحابة رضوان الله عليهم ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم الله رمضان، وخمسة أشهر بعد رمضان ليتقبل الله منهم ، فكأن السنة كلها تتمحور حول هذا الشهر المبارك.
شهر المنح والفرص
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)، إن حدوث هذه التغيرات في الدنيا لهو دلالة وإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى هيأ لنا هذا الشهر لسعادتنا ونجاتنا، أفلا يستحق منا المبادرة لتغيير أنفسنا وبرمجتها وفق ما يريده الله، وما يريده رسوله صلى الله عليه وسلم ، فعلى المسلم أن يدرك أهمية هذا الشهر في اغتنام كل ساعة من ساعاته في العبادة وعمل الخير، حتى تناله رحمة ربه، فيغفر له ذنبه، ويدخل الجنة، رمضان فرصة للغائب كي يعود إلى ربه، وفرصة للمنقطع أن يعاود الاتصال بخالقه، وفرصة للبعيد أن يقترب من ربه.

شهر التكافل
وبيّن السيد أنه لا تكون لأي أمة قيمة أو قوة إلّا إذا كانت مترابطة ومتماسكة فيما بين أفرادها، فلا يمكن لأمة أن تنهض، وكل واحد من أفرادها ينشد الأنانية والتفرد، ويبتعد عن الجماعة، ويعيش في قصر عاجٍ من  الأفكار البالية ناسياً أو متناسياً أكواخ الفقراء والضعفاء، ونحن عندنا شهر رمضان شهر القوة والعمل والتكافل الاجتماعي على كل الأصعدة، فمن فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، ولو كان هذا الإفطار على شربة ماء أو مذقة لبن، ما أجمله من شعور، وأنت تشعر بإخوانك من الفقراء والمحتاجين، ما أجمله من خلق في هذه الأزمة أن تحمل بيدك بعضاً من الطعام أو التمور، وتجول به على حواجز الجيش العربي السوري لتفطر الصائمين المرابطين لحمايتك، ولكي تفطر بأمن وأمان في بيتك ومع زوجتك وأولادك، جميل أن تأكل في رمضان مما لذ وطاب من الطعام، ولكن الأجمل أن تشارك الفقراء في طعامك وتجالسهم، وأن تتذكر أيتام وأبناء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لنا جميعاً في هذا الوطن، جميل ألّا ننفصل عن الناس، وننشغل بالتنظير غير المفيد والذي يؤدي إلى هلاك الأمة ودمارها، وهذا ما حذّرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم ).

مجال للمغفرة بالمجان
وأكد الشيخ السيد أن شهر رمضان مجال للمغفرة بالمجان مستشهداً بذلك على قول النبي(ص): (رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له ) فهو مجال مفتوح لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا، ولكن لمن هذه المغفرة: هل لمن أمضى ليله ساهراً؟ أو لمن أبقى نهاره نائماً؟ أو على إخوانه مغتاباً؟ أو للذي على جواله لاهياً ولاعباً ؟ أو للذي لرحمة ربه قاطعاً …؟ أو للذي لربه غاضباً، ولقرآنه هاجراً ولنبيه ناسياً ..؟ هذه المغفرة التي جعلها الله هي لمن أعطى لله حقه في العبادة والصيام والقيام، لأن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي حدد هذه المعايير في قوله : (الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه).

شهر التواصل
لم يغفل مدير الفريق الديني الشبابي في حديثه أن صلة الأرحام خلق اجتماعي رفيع دعا إليه الإسلام، وحض عليه في كثير من الآيات والأحاديث، قال الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى)، ويقول النبي (ص): (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: هو لك).
ولصلة الأرحام صور كثيرة أشار إليها السيد بكلامه، ومنها زيارة الأرحام وتفقد أحوالهم، توقير كبيرهم، والرحمة على صغيرهم، والصدقة على المحتاج منهم، وقد خص النبي عليه الصلاة والسلام الصدقة على الأرحام بقوله: (إن الصدقة على المسكين صدقة، وإنها على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة)، بل إن صلة الرحم سبب في زيادة العمر، والبركة في رزقه وماله، لذلك بشرنا النبي (ص) بقوله: (من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه)، وأضاف السيد: كثرة الانشغالات بالدنيا وأمورها أبعدتنا وأنستنا بعضنا البعض، فهذا مشغول بعمله، وذاك بمتجره، وثالث بأهل بيته، ورابع بتأمين مستلزمات معيشته، فها هو رمضان الخير فرصة كبيرة لتوثيق عرى التواصل بين الناس عامة، وبين الأقرباء على وجه الخصوص، حتى تعود المحبة فيما بيننا، كما كنا من قبل.

قطيعة الأرحام كبيرة
أما بالنسبة لقطيعة الأرحام فهي كبيرة من الكبائر، حسب تأكيد الشيخ السيد، مستشهداً بقول النبي (ص): (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي، وقطيعة الرحم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (فاقرؤوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)، بل إنها حائل بين الإنسان وبين دخوله الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع)، ونلاحظ بعض الناس في هذه الأيام يتحجج عن عدم صلته لأقاربه بأنه يصلهم وهم لا يصلونه، وهذا خطأ كبير في الفهم لمعنى صلة الرحم الذي وضحه النبي (ص) فقال مميزاً ومفرقاً بين هذين النوعين: (ليس الواصل بالمكافئ)، فإن ترد الزيارة بالزيارة، والصلة بالصلة، فهذا مبدأ المكافأة، وليست صلة.

شهر الإنفاق
عن ابن عباس قال: كان رسول الله (ص) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فرسول الله (ص) أجود بالخير من الريح المرسلة.
ولفت السيد إلى أن من أجمل ما في رمضان هو الشعور بحال الفقير المعدم، والوقوف بجانبهم، مع مراعاة لمشاعرهم، ولذلك شرعت صدقة الفطر في رمضان، ولكن نقف مع الصدقة عند نقطتين، الشيء الذي تحبه، والشيء الذي تطمح نفسك إليه، الشيء الذي تختاره لنفسك، الشيء الذي هو موضع إعجابك، هذا الذي ينبغي أن تنفقه، قال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، ومن توجيهات الله عز وجل في الإنفاق قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى)، فإن أنفقت نفقة حاول أن تنساها كلياً، أما كلما التقيت به تقول له: لعل هذا المبلغ فرّج همك؟ يقول لك: بارك الله فيك، تفضلت علي، التقيت به مرة ثانية: لعلك سررت بهذا المبلغ؟ لا تتبعوا صدقاتكم بالمن والأذى، ما دمت أنفقت في سبيل الله فالله عز وجل يحفظ لك عملك من دون أن تستجدي مديح من أنفقت عليهم، إن فعلت معروفاً فحاول أن تنساه كلياً، وإن فُعل معك معروف فلا تنسه حتى الموت.
دارين محمود حسن