نبحث فيها صور السيلفي.. توثيق للحظات والنشاطات اليومية.. ومحاكاة “للأنا الجسمية”

نبحث فيها صور السيلفي.. توثيق للحظات والنشاطات اليومية.. ومحاكاة “للأنا الجسمية”

شعوب وعادات

الخميس، ١١ مايو ٢٠١٧

في بهو مقصف جامعي تجلس راما مع صديقتها على أحد المقاعد ممسكة بعصا “السيلفي” التي اشتهرت مؤخراً بين فئات الشباب، وتبعد بواسطتها هاتفها مسافة مناسبة لالتقاط صورة شخصية، تنظر للهاتف قليلاً، وتعيد العملية مرة أخرى بعد أن ترتب على عجل تسريحة شعرها بيديها، وبعد أكثر من محاولة تضع هاتفها في حقيبة صغيرة تحملها، ثم “تلكز” صديقتها المنشغلة بالتفاعل مع برنامج دردشة، أو لعبة على جوالها ربما، ويبدأ حديث بينهما، والصورة السابقة هي من الحالات الكثيرة التي باتت مألوفة، ويمكن ملاحظتها بين أوساط جيل الشباب وتجمعاتهم في الجامعات، والمقاهي، والأماكن العامة مع انتشار أجهزة الهواتف الذكية، وغيرها من أجهزة الكترونية حديثة أتاحت لهم أخذ صور شخصية كثيرة وبكل سهولة، لكن السؤال: أي أثر لتلك الصور في شخصية جيل الشباب؟ وما هي دلالات تأثيرها في سلوكهم، خاصة مع الهوس الموجود عند البعض بالتقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي؟.

حالات “فيسبوكية”

ويبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الميدان الأكثر استقطاباً لموجة انتشار صور “السيلفي” التي تحولت لهاجس عند الكثيرين من جيل الشباب، ذكوراً وفتيات على السواء، ففي تلك الصفحات والمواقع يحظى هؤلاء الشباب بالإعجاب والثناء والتقدير من متتبعيهم، أقارب كانوا، أو أصدقاء، أو أشخاصاً افتراضيين، يتحدث أنس، وهو طالب في المرحلة الثانوية يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، عن قيامه بتغيير صورته الشخصية بشكل يومي في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، ويبرر الفتى اليافع تصرفه هذا بالقول: بهذه الطريقة أستطيع أن أوصل الحالة المزاجية التي أعيشها لأصدقائي في حالة الغضب، والفرح، والحزن، والاندهاش، إلى آخر تلك الحالات، فالصورة- يوضح أنس- أصدق الوسائل للتعبير، وبالطريقة نفسها تتحدث ألما، ابنة العشرين عاماً، عن لقطات فريدة ومميزة تلتقطها بين الحين والآخر لنفسها وتنشرها على صفحتها الشخصية في الفيسبوك لتكون محط إعجاب صديقاتها، تقول إنها في إحدى المرات لونت وجهها بطريقة مضحكة، ورسمت ما يشبه شكل القطة باستخدام أقلام التلوين، ثم صورت نفسها ونشرت الصورة التي حظيت بـ 140 إعجاباً، وهو أكبر رقم لتسجيلات الإعجاب على الصور التي تنشرها على صفحتها.

موضة العصر

والملفت أن انتشار صور “السيلفي”  لم يعد مقتصراً على جيل الشباب ومتتبعي التكنولوجيا وحسب، فالكثير من الفنانين والشخصيات المشهورة وغيرهم درجوا على استخدام هذه الطريقة من التصوير ونشرها في مواقع الأنترنت والأخبار التي تتحدث عن جديدهم، وتزخر المواقع الالكترونية يومياً بعشرات الأخبار التي تتحدث عن جديد هذه الصور، هنا- في أحد المواقع- خبر عن فنانة التقطت صورة سيلفي عند استيقاظها من النوم، وهناك- في موقع آخر- خبر طريف آخر عن “سيلفي” جماعي يودي بحياة مجموعة من السياح، حتى الأغاني الشعبية رصدت هذا النوع من الصور المنتشرة في أوساط الجيل الجديد، تغني “أليسا” مثلاً لمرآتها، ويصف محمد اسكندر الناس بالجنون حين يستدل على ذلك من قيامهم بتصوير أنفسهم، ولا نبالغ حين نقول إن هذا النوع من الصور يمكن أن يطلق عليه موضة العصر، وتجدر الإشارة إلى أن مؤلفي قاموس اكسفورد الانكليزي الذي يعتبر من أكثر القواميس شهرة في اللغة الانكليزية كانوا قد اختاروا مصطلح “سيلفي” ليكون كلمة عام 2013 في القواميس، وأوضحوا أن استخدام تلك الكلمة ازداد منذ عام 2002  بنسبة 17000%.

ما المبرر؟

يضع الدكتور مهند إبراهيم أخصائي علم النفس ثلاث فرضيات محتملة لقيام البعض بتصوير أنفسهم ذاتياً، ويقول: يكون التصوير بداية كنوع من اكتشاف التقنيات الحديثة، فمن سمات الشخصية حب  الاكتشاف لأي منتج جديد، وأول ما يكتشف الشخص يبدأ بنفسه، وقد يكون هذا الأمر مبرراً مبدئياً لاستخدام التصوير بهذه الطريقة، ولكن إذا استمر نشر هذه الصور، وعرضها بشكل يومي تجاوزنا حالة حب الاطلاع والاكتشاف،  وانتقلنا إلى حالات أخرى، حينها يمكن أن تفسر هذه الصور كنوع من حب الذات، أو ما يمكن تسميتها بانعكاس لظهور “الأنا الجسمية”، لأنها تعكس صورة الجسد بما فيه من تفاصيل أمام ملتقطها، وقد تطور هذه الحالة لنوع ثالث من “الأنا المتضخمة”، أو الذات المتضخمة التي تتجلى من خلال حب الظهور، وفرض استخدام هذا الظهور على الآخرين من خلال  التقنية، ونشر تلك الصور على الفيس بوك مثلاً، أو ما شابه، بمعنى أن تكون مجبراً على رؤية الآخر، لكن حتى الآن، فهذا الكلام يبقى في إطار الافتراضات، فالدراسات المحلية الخاصة بهذا الموضوع غير موجودة بعد، ويوضح الدكتور إبراهيم أن دراسات أجنبية غربية ظهرت مؤخراً تحدثت أن التقاط الصور الذاتية يمكن أن يكون مؤشراً لاضطراب عقلي في حال تجاوز الحدود الطبيعية، ووصفت الدراسات هذه الصور بأنها انعكاس لرغبة جامحة في “التعويض عن انعدام الثقة بالنفس، وفجوة في العلاقة الحميمية”.

إيجابيات وسلبيات

بدورها تحدثت الباحثة الاجتماعية في علم النفس خيرية أحمد عن هذا النوع من الصور الذي بدأ بالانتشار لدينا كنوع من محاكاة وتقليد المجتمعات الغربية، وقالت: تفسر الظاهرة كنوع من أنواع الأنانية أو الفردية المتطرفة، كما تعتبر حالة من النرجسية التي تبحث عن هوية ما تفتقده في محيطها، ويجد الأفراد في هذه الظاهرة طريقاً سهلاً للبروز، والتواصل الاجتماعي، والتخلص من بعض المشاكل الاجتماعية والنفسية ومن الفراغ الذي يعانونه، وقد تؤدي هذه الظاهرة أحياناً إلى عواقب نفسية كالاكتئاب، ومحاولات إيذاء لنفس بسبب عدم الرضى عن المظهر الخارجي، وانعدام الثقة بالنفس، والشعور بالتهميش، وضعف الشخصية، والبحث عن الدور الاجتماعي والتقدير للذات، ولفت الأنظار، والبعد عن الأهل، وذلك من خلال الإيماءات الجسدية المبالغ فيها، ومع ذلك قد تزيد أحياناً ظاهرة التصوير الذاتي من الثقة بالنفس، والتخلص من الانطوائية، والشعور بالوحدة والانعزال، وترفع من تقدير الفرد لذاته، وذلك ضمن الحدود الطبيعية وغير المبالغ فيها، بالتصوير الذاتي بحدود 3 صور، وعدم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وختمت أحمد أن انتشار هذه الظاهر بكثرة مؤخراً يمكن أن تعكس حالة العزلة والإحباط لدى بعض الشباب بفعل الأحداث التي نشهدها.

إضاءة

تعرف السيلفي أنها  عبارة عن صورة شخصية يقوم صاحبها بالتقاطها لنفسه باستخدام آلة تصوير، أو باستخدام هاتف ذكي مُجهزة بكاميرا رقمية، ومن ثم يقوم بنشرها على الشبكات الاجتماعية، وعادة ما تكون هذه الصور عبارة عن صور عفوية، لا تتسم بأية رسمية، ويقوم صاحبها بالتقاطها عبر الإمساك بآلة التصوير بيده، وتوجيه الكاميرا إليه، أو عبر توجيهها إلى مرآة عاكسة في حال ما إذا لم يتوفر الهاتف الذكي على كاميرا أمامية، وتعود نشأة هذا النمط من الصور إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وذلك بفضل كاميرات براوني، حيث كان المصورون الذين يلتقطون تلك الصور الشخصية يستعينون بمرايا لالتقاطها، أما عن تسمية “Selfie” فتعود إلى سنة 2002 على المنتدى الالكتروني الأسترالي ABC Online، قبل أن يتم اعتمادها على نطاق أوسع سنة 2012.

محمد محمود