«يحدث في غيابك».. عندما تعالج السينما الألم بالحب

«يحدث في غيابك».. عندما تعالج السينما الألم بالحب

سينما

الأربعاء، ٤ ديسمبر ٢٠١٩

للسينما خصوصيتها وأسلوبها وحكايتها الخاصة في منطق معالجة أي موضوع تتناوله لأن السينما كالسماء المفتوحة فكل الاحتمالات والتطورات واردة ولا تقف عند حد معين.
أما في فيلم «يحدث في غيابك» للمخرج سيف الدين سبيعي والذي أطلقته المؤسسة العامة للسينما قبل أيام فقد اختار سبيعي والكاتب سامر محمد إسماعيل أن تكون حكايتهم بين جدران منزل على خطوط النار والألم فحكاية شريط كامل لمدة ساعة وأربعين دقيقة تقريباً تدور بين هذه الجدران بكل ما تحمله من ذكريات وألم وحب وحتى الأمل.
وتدور حكاية الفيلم حول قصة حقيقية وواقعية وهي قصة صحفي تتعرض زوجته وابنه للاختطاف من الجماعات التكفيرية في مدينة حمص فيقوم باختطاف فتاة ويرفض إعادتها حتى يستعيد زوجته المعلمة وابنه الرضيع لتبدأ الحكاية بينه وبين الفتاة المختطفة التي يشوبها الكثير من القلق والخوف ولتنتهي كما يجب أن ينتهي إليه الحال في وطننا وبالرسالة التي يقولها السوريون إنه بالحب وحده ووحده فقط نستعيد الحياة ونبني الوطن.
ضمن هذه القصة تدور أحداث الفيلم وقصته ضمن منطق صراع مع الآخر وصراع مع الذات بالوقت نفسه تبدو قصة الفيلم موجعة حد التعب وتمر بتحولات درامية كبرى على صعيد البناء النفسي للشخصيات وطريقة تعاطيها مع هذه التحولات.
ففي القراءة الفنية والنقدية للفيلم يتعامل سبيعي مع روح المكان وروح الشخصيات فيعطي للمكان حريته على صعيد الديكور البسيط وموسيقى زياد الرحباني قد يبدو مبالغاً فيه أن يكون هناك منزل في منطقة حرب لم يتعرض للدمار أو التهديم الجزئي ولكن في الحرب كل شيء ممكن فقد يكون المنزل نفسه على خطوط التماس الأولى لأن الحروب مجنونة ولا تقوم على قواعد ثابتة وبالتالي فإن احتمالية تواجد هذا البيت ممكنة جداً وغير ممكنة بالوقت نفسه لسبب بسيط.. «أنها الحرب».
يبدو سبيعي القادم من عالم الدراما ممسكاً بالخطوط الدرامية وحتى طريقة التعاطي بين الخاطف والمخطوفة وما مرت به من لحظات خوف وانتقام وقلق كانت تتحول بمنطق وواقعية إلى حكاية تعايش مع الحالة ومن ثم تعاطف وصولاً إلى الحب فيعيش المشاهد مع قصة في مكان واحد لمدة ساعة وأربعين دقيقة دون أن يشعر بالتذمر وإن كان بالإمكان أن يتم تقصير الشريط حتى تصبح الحكاية أسرع وأسلس بالمقابل تبدو حركة الكاميرا مدروسة وتلتقط تفاصيل المكان بعناية وتحاول أن تنقل ما يجول في خواطر الشخصيات بالتزامن مع صورة المكان ولعل حضور كل من الفنانين جلال شموط وعبد الرحمن قويدر في الفيلم والنكهة الكوميدية التي أضافاها بحضورهما خلال قيامهما بسرقة أغراض المنزل كسرت الرتابة وأعطت جرعة من الابتسامة للمشاهد ليفرغ قلبه ويعود لاجترار الألم من جديد.
أما على صعيد أداء الممثلين فبالتأكيد بدا واضحاً العمل الكبير الذي قدمه المخرج لتصعيد أداء الممثلة اللبنانية ربى زعرور التي تصدت لبطولة الفيلم إلى جانب الفنان يزن الخليل وخصوصاً على صعيد اللهجة التي اقتربت بشكل كبير من اللهجة السورية البيضاء مع بعض الهنات هنا وهناك بالمقابل لا يبدو يزن الخليل بأفضل أحواله في عدد من المشاهد وخصوصاً في مشهد سماعه خبر قتل زوجته على يد التكفيريين ولكن سرعان ما يستعيد عافيته في مشهد يحادث فيه «اللـه» على سطح بيته.
وربما كان للهجة الحمصية خصوصيتها ولكن وجهة نظر صناع الفيلم بانعكاس الفيلم على الوجع السوري تبدو محقة ولكن كان الأجدر بهم ألا يحددوا مكان سير الحدث حتى لا يكونوا مجبرين على الالتزام بتفاصيل تخصه من جهة اللهجة وغيرها.
بالمقابل يبدو اختطاف الصحفي لتلك الفتاة والطريقة التي أديرت بها عملية الاختطاف منطقية جداً لجهة التعاطي مع أسلوب الاختطاف فالخاطف ليس محترفاً لأنه قام برد فعل إنساني لا يعرف تفاصيله ولا حتى نهايته فتعامل معه بحذر وقلق مع غياب تفاصيل تتعلق بعملية الاختطاف وهذا جد منطقي لأنه بالنهاية وكما أسلفنا فهو ليس خاطفاً «محترفاً».
باختصار لا يمكن القول إن الفيلم هو استثنائي فلا يخلو من الهنات في بعض المشاهد كما أسلفنا وحتى الهنات المتعلقة بتحديد المكان ولكنه الخطوة الأولى للمخرج سيف الدين سبيعي وتمكن من تجاوزها بنجاح بالنظر إلى خصوصية التجربة فالكثير من المخرجين لا يحبذون الخوض في أفلام بشخصيتين في مكان واحد وبتحدي الرتابة والملل ولكن بالنهاية سيكون لشباك التذاكر كلمته أيضاً عند بدء العروض التجارية للفيلم فالجمهور قادر على التقاط حتى أدق خصوصيات الفيلم.