البرامج التلفزيونية تحكم سيطرتها على مشاهديها .. وتخترق الحصانة الفكرية والأخلاقية والاجتماعية في المجتمع

البرامج التلفزيونية تحكم سيطرتها على مشاهديها .. وتخترق الحصانة الفكرية والأخلاقية والاجتماعية في المجتمع

شعوب وعادات

الخميس، ١٢ يناير ٢٠١٧

يقول أحد علماء النفس: «إذا كان السجن هو جامعة الجريمة، فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث»..  هذه المقولة  تتضمن الكثير من المعاني، فالطفل يقضي 900 ساعة في المدرسة و1023 ساعة أمام شاشة التلفزيون خلال العام الواحد، كما أظهرت إحدى الدراسات .. أرقام تبدو مخيفة، فالتلفزيون ومشاهدة برامجه بات متقدماً على الدراسة والتحصيل العلمي، فبالرغم من أن مشاهدة التلفزيون هي وسيلة عظيمة الفائدة في التعلم والترفيه، وتربط الطفل كثيراً بالواقع، وتريه من أشكال الحياة والأحداث، ما ينمي القدرات لديه، لكن هناك آثاراً جانبية، تحتم الالتفات لها نظراً لتأثيرها الواضح على صحة عقل وذهن وسلوك وجسد الطفل.. فالأطفال دون سن الثانية من العمر، يجب ألّا يُمنح لهم وقت لمشاهدة التلفزيون، ومن هم فوق الثانية يجب ألا يتجاوز وقت مشاهدتهم التلفزيون ساعة أو ساعتين من البرامج ذات النوعية المناسبة، فجهاز التلفاز دخل كل بيت، وكل غرفة لدرجة أنه أصبح خبزاً يومياً، يتناوله الأطفال مع وجبات الطعام، وآخر ما تلتقطه عيونهم قبل النوم، حيث يتشربون منه سلوكياتهم وأفعالهم اليومية، محاولين تقليد كل ما يصدر عنه دون وعي، ومطبّقين لما يرونه من عنف وضرب مع أقرانهم دون وعي أيضاً.
مسؤولية من؟
أثبتت الدراسات أن برامج الأطفال، تظهر مشاهد عنف أكثر بـ(50 –  60 مرة) من برامج الكبار، ولا يخلو الأمر من أفلام الكرتون التي تتضمن أكثر من 80% مشهد عنف في الساعة.
هذا كله يدعنا، نتساءل أين نحن مما يجري لأطفالنا، هل نحن بالفعل قادرون على صيانة مستقبلهم، وتحديد ما نرغب أن يشاهدوه من برامج أطفال وغيرها من المسلسلات، أم أننا أسرى بالفعل لما تبثه الشاشة الفضية، ولا نملك أي وسيلة لإبعادهم عنها، أو وسيلة معينة للحد من مخاطرها.. ما يظهر حتى الآن، يؤكد أن شريحة الطفولة باتت مسيّرة بالاتجاه الذي وجدت من أجله هذه الفضائيات، وخصوصاً في ظل هذه الأزمة التي نعيشها.. مسؤولية كبيرة في كل ما يحدث بالدرجة الأولى على العائلة “الأب- الأم” التي يجب أن ترعى أبناءها، ومن ثم على القائمين على إعلامنا، الذين عدموا الوسيلة لتكون لدينا هوية إعلامية واضحة لأطفالنا، بل بقوا مكتفين بما تتم ترجمته، أو دبلجته في شركات، همها التسويق والربح فقط، والاكتفاء ببعض المحاولات الخجولة جداً.

سم للطفولة
أفلام الكرتون القادمة من الغرب مدروسة بعناية فائقة وفقاً لأحدث النظريات في علوم الدماغ وآلية عمله، فهي موجهة بشكل يؤدي إلى غرض أساسي وخطير، ألا وهو برمجة عقول هذا الجيل، وخاصة تلك الموجهة للأعمار الصغيرة، فغالباً ما نسمع من بعض الأمهات أن أطفالهم لا يهدؤون إلّا أمام إحدى القنوات الفضائية التي تبث على مدار الساعة برامج ومواد إعلامية ذات إيقاع بطيء وصوراً محددة كبيرة وواضحة، لأن دماغ الطفل الصغير غير قادرة على تحليل الصور السريعة، إذ يبدو تأثيرها في الأطفال كمفعول الإدمان، كما تهدف هذه البرامج من جهة أخرى إلى تقليص مساحة الخيال، فالخيال هنا يقدم كالوجبات السريعة، وهذا أمر خطير، لأن المخيلة كانت وستبقى مخزن الإبداع، كما أن الخيال يساعد الأطفال على تطوير مداركهم وقدراتهم العقلية، كما يساعدهم على تخطي الأزمات، هذا بالإضافة إلى ما تحمله تلك البرامج في طياتها من “سم”، إن صح التعبير، المتمثّل بثقافة العنف، والقبح، والبشاعة، وتمجيد القوة والقتال لأجل الخير، وتوهم الأطفال بأن القوة والعنف هما الحل السحري لكل مشاكل الحياة، وتنمي لديهم العدوانية، كما تروّج تلك البرامج والأفلام لثقافة الكسل والاستهتار!.
ثقافة ممنهجة ومدروسة
علينا الانتباه بشكل جدي ومنتظم وواع لكل ما يقدم للأطفال، إن كان عبر الأغنية، أو القصة، أو من خلال وسائل الإعلام، برأي الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، حيث يتم غزو العقل لتغيير اتجاهاته وقيمه من خلال ما يبث للأطفال، ففي الآونة الأخيرة بتنا نلحظ تغير الثقافة الكرتونية التلفزيونية من ثقافة تنشر حب الأسرة، والتسامح، ومبادئ الصداقة، إلى ثقافة تنشر القيم السلبية، والعنف، وخلال الأزمة وجدنا في فيلم كرتوني موجه للأطفال بعض المشاهد التي تحمل علم الانتداب الفرنسي على سورية، هذا العلم الذي يحمله الآن من خان الوطن، ونرى أحياناً إشارات ورموز الماسونية، وغيرها من الإشارات، والإيحاءات المقبولة في أفلام الكرتون الغربية، وغير المقبولة في ثقافتنا، لذا لابد من مراقبة هذه الأفلام من قبل الجميع، نحن ننتقد الأمهات اللواتي يتهربن من الأبناء ليتفرغن لأعمال أخرى، ويتركن أطفالهن أمام تلك الأفلام لساعات طويلة، وهن بالحقيقة يتهربن تهرباً لحظياً، ولا يعلمن أن هناك تراكماً تربوياً سيصبح عبئاً عليهن في الزمن القادم، وأضافت شعبان بأن ثقافة أفلام الكرتون الأجنبية موجهة سياسياً، ودينياً، وأخلاقياً بكل ما يتنافى مع سياستنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وهي مقصودة وممنهجة لاغتيال عقل طفلنا حتى يصبح غير منتم لوطنه سياسياً، واجتماعياً.

لنا كلمة
لقد أصبح الطفل في عصرنا يحتل المكانة المهمة بين جميع الاهتمامات والبرامج لدى مجتمعات العالم المتطور، ولهذا فتربية الطفل أصبحت من العناصر الأساسية للتنمية البشرية.
إن إعداد الطفل، وتنمية قدراته العلمية والفكرية، ورعايته، يعتبر عاملاً أساسياً، فالرعاية السليمة تمثّل المستقبل لأية أمة، فالطفل بمثابة المادة الخام، نعمل على تشكيل شخصيته تشكيلاً يشمل كافة الجوانب الفكرية، والوجدانية، والسلوكية، والطفولة مرحلة أساسية في عمر الإنسان، فهي مرحلة ضعف بالنسبة له، يحتاج فيها بشكل دائم إلى رعاية، وعناية في كافة شؤونه البدنية، أو النفسية، أو الاجتماعية، فالتوجيه الذي يتلقاه الإنسان في هذا العمر يترك أثراً بالغاً عليه في بقية عمره، سواء أكان ذلك في السلوك، أم في الصفات الشخصية، ومن أهم هذه الوسائل التي يمكن أن تؤدي دورها في جميع وسائل الإعلام بأنواعها المرئية: التلفاز، السينما، الأنترنت.
ميس بركات