«مهرجان السينما الأوروبية» الـ٢١.. اضطرابات نفوس واكتشاف حكايات

«مهرجان السينما الأوروبية» الـ٢١.. اضطرابات نفوس واكتشاف حكايات

سينما

الاثنين، ١ ديسمبر ٢٠١٤

 لا يُمكن إجراء مقارنة بين «مهرجان السينما الأوروبية» في دورته الـ21 (26 تشرين الثاني ـ 8 كانون الأول 2014)، و»معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في عامه الـ58 (28 تشرين الثاني ـ 11 كانون الأول 2014)، اللذين يُنظّمان سنوياً في موعد واحد. النشاطان ثقافيان، وإن كان الأول بصريّاً. النشاطان ثقافيان، لأنهما يسعيان إلى إشاعة مناخ يُفترض به أن يكون صحّياً على مستوى المعرفة والوعي والجماليات الكامنة في صناعتي الصورة والكلمة المكتوبة. لكن المقارنة بينهما لن تكون لصالحهما معاً، لأنهما مختلفان تماماً في مستويات عديدة تؤكّد تقدّماً ثقافياً وفنياً واضحاً للمهرجان على المعرض: المضمون الثقافي للمهرجان محتفظٌ بنقاء إبداعي وصفاء معرفي جدّي، عبر خيارات سينمائية تكشف شيئاً متنوّع الأشكال والحكايات من حيوية الإنتاج البصري في القارة القديمة؛ بينما المعرض مستمرٌّ في رتابة أنشطته اليومية، الفاقدة غالبيتها الساحقة كلّ جديد يُذكر. القادمون إلى صالتي سينما «أمبير» (مركز صوفيل، الأشرفية) يريدون المُشاهدة ومحاولة التفاعل الثقافي مع صناعة سينمائية أوروبية، وليس التنزّه وادّعاء حضور ثقافي، على غرار زوّار كثيرين جداً للمعرض، يكتفون بتمضية وقت ما في مكان يختلف عن أمكنة يعتادونها على مدار العام. بهذا المعنى، فإن الأرقام الكبيرة التي تطرحها إدارة المعرض بخصوص الوافدين إليه في كل دورة تبقى أقلّ أهمية وقيمة من الأرقام القليلة الذاهبة إلى المهرجان. ذلك أن المهتمّين بالسينما يدفعون مبلغاً من المال (5 آلاف ليرة لبنانية فقط) لمشاهدة الأفلام، بينما الـ»متنزّهون» في أروقة «بيال» لا يدفعون «فلساً» واحداً إن أمضوا نهاراً كاملاً فيها، أو ربما يدفعون القليل لشراء مأكل أو مشرب وهم يتجوّلون بين المنصّات كمن يتسوّق في مجمّع تجاري استهلاكي من دون أن يشتروا شيئاً. أما الحريصون على اقتناء كتب معينة، وعددهم قليلٌ أصلاً، فهم خارج «الزمن الراهن» للمشهد «الثقافي» المحليّ.
معرض الكتاب العربي الدولي هذا فاقدٌ خصوصيته وتمايزه في المشهد المحلي، لانغماسه في روتين قاتل، بدلاً من تحقيق تغييرات جذرية، تتناول آلية تسويق الكتب الجديدة، وتنظيم ندوات أكثر حيوية وتلاؤماً مع العصر الراهن بأسئلته الكثيرة، وتحريض الشباب على المُشاركة الفعلية بندوات تناقش همومهم وحكاياتهم وهواجسهم وتطلعاتهم وأفكارهم وأحاسيسهم. هذا مثلٌ يُمكن سوقه في سؤال التجديد المطلوب لمعرض لم يعد له شيء يُذكر سوى فصول قديمة من تاريخ قديم. أما المهرجان، فعلى الرغم من ثباته في آليات تنظيمه وخياراته ويومياته، إلاّ أن طبيعة مضمونه عاملٌ أساسيّ مُساعد على اكتشاف الجديد، أو بعضه على الأقلّ، وعلى التفاعل معه بلغة عصرية وحيوية وجميلة.
أياً يكن، يستمرّ «مهرجان السينما الأوروبية» في استقبال مُشاهدين متحمّسين لفعل المُشاهدة. في الأيام السابقة (27 ـ 29 تشرين الثاني 2014)، عديدة هي الأفلام. عديدون هم القادمون إلى مشاهدتها. الأيام المقبلة حافلة بالعناوين، هي أيضاً. اليوم الاثنين (1 كانون الأول 2014)، هناك ستة أفلام تُعرض في الصالتين: «جيّد أن تذهب» (سلوفينيا، 2013) لماتفز لوزار و»المؤامرة» (سلوفاكيا، 2013) لغبريال هوستاج ورومان لازار (5،30 بعد الظهر)، و»مسدس في كل يد» (إسبانيا، 2012) لتشيك غاي و»يومان، ليلة واحدة» (بلجيكا ـ فرنسا ـ إيطاليا، 2014) لجان ـ بيار ولوك داردن (8 مساء)، و»العجائب» (إيطاليا ـ سويسرا ـ ألمانيا، 2014) لآليس روهاشر و»ماري كرويير (دانمارك ـ السويد، 2012) لبل أوغست (10،30 ليلاً). الأول يتابع تفاصيل سيرة مدرّس موسيقيّ في سبعينيات عمره، يحاول العثور على معنى آخر للحياة، أو لما تبقى منها. الثاني يقف في منتصف المسافة بين الخياليّ والواقع، بسرد حكاية رجل يعاني اضطرابات ذاتية، يجد نفسه في رحلة بين الحقيقيّ والماورائيّ، بعد عجز عرّافة عن إكمال تنبؤاتها حوله. الثالث يجمع حكايات أصدقاء يعانون اضطرابات ومشاكل ومآزق متعلّقة بالزواج والحبّ والفقدان والهزيمة والخيانة وغيرها. الرابع يرسم لوحة لمعنى الزمالة، عبر قصّة ساندرا التي تقع ضحية أطماع زملائها في العمل، المتوافقين على طردها منه، والساعية هي إلى إقناعهم بإبقائها معهم. الخامس معقود على عائلة مقيمة في مزرعتها، وباحثة عن منفذ لخلاص، مع أن البحث طريقٌ إلى ما يُشبه التفكّك الداخلي، بينما العجائب الموعودة جزءٌ من فانتازيا الواقع. أما السادس، فمنخرط في الاستعادة السينمائية لأحد فصول سيرة الرسّام الدانماركي س. كرويير، وعلاقته بماري.
هذه نماذج. أيام المهرجان السينمائي الأوروبي مستمرّة في ضخّ عدد لا بأس به من الأفلام المتنوّعة. النقاش مستمرّ بدوره أيضاً.