«مهرجان أجيال»: الحرب والتطرف... وأسئلة الهوية

«مهرجان أجيال»: الحرب والتطرف... وأسئلة الهوية

سينما

الاثنين، ١١ ديسمبر ٢٠١٧

اختتمت أخيراً النسخة الخامسة من «مهرجان أجيال السينمائي» في الدوحة في قطر. كما يوحي اسمه، يهتم المهرجان بسينما الأطفال لكن ليس حصراً، فاهتمام المنظمين ينصبّ أكثر في تنمية الذائقة السينمائية للجيل الناشئ. خصوصية المهرجان تعود إلى كون أعضاء لجان التحكيم المقسمة إلى ثلاث بحسب المسابقات الرسمية هم من الأطفال والشبان والشابات اليافعين الذين تراوح أعمارهم ما بين الثامنة و21 عاماً.

يعود لهؤلاء مهمة اختيار الأفلام الفائزة، باستثناء لجنة تحكيم برنامج الأفلام القطرية التي ضمت هذه السنة المخرج اللبناني إيلي داغر، ودانا مادو، والممثل القطري صلاح الملا. ورغم أن المهرجان ارتبط بعالم الطفولة منذ نشأته، إلا أن برنامج الأفلام، بخاصة ركن الأفلام القصيرة أو حتى الطويلة يضم أعمالاً سينمائية تتوجه للجمهور الواسع كما «البحث عن أم كلثوم» لشيرين نشأت أو «في حب فنسنت» لدوروتا كوبييلا وهيو ويلتشمن أو «الاختفاء» لعلي أصغري.
مديرة المهرجان والرئيسة التنفيذية لـ «مؤسسة الدوحة للأفلام» فاطمة الرميحي تقول إنّ هدف المهرجان استقطاب جمهور محلي جامع لا ينحصر بفئة عمرية معينة، إلى جانب ترسيخ صناعة سينمائية محلية.
سينما التحريك كانت بارزة هذه السنة منذ الافتتاح مع فيلم «المعيل» للمخرجة نورا توماي (إنتاج أنجلينا جولي ـ حاز جائزة أفضل فيلم طويل في «فئة الهلال» في المهرجان). تدور أحداث العمل في أفغانستان مع البطلة الطفلة بارفانا التي تعيش مع عائلتها في كابول في ظل سيطرة جماعة «طالبان» وقمعها للحريات إلى جانب رعب الحرب والقصف الأميركي. بعد اعتقال والدها، تواجه بارفانا خطر الموت جوعاً هي ووالدتها وإخوتها جراء ترهيب «طالبان» التي تحرم خروج المرأة من بيتها والعمل وحتى شراء الحاجيات. لا تجد بارفانا حلاً غير التحول إلى صبي كي تتمكن من التنقل بحرية وشراء الطعام لعائلتها.

لعل أبرز ما يلفت في الفيلم هو خلفية المدينة المحاكة بكل تفاصيلها بعناية لتقدم رسماً جميلاً عن كابول. يتفاعل المشاهد حسياً مع المكان وهندسة المدينة من خلال زوايا اللقطات وتصميمها، ورحلة البطلة اليومية بحثاً عن أبيها وعودتها خائبة إلى منزلها. تفاصيل المكان مرسومة بحساسية تفوق رسم الشخصيات وتعابير الوجوه التي هي جميلة، لكن أكثر تبسيطاً. ذلك التفاوت أو التناقض يظهر أيضاً في جمالية الألوان المختلفة التي تفصل الشخصيات عن المدينة. بينما تأتي الأولى أكثر صخباً، تبدو المدينة باهتة وأكثر قنوطاً. تناقض يعبر إلى حدّ ما عن المسافة ما بين الحكاية الخرافية والواقع.
من ضمن أفلام التحريك الطويلة عرض «في حب فنسنت» (حاز جائزة أفضل فيلم طويل في فئة «بدر» في المهرجان) لدوروتا كوبييلا وهيو ويلتشمن، علماً أنّ عروضه ما زالت مستمرة في لبنان. أكثر من ١١٥ رسّاماً عمل في هذا الفيلم لرسم كل لقطة منه بأساليب مستوحاة من فان غوغ. الفيلم تجربة غير مسبوقة في السينما. بمتعة وذهول، نشاهد شخوص وطبيعة فان غوغ تتحرك بخطوطها وتفاصيل تلوينها وظلالها أمام ناظرينا. يتناول الشريط الأيام الأخيرة من حياة الرسام الهولندي وحادثة انتحاره، من خلال شخصية ابن ساعي البريد الذي يبحث عمن يتسلم رسالة فان غوغ الأخيرة بعد موته، فإذا به يجد نفسه في خضم حياة فان غوغ. يشكك في رواية انتحاره، ويهيأ له أنّه مات قتلاً تبعاً لكل الظروف التي أحاطت بالحادثة. شخصيات كثيرة يصادفها، رافقت فان غوغ في أيامه الأخيرة، ضمن بورتريهات بصرية مستوحاة من لوحاته، فيما السرد الروائي يحاول أن يفكك طبيعة العلاقات التي جمعت فان غوغ بهذه الشخصيات ومكانتها في حياتها: الدكتور الذي كان يعالجه، ابنة الطبيب الذي يشاع أنه ربطتها علاقة عاطفية بفان غوغ، عاملة النزل الذي عاش فيه، أخوه الذي توفي بعده بأشهر وكانت علاقتهما جد وثيقة، إذ كان فان غوغ يكتب له يومياً رسالة. تكتسب اللوحات حياة أخرى من خلال الفيلم. لكن رغم اختلاف تعابيرها وتحركاتها وتتابع اللقطات، إلا أنها أيضاً سجينة اللوحة التي خرجت منها، تلك اللقطة الواحدة أو الحالة التي تسكنها، فتبدو من خلال الخطوط والألوان المتحركة كأنها قيد الولادة باستمرار. وفي فئة «محاق» في المهرجان، حاز «على حد البصر» للمخرج يواكيم دولهوف وإيفي غولدبرنر، جائزة أفضل فيلم طويل. الشريط يروي قصة صبي يبحث عن أبيه بعد وفاة أمه. إلا أنه لدى التقائه به، تخيب توقعاته، إذ أن الأب باختلافه الجسدي لا يلائم صورته المتخيلة عنه.
من بين الأفلام القصيرة، فاز «غنّي» للمخرج كريستوف دياك عن «فئة محاق». يروي العمل قصة فتاة صغيرة تحلم بالغناء رغم قمع المعلمة لها. وعن «فئة هلال» أفضل فيلم قصير، فاز «ماريه نوستروم» (إخراج رنا كزكز وأنس خلف) الذي يتناول بأسلوب رمزي مأساة الواقع السوري من خلال قصة أب يتصرف بطريقة غريبة مع ابنته ويبدو كأنه يحاول إغراقها. أما في «فئة بدر»، ففاز الفيلم القصير «كلنا» (إخراج كاتيا بنراث) الذي تدور أحداثه في كينيا عن حافلة تتعرض لهجوم إرهابي. يذكر أن فيلم التحريك «صمت» للبناني شادي عون شارك في «مسابقة بدر» أيضاً.
من خلال الأفلام المشاركة التي وصلت إلى 100 عمل في فئات المهرجان المختلفة، يحاول المشاهد تبيان هواجس مخرجيها، ومخرجاتها اللواتي كنّ لهن الحصة الأكبر من الأفلام. العلاقة مع مدينة هي دائماً في طور البناء، والفورة العمرانية التي تشهدها، والتفاوت بين ماضيها وحاضرها، والبحث عن هوية جامعة قد تكون أبرز المحاور التي ركزت عليها هذه الأفلام.