كيف نواجهها؟ الشائعات.. همسات ناقلة للأخبار.. تلاعب بالآمال والمشاعر.. والمصداقية في خبر كان

كيف نواجهها؟ الشائعات.. همسات ناقلة للأخبار.. تلاعب بالآمال والمشاعر.. والمصداقية في خبر كان

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٠ يناير ٢٠١٧

لم تختف أصوات همس الموظفين في ممرات المؤسسة، وبين ثنايا المكاتب أسابيع عديدة، يتبادلون الأحاديث التي تصب في قرار نقل مدير مؤسستهم، والذي بات “بين قوسين أو أدنى حسب توقعاتهم”، وتمضي الأسابيع والشهور، ويبقى المدير في منصبه، وتبقى هذه الأحاديث مجرّد شائعات، اختلقها موظفون رغبة منهم في نقل مديرهم، لكن دون جدوى تُذكر.
وخلال سنوات الأزمة توالت الشائعات التي تتحدث عن زيادة الأجور، وتوالت معها التصريحات التي تنفي تارة، وتؤكد تارة أخرى الزيادات المتوقعة والمترقبة من قبل السوريين، ولم تتوقف الشائعات خلال السنوات الأخيرة عند زيادة الأجور، بل شملت زيادة أجور النقل، وزيادة أسعار المحروقات، وزيادة سعر الخبز، وغيرها من الشائعات التي باتت تشكل جزءاً كبيراً من حياتنا خلال السنوات الأخيرة، ليبقى السؤال هنا، ما هو مصدر هذه الإشاعات التي أثبتت لنا سابقاً أنها تتحول لحقيقة في غضون أسابيع، وأحياناً قليلة تبقى مجرد شائعات، همّها الوحيد التلاعب بأعصاب المواطن الذي لم يعد يقوى على تحمّل أخبار كاذبة بعد.
تضخيم للأحداث
والشائعات ليست وليدة هذا اليوم، وإنما هي معروفة منذ القدم، لكنها أخذت تتطور، وتزداد مع تطور الحضارات القديمة والحديثة، ولعلّ الأزمة التي نعيشها اليوم، شكلت أرضية خصبة لانتشار الشائعات، فمنذ بداية الأزمة لعبت الشائعات دوراً محورياً في تضخيم ما كان يحصل على أرض الواقع، وقد ساعدت وسائل الاتصال والإعلام، وتنوعها، وتعددها عن طريق البث المباشر بوسائله المختلفة، حيث تصل الشائعة إلى من وجهت إليه في زمن قياسي، ما خلق ظروفاً سيئة أحاطت بالجميع، فكثيرة هي الأخبار الكاذبة التي تناقلتها تلك الوسائل، وكثيرة هي الصور الملفّقة التي تم بثها لاستدراج عطف الآخرين، لتكون هذه الوسائل التكنولوجية نقمة على السوريين بدلاً من جعلها نعمة تغيّر مجرى حياتهم.

غياب للإعلام
إن انتشار الشائعة بين أفراد المجتمع له دوافع كثيرة، وهذه الدوافع قد تكون دوافع نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتتعرض الشائعة في أثناء التداول إلى التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص، لكن اليوم، وحسب رأي المواطنين، تتبع العديد من الوزارات والمؤسسات خطة جديدة في نشر الشائعة تمهيداً لجعلها أمراً واقعاً، حيث يتقبّلها المواطن بالتدريج، وبعد فترة يتم بث الخبر بشكل علني وصحيح، وهذا  لم يعد خافياً على أحد، في ظل غياب  تام للإعلام، ليؤكد أو ينفي صحة هذه الشائعات التي يسمعها المواطن، لذا وبرأي المواطنين يجب على المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام أن تعمل على تحليل ومعالجة كل ما يصدر في المجتمع من شائعات، خاصة خلال الأزمات، لأن الشائعة بحد ذاتها تولّد أزمة، وفي حال تفاقمها ستصبح حالة مرضية يصعب على المجتمع مكافحتها.

فكر علمي ونقدي
الشائعات هي جزء من الحرب النفسية التي تسبق الحروب وتلازمها، برأي رشا شعبان” علم اجتماع”، وللأسف تتمكن الشائعات من الشعوب خلال الأزمات والحروب، فتصبح الشائعات “كدس السم في العسل” خلال هذه الفترات، وتلبس ثوب الإقناع أكثر فأكثر، ودوافعها كثيرة، أبرزها الشعور بالنقص، أو الخوف من شيء، ما يرعب الناس، ويجعلهم في حيرة وترقب، والرغبة في لفت أنظار الآخرين، أو بدافع الحقد على المنافسين، أو الأنانية والكره، ولذلك يختلق الشخص الشائعات لتحطيمهم، أو الانتقام منهم، وللشائعات تأثير خطير على المجتمع لما تبثه من فوضى، وعدم ثقة بكل ما يقال، كما تؤثر على الترابط والتلاحم الاجتماعي، وتزرع حالة من الإحباط في نفوس المواطنين، لذا لا بد من محاربة الإشاعات منذ بدايتها، وعدم السماح لها بالاستمرار، ومواجهة من ينشرها بالحقائق من المصدر الرسمي بهدف تحقيق مناعة وطنية لتفويت الفرصة على المغرضين لإيجاد أي ثغرة في جدار المجتمع، وهذا يتم من خلال تنمية التفكير العملي الذي من أبرز خصائصه النزاهة والموضوعية ، فالمشكلة لدينا هي بتفاعل المتلقي، وللأسف الشائعات تنتشر في الشعوب المتخلفة، لذا يجب تحفيز التفكير النقدي لدى مجتمعنا، وهنا يبرز دور مؤسسات الثقافة والإعلام الذي هو سلاح حديث، فبقدر ما كان إعلامنا موضوعياً بقدر ما استطاع تفنيد الشائعات التي تنتشر، لذا فإن وسائل الإعلام ملزمة بنفي الإشاعة فور وقوعها، كذلك لا بد من أن تحوي مناهجنا على وسائل فكر محلل، ناهيك عن أهمية التربية الأخلاقية بالمجتمع، وغرس الصدق والأمانة والنزاهة في نفوس أطفالنا، والخوف على مصلحة بلدهم أولاً وأخيراً.

ميس بركات