فيلم جنسي كل 39 دقيقة...!!

فيلم جنسي كل 39 دقيقة...!!

شعوب وعادات

الخميس، ٩ مارس ٢٠١٧

أثناء مناظرة دونالد ترامب بقناة فوكس نيوز، وجهت له ميجان كيلي سؤالًا، ذاكرة عبارات قالها سلفًا مثل أن النساء حيوانات مقززة وخنازير وقاذورات، الأمر الذي أثار ترامب ليبدأ هجومه على تويتر ضدها، وفي مناظرته الثانية قال: «كان يمكنك رؤية الدماء تخرج من عينيها ومن أماكن أخرى»، في إشارة لعادتها الشهرية.



ما الذي أعادنا لفتح هذا الموضوع ثانية – رغم أنه لم ينتهِ -؟


يانوش، برلماني بولندي، في سن الرابعة والسبعين، وينتمي إلى اليمين المتطرف قال قبل أيام في جلسة البرلمان الأوروبي «إن المرأة أقل ذكاءً من الرجل، وبالتالي يجب أن تتقاضى راتبًا أقل». هل تعلم عزيزي القارئ أن التمييز بين الرجل والمرأة في مسألة الرواتب متحقق أيضًا في مجال الأفلام الجنسية (البورنو)؟ وهل تعرف أن خطاب اليمين المتطرف الجديد يغذي منذ سنوات الأفكار ذاتها من اضطهاد المرأة وازدرائها وتهميش دورها واعتبارها حلوى نأكلها في الأفلام الجنسية؟


المواد الجنسية غالبًا ما تُصور على أنها واحدة من علل المجتمع اليوم، وبرهان على الانحلال الأخلاقي الذي نقابله في الشارع كل يوم، لكن كيف كل هذه الذكورية، وأغلب النساء يشكون من عدم وجود رجال حقيقيين؟ يقصدن بذلك الرجال كما عرفناهم في الروايات؛ الرجال الذين يخاطرون بحياتهم لمساعدة المحتاجين، وليس هؤلاء الذين يعتقدون أن الرجولة هي اغتصاب النساء في حالة سكر وتهديدهن بالمسدسات في الملاهي الليلية.


كانت النساء أميرات في ديزني، بينما الرجال في هوليوود أغبياء وجهلة وسذج وكسالى عادةً، وهذا ما ظهر في المسلسلات الأمريكية الأكثر شعبية مثل: «فريندز» و«ساينفيلد»، فلماذا كل هذا التمييز بين الرجال والنساء في السنوات العشر الأخيرة؟ وخطابات اليمين المتطرفة سبب أم نتيجة لما يحدث في الغرف الحمراء المغلقة؟


"دائمًا يلعب الجنس دورًا فائق الأهمية في حياة البشر وعلاقاتهم، وكل فعل جنسي بشري دافعه الفضول والرغبة في الاستمتاع". *سيث بروسترمان، المتخصص في علم الجنس والمعالج في سان فرانسيسكو.



رحلة مع تاريخ «البورنوجرافيا»


ظهرت البورنوجرافيا قبل 30 ألف سنة. كان الناس في العصر الحجري ينحتون تماثيل كبيرة الصدر وعريضة الحوض من الحجر والأخشاب؛ وقد أثار تمثال فينوس في علماء الآثار الشك بأنه صمم بهدف جنسي وسط تماثيل للرموز الدينية وأخرى للخصوبة وغيرها، وفي عصور الإغريق والرومان نحتوا جداريات تصور المثلية الجنسية وأنماطًا مختلفة وغير سائدة من الممارسات الجنسية، وفي الهند كانت الكاماسوترا الدليل الجنسي للشعب، وفي بيرو القديمة رسموا مشاهد جنسية على الفخار والسيراميك، في الحين الذي كانت فيه الطبقة اليابانية الأرستقراطية مولعة بطباعة المشاهد المثيرة على الخشب.


يقول جوزيف سليد أستاذ الفنون الإعلامية بجامعة ولاية أوهايو إن «الإهانات السياسية بين الدول كانت تتنكر في زي الإباحية وظهرت في الثورة الفرنسية، حتى إن كتابات الماركيز دو ساد الوحشية الجنسية الشهيرة اتُخذت فلسفةً وقتئذ، وإن اختلفوا مع بعضها».


في القرن الثامن عشر بدأت فكرة «الإباحية من أجل الإباحية»، وقد بدأ من قبل ذلك – في منتصف القرن السادس عشر – ظهور الأدب الجنسي في فرنسا، ولكن أول رواية إباحية كانت من نصيب الإنجليزي جون كليلاند باسم «مذكرات امرأة متعة» ونشرت لأول مرة في لندن في عام 1748، وقد كتبها كليلاند حينما كان سجينًا في لندن، وتعتبر أول عمل نثري إباحي أصلي إنجليزي، وأول مادة إباحية يتم إنتاجها بشكل رواية، جمع فيها بين الجنس الجماعي والمازوخية؛ وبعدها كانت رواية «يا سر الحياة» لمؤلف مجهول عام 1888.


لم تترك الإباحية فنًا إلا وتبعته؛ ففي عام 1839 ومع اختراع لويس داجير التصوير البدائي على ألواح الفضة، انتشرت الصور الجنسية وأكثرها انتشارًا كانت لرجل وامرأة يرتديان من أعلى ملابس رسمية مبالغين في التأنق وفي نفس العمر وهما يمارسان الجنس دون سيطرة أحدهما على الآخر، وجاء فيديو مماثلٌ حوالي عام 1896 واستخدمه صناع السينما الفرنسية وأخرجوا لقطات قصيرة صامتة لأجساد نسائية عارية تظهر جمالها.


في البداية كانت صناعة البورنو تقوم على الاهتمام بالقصة والسيناريو ومشاهد الجنس الاعتيادية إلى حد كبير، يظهر ذلك في إحدى تصريحات ممثلة الأفلام الجنسية الكلاسيكية كاي باركر، صاحبة الأسلوب الذي ينم عن ثقافة ورصانة كبيرة حين قالت: «كان التحدي في هذه اللحظة هو التركيز على الموضوع الذي بين أيدينا وهو الفيلم وتفاصيله التي من الضروري مناقشتها. كنت أمينة مع المخرج في عدم التأكيد على إغراء نفسي بالتعري في واحد من مشاهد الشخصية. مرت سنوات منذ ظهوري بالفيلم كما تغير جسدي وتراجع شعوري بذاتي، لكن على جانب آخر كانت مناقشة المشهد أمرًا رائعًا مع المخرج، أودع السيناريو على الطاولة وتركني».


لفترة طويلة ظلت صناعة البورنوجرافي راكدة في محتواها وجودتها، لا تتطور، حتى عام 1970 حين فتح تغير البيئة الاجتماعية الباب لإخراج أفلام صريحة؛ وشجع على ذلك ظهور الإنترنت والكاميرا الرقمية، وتراجعت الحواجز الأخلاقية، حتى ظهر وقت كرست فيه صناعة أفلام البورنو نفسها لإنتاج أشرطة فيديو جنسية تجارية، ومع هذا التطور أتيحت أقوى صفة لهذه الصناعة وهي «الخصوصية»؛ خصوصية المشاهد، ما جعل الرجال أكثر استعدادًا للمشاهدة بعيدًا عن الأعين في وقت كانت هذه السلوكيات الجنسية غريبة نوعًا ما على المجتمع. ونعم، كان للأفلام الجنسية الكلاسيكية مخرج وسيناريو وتتر به أسماء أصحاب العمل وموسيقى تصويرية مميزة، وكانت كاي باركر أسطورة في هذا الوقت لجسدها المميز وإطلاقها لشعر جسدها دون خجل وظلت محتفظة بمكانتها حتى وفاتها.


«الأفلام المنتجة عام 1994 لم تتضمن البهيمية وجماع الأقارب والاعتداء الجنسي على الأطفال، وصورت أشكال الجنس المعتادة والتقليدية فقط». *دراسة عن جامعة كارنيجي ميلون.


الحجم الفعلي لصناعة البورنوجرافي كبير وغاية في الضخامة لتنوع أشكال الصناعة نفسها؛ في عام 2007 حاولت صحيفة التجارة والصناعة الأمريكية حصر مبيعات الأفلام الجنسية ووجدت أنها تعدت ستة بلايين دولار، من دون أشرطة الفيديو والصور والفيديوهات المنشورة على مواقع جنسية مجانية.


وفي عام 2008، حدث أمر غريب، حيث نشرت مجلة بحوث المراهقين محاولة الباحث سيمون لويس من جامعة مونتريال إجراء دراسة على عدد من شباب الجامعة الأمريكي الذين لم يشاهدوا أفلامًا جنسية، لكنه لم يعثر على المجموعة الضابطة؛ أو بتعبير آخر لم يجد شابًا في العشرينيات من عمره لم يرَ فيلمً جنسيًا.



البورنو.. الركض نحو إثارة الجدل وتسليع المرأة


«كل 39 دقيقة يتم إنتاج فيلم جنسي في أمريكا. كل ثانية يُنفق 3.075.640 على مواقع الأفلام الجنسية ويتابعهم 28.258 شخصًا، منهم 320 شخصًا فقط مسجلًا بوصفه بالغًا». *إحصائية Topteenreview


نتذكرها هنا موقفين لنجمتي أفلام جنسية، أولهما «سارة جاي» والتي نشرت على صفحتها على تويتر فيديو ينقل تعبيرات وجهها المقطوعة من شرائط الفيديو وهي تمارس عملها كممثلة، وكانت كل تعبيراتها بلا استثناء تعبر عن ضيق وتذمر وتثاؤب بينما الرجل يمارس عمله معها بعنف، فلربما يشعرها بنشوة.


الثانية هي «جيانا مايكل»، أيقونة صناعة الإباحية الحديثة، الأنثى المرفهة في كافة أفلامها؛ في أحد المشاهد ظهر على وجهها الامتثال مضطرة لممارسة الجنس بعنف شديد مع ممثل أسود البشرة، وهي التي قلما تمارس الجنس العنيف، ولكن هذه أوامر المخرج.


المنافسة بين المواد الإباحية أدت إلى تقدم ملحوظ في في تفعيل أساليب الهيمنة الذكورية على النساء وسبهن. يقول شينج صن أستاذ الدراسات الإعلامية بجامعة نيويورك إن «الصناعة تحتاج دومًا لأفكار جديدة، أفكار تحريضية، فتراجع احترام المرأة وارتفاع مستوى العدوان عليها كانا الشيء الجديد الذي يقدمونه للجمهور في صناعة الإباحية»، ومن خلال تحليله وجد شينج أن الاعتداء الجسدي واللفظي موجود في 90% من محتوى الأفلام الجنسية الأكثر مبيعًا، وأن الأفلام التي تخرجها النساء حملت عدوانًا أقل بكثير من الأفلام التي يخرجها الرجال، كما ذكر شينج في دورية «علم نفس المرأة» الفصلية عام 2008 أن هذه الصور العدوانية المؤذية تؤثر على حياة الجمهور وتساعد في تنميط صورة سلبية عن المرأة، وأشار إلى أن الأبحاث قد فشلت في رسم علاقة واضحة بين البورنوجرافي والسلوك الجنسي الإجرامي.


«أجرى زيمبادور أيضًا تجربة جاءت نتيجتها مخيفة نوعًا ما، حيث جمع 24 طالبًا لتمثيل أدوار الحرس والسجناء في سجن وهمي في جامعة ستانفورد؛ التجربة التي لم تكمل أسبوعًا بعدما اتبع الحرس أساليب سادية وأصبح السجناء منقادين ومكتئبين»، صحيفة الإندبندنت.



حذر الطبيب النفسي فيليب زيمباردو من تغير الملامح الاجتماعية بين الشباب الأمريكي بشكل جذري، بسبب إدمان الأفلام الجنسية، وقال إن الشباب يواجه أزمة تفشي الذكورية بينهم. في مقابلة أجراها زيمباردو مع تليفزيون بي بي سي عام 2011 تحدث عن نتائج دراسته المتعمقة في حياة 20 ألف شاب وتأثير الأفلام الجنسية عليهم، وقال إن المشاهدة تتم في غرفهم المغلقة معزولين، وتصل في المتوسط لساعتين في الأسبوع، ما يؤثر على سلوكهم وتحصيلهم الدراسي، وتحدث أيضًا عن شاب لا يرى أزمة في تعرضه لنحو 15 ساعة من المواد الإباحية يوميًا وقال إن الأزمة ليست في عدد الساعات ولكن في التغير النفسي الذي يصيب الشبان وتغير وظائف الدماغ.


يشير زيمباردو في دراسته إلى شعور الفتيان بالرفض وعدم قدرتهم على أداء ما يؤديه بطل الأفلام الجنسية؛ ليس هذا فحسب ولكن نسبة 25% من الشباب الأمريكي الصغير مصابون بضعف انتصاب وفق إحصاء عام 2013، يجعلهم عاجزين عن مثل هذا الأداء في مستقبلهم القريب، ولم يستطع زيمبادور الربط بين كثرة المشاهدة والضعف الجنسي، ولكن ألقى باللوم على الصور السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام الأمريكية والتي تصور الرجال بالسذج غير المرغوب فيهم والأنانيين في علاقاتهم الجنسية.


«عمري 28 عامًا ولم أتخيل أني بحاجة لأدوية ضعف الانتصاب، ولأن مجال البورنوجرافي مربح اضطررت لتناول الفياجرا والسيالس. فـ98% من المشهد الجنسي قائم على عملية القذف بشكل أساسي. سمعت عن حقن تؤخذ نصحني بها طبيب مسالك بولية وهي مركب من البابافيرين والفينتولامين، وأتناول حليبًا بالبروتين لأصمد 45 دقيقة أمام الكاميرا دون حوار والمنتج هناك على الكرسي يدخن ويأمرني: اصفعها.. اصفعها»، هكذا حكى داني إيلد، ممثل الأفلام الجنسية عن تجربته.


في نظر العديد من المختصين، فإن الإباحية وجبة نأكلها، بمجرد أن نبتلعها، ويشعر العقل بمتعة من خلالها يكون من الصعب جدًا الاستغناء عنها، وليست مبالغة إذا قلنا إن البورنوجرافي الحديث بدون إدراك لأضراره يمكنه أن يدمر حياتنا دون إدراك منا، إذا أشعرتنا بالاستغناء عن شركاء حياتنا الحقيقيين، فنتسلل من جوارهم ليلًا لمشاهدة فيلم على الإنترنت أو تصفح مجلة مخبأة في السيارة؛ ما قد يصيب حياتنا العاطفية والجنسية بالشلل، بحسب المختصين.


ما نتحدث عنه هو الذكورية، وفي المقابل ما قد تقتله الأفلام الجنسية وإدمانها على خلاف الذكورية هو ما اصطلح عليه في الثقافات الشعبية بالرجولة، بمعناها الفضفاض الأخلاقي، وذلك عبر:


تسليع المرأة: الرجل الحقيقي كما ظلت الثقافات تراه هو ذلك الذي يحترم المرأة ويحترم فرديتها ويراها إنسانًا مماثلًا له وتستحق الاحترام، ولكن في البورنوجرافي تتحول المرأة إلى «شيء» دوره الوحيد هو إشباع رغبات الرجل الجنسية ويلغي أي حاجة للتواصل العاطفي والفكري معها، وإذا أردت معرفة كيف يرى أغلب صناع الأفلام الجنسية المرأة سأطلعكم على رأي بيل مارجورد مخرج وممثل أفلام جنسية، حين يقول: «السبب كله لوجود هذه الصناعة هو إرضاء رغبات الرجل في النساء اللواتي لا أهتم بهن أساسًا، وهدفي أن يجد الرجل في صناعتنا إشباعًا كافيًا وكأنه امتلك الممثلة على سريره».



دعارة تليفزيونية: تشير الأبحاث إلى أن الرجل الذي يستأجر فتاة بغاء لممارسة الجنس، تدفعه أفكار تفتقد اللياقة نحو المرأة في أحيان كثيرة لذلك، وإذا كانت الأفلام الجنسية هي بالأساس دعارة في إطار فني – حتى وإن افتقد الحس الفني فيها في كثير من الأحيان – فالرجل يدفع من أجل ممارسة الجنس ويدفع من أجل مشاهدة امرأة تمارس الجنس، فمن الصعب أن يشعر بالاحترام نحو الممثلات.



فوضى التوقعات: الأفلام الجنسية تخلق توقعات في عقول الرجال عن الحب والجنس، وهي توقعات غير حقيقية تمامًا، مثل أن المرأة دومًا عندها الرغبة الجنسية مشتعلة، ومستعدة لممارسة الجنس بجسم وهيئة مثاليين، وأن النساء لسن بحاجة لتمهيد أو مداعبة أوإظهار لمشاعر الحب، وأنهن على استعداد دائم لممارسة الجنس مع الغرباء مثل الجار والصديق وحتى الأخ وعامل الدليفري والمارة في الشارع، ما يجعل بعض مدمني مشاهدة هذه الأفلام يجدون صعوبة للبدء في علاقة من أي نوع لأن النساء بالنسبة لهم «شريكات جنس وسرير».



استنزاف ثقة الذكور في أنفسهم: فبدلًا من الخروج وتلبية الرغبات العاطفية والجنسية في علاقات حقيقية يتخذون الطريق الأسهل والأسرع بمشاهدة الأفلام الجنسية، وبعد الإشباع يصابون بالإحباط والاكتئاب لعدم وجود شريك حقيقي.



والآن أي احترام يمكن أن تلقاه المرأة بعدما وصلت خطابات العنصرية هذه إلى السرير؟ وهل تلقى المرأة في الغرب تمييزًا عنصريًا عانت منه المرأة العربية قرونًا ويصبح الهم واحدًا، أم أنها تواجهه بالفعل ومنذ وقت طويل دون أن ندري؟