فيلم سوري في مهرجان «كان» السينمائي...«متصوّف» العالم قرية صغيرة ليست بمنأى عن أذى الحرب

فيلم سوري في مهرجان «كان» السينمائي...«متصوّف» العالم قرية صغيرة ليست بمنأى عن أذى الحرب

سينما

الخميس، ٢٦ مارس ٢٠١٥

«متصوف» فيلم قصير، مدّته 25 دقيقة، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما 2015، من سلسلة مشروع دعم سينما الشباب، يتحدث بصورة بسيطة ومباشرة عن الحرب التي تعرّضت لها سورية وعن أثرها في حياتنا، لكن بلغة سهلة، يمكن للمتلقي ربط أفكارها مع حقيبة السفر التي رافقت الفنان «محمود الخليلي» في المشهد الأول والأخير، فجاءت الحرب فيصلاً قاسياً بين رغبته في ممارسة نشاطه الخاصّ، الذي اختاره المخرج هنا نشاطاً روحيّاً، بالعودة للجذور والعيش مع الطبيعة، وبين هجوم الحرب والموت الذي طرق أبواب بيوتنا دون استثناء.
 
متصوّف رسالة إنسانية للعالم
وقد التقينا مخرج المتصوّف «محمد موسى»، الذي كتب نصّه أيضاً، ليضيف لنا في تصريح خاصّ لـ«الوطن»: «يحمل فيلم «متصوف» رسالة إنسانية ضدّ الحرب والدمار والأذى، وهي محمّلة بفكرة من الروحانيّة، وتتحدث عن الحرب ومساوئها، وبالذات الحرب القذرة التي تعرضت لها سورية، وجاءت الخطوة بعد دراسة في جوانب مختلفة من التاريخ، فوجدت أن هذه الحرب مختلفة ولا شبه لها في قذارتها مع أي حرب أخرى عاشها الناس سابقاً، والذي أردت قوله من الفيلم أنه لا يمكن لأحد أن يعزل نفسه عن الحرب، فهي لامست كلّ بيت، وكلّ أسرة، وكلّ فرد، بصورةٍ مباشرةٍ، ومن نواحٍ كثيرةٍ، فلا عزلة لأحد عن أذى الحرب، وكذلك الدول، إن كانت مجاورة، أو بعيدة، ستتعرض لهذا الأذى، فالعالم كما يعلم الجميع هو بموقع قريةٍ صغيرةٍ، والنار من الممكن أن تقضي على كلّ بيوتها».
 
السينما توثيق وتصدير
للفيلم صورة توثيقيّة واضحة، ويمكن لأي مشاهد أن يتفهم الورطة التي لحقت ببطل الفيلم، الذي أُسقط في يده إذ تعامل مع ضحيّة مضرجة بالدماء، سقطت على عتبة باب البيت، وما يميّز تسلسل الحدث الدرامي في الفيلم، هو ابتعاد المخرج عن الرمزيّة قدر الإمكان، إلا من لغة بسيطة وسهلة الفهم، إضافة لعمق الفكرة التي اختارها، ما أمكن بناء سلسلة مطولة من الأفكار الرديفة لها عبر مخيّلة المتلقي للصورة، ولدى حديثنا عن أهمية الصورة والتوثيق يضيف المخرج «محمد موسى» لنا: «التوثيق سابقاً كان عبر وسائل مثل العمران والبناء أو النتاج الفكري للحضارة، أمّا حالياً فقد أصبح الفنّ السينمائي جزءاً مهمّاً من هذا التوثيق الفكري، فالصورة توثّق بقوة للحدث، ومع وجود إنتاج كثيف للأفلام السينمائيّة في فترة الأزمة التي يمرّ بها البلد، يمكننا نقل صورة عميقة عمّا أُصبنا به، وعما نعيشه بوجهٍ حقيقي، وأريد أن أضرب مثالاً هنا بأن الأفلام التي ظهرت بعد الحرب العالميّة الثانية كانت سبباً في تشكيل المدرسة السينمائيّة الواقعيّة الإيطاليّة، وأنا أتمنى أن يكون لدينا قفزة في سينمانا، على الرغم من حالة الإبهام التي نعيشها في تشكيل هويّة سينمائيّة سوريّة واضحة، لكن الحركة والمحاولات والعمل والاجتهاد ربما يصل بنا لهدفٍ مهمّ».
 
خدمة البيئة للفيلم
اختار «محمد موسى» مشاهده من بيئة ريفيّة بسيطة، كشكل البيت من الخارج والداخل، وطغيان اللون الأخضر، ووجود النباتات، والزهور، وسور الخشب المتواضع، والحيوانات الأليفة، وغير ذلك من المشاهد التي يمكن مصادفتها في الريف السوري أينما توجّهنا فيه، وبذلك خدم المكان أيضاً فكرة الفيلم في البساطة، ودعوة العين للانسجام مع الحدث، وفهمه أكثر.
 
الجالية السوريّة
في الدانمارك و«كان»
مؤخراً تمّ ترشيح فيلم «متصوف» (Sufi) لمهرجان «كان» السينمائي، ليكون أول فيلم سوري يشارك في ركن الأفلام القصيرة هناك - على الأقل في هذا العام - وعن ضرورة مشاركة الفيلم السوري في المهرجانات ولاسيما في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها الوطن، وأشار المخرج «موسى»: «لدينا ما يقارب 3 آلاف مهرجان سينمائي حول العالم، وهي منابر ثقافيّة بشكلٍ أو بآخر، وبالتالي يمكن أن يرى الفيلم المُنتج عدد كبير من الناس، وهناك مهرجانات تقدِّر بحقّ العمل والتعب، وقد أَنجز فيلم «دوران» للمخرج «وسيم السيّد» العام الفائت جولته في مهرجانات مهمّة مع جوائز مميّزة، ليكون مثالاً جيداً لنا كسينمائيين سوريين، وهذا ما شجّعني على مشاهدة فيلمي «متصوف» من قبل الناس، وكثيرٌ من المهرجانات تقبل الفيلم عبر الإنترنت، وبتكاليف ماديّة بسيطة، وهذه العوامل تسهل العمل والانطلاقة، ومهرجان «كان» السينمائي من أعظم وأضخم المهرجانات العالميّة، وهو تظاهرة سينمائيّة لكلّ العاملين في المجال السينمائي، وفي مهرجان «كان» هناك قسمٌ يدعى ركن الفيلم القصير (short corner) وهو تجمّع ضخم، وفي هذا العام استوعب هذا القسم نحو 2000 فيلم من كلّ أنحاء العالم، وفيه لقاء مهمّ بين الخبرات والشباب الذين سيشكلون مستقبل للسينما الجديدة عالميّاً، فعدم وجود الفيلم السوري في هذا المهرجان شيءٌ مزعجٌ، لكن تواصلي مع أبناء الجالية الدانماركيّة، الذين أخذوا على عاتقهم إيصال الفيلم إلى مهرجان «كان»، واعتبروه عملاً وطنيّاً لبلدهم الأمّ سورية وخدمةً لشبابه، كان هو الطريق المباشر الذي وصلني بالنتيجة لوجود فيلم «متصوف» في مهرجان «كان» السينمائي.
 
معاناة حقيقيّة
يعاني اليوم المخرج السينمائي «محمد موسى» من مسألة دقيقة، فبعد إنجازه لمرحلة مهمّة تجسّدت في الموافقة على وجود فيلمه بين قائمة الأفلام المشاركة في المسابقة هناك، وهذه المعاناة تتجلى في عدم مقدرته على السفر إلى فرنسا، فيقول: «هناك إصرارٌ من إدارة ركن الفيلم القصير لمهرجان «كان» السينمائي، لحضور الفاعليّات فقد تمّ توجيه الدعوة عبر المراسلات وأصبحت «الفيزا» جاهزة إلى فرنسا، وما يزعجني اليوم هو عدم توافر تكاليف السفر إلى «كان» ومع كلّ أسف، وعلى الرغم من الموافقة على الفيلم والمشاركة من المتوقع حتى الآن البقاء هنا في سورية، في حين فيلمي موجود في المهرجان، وكلّ ذلك بسبب الحالة الماديّة».
في نهاية لقائنا توجّه المخرج الشاب «محمد موسى» بشكره لقسم الإنتاج، في المؤسسة العامة للسينما، الذين قدّموا مساعدتهم لتذليل كلّ العقبات التي واجهت تصوير الفيلم، وبقي أن نذكّر أن الفيلم من تمثيل الفنان «محمود الخليلي» والفنان «علي الماغوط» وكتابة وإخراج «محمد موسى»، وإدارة التصوير والإضاءة «باسل سروالجي»، ومساعد المخرج «مضر رمضان»، والموسيقا للفنان «سمير كويفاتي»، والغناء للفنان «أحمد حجاز»، والمونتير «علي ليلان»، مهندس الديكور: «سامي حريب»، ومهندس الصوت: «فراس كريم»، وترجمة الفيلم للغة الإنكليزية «صوفيا الحاج».