أرقام إيرادات الأفلام ليست فوق الشبهات

أرقام إيرادات الأفلام ليست فوق الشبهات

سينما

الأربعاء، ٦ يناير ٢٠١٦

في الأول من كانون الثاني 2016، يُعلَنُ عن الأفلام اللبنانية والعربية والأجنبية ـ المعروضة في الصالات المحلية خلال العام 2015 ـ المُصنَّفة في فئة «أكثر الأفلام إيرادات ومُشاهدة». تضمّ اللائحة 20 فيلماً، بينها 3 أعمال لبنانية: «يلاّ عقبالكن» لإيلي خليفة (86 ألفاً و964 مُشاهداً)، و «شي يوم رح فلّ» لليال م. راجحه (65 ألفاً و40 مُشاهداً)، و «السيّدة الثانية» لفيليب أسمر، الذي بدأت عـــروضه التجارية المحلية في 17 كانون الأول 2015، والذي تابع وقائعَه ـ منذ ذلك الحـــــين ولــــغاية اليوم الأخير من العام المنصرم ـ 57 ألفاً و578 مُشاهداً (لا تزال عروضه مستمرّة).
إيرادات أو مُشاهدة؟
تبوح الأرقام بشيء ما عن المشهد العام. «عدد» المُشاهدين/ حجم الإيراداتــ جزءٌ من عالم المال والأعمال في مجال صناعة السينما. اللائحة المذكورة لم تُحدِّد عدد أسابيع العروض الخــــاصّة بكلّ فيلم، مكتفيةً بتواريخ بداياتــــها. لم تذكر ـ وهذا ليس اختصاصها أصلاً ـ ما إذا تابع هؤلاء جميعهم الفيلم المختار كلّه منذ البــــداية إلى النهاية، أو لا. بالإضافة إلى عدد المُشاهدين في اللائحة، هــــناك تحديد للإيرادات بالعملتين اللبنانية والأميركية. لــــكن تحديداً كهذا لن يُضيف شيئاً على القراءة النقدية المفتوحة على الأفلام اللبنانية بحدّ ذاتها كصناعة بصرية، وعلى علاقة المشاهدين المحليين بها.
ليس الأمرُ خافياً: لم يعُد مشاهدون لبنانيون عديدون يستسيغون انحدار المستوى الفني العام لأفلام لبنانية إلى درجة لا يقدرون على احتمالها. مشاهدون كهؤلاء لا يتردّدون عن الخروج من الصالة بعد وقتٍ قليل على بدء العرض، أو في منتصفه أحياناً. يشترون بطاقات دخول. هذا صحيح. يريدون الاطّلاع على جديد سينما محلية. هذا حقٌّ لهم. لكن المأزق كامنٌ في أن تدنّي المستوى البصري لم يعد مقبولاً، وفي أن الاستهلاكيّ البحت لم يعد مرغـــــوباً، وفي أن التــــجاريّ قابلٌ لأن يكون معقوداً على جــــدّية العـــمل، واحترامه الشرط الإبداعي لصناعة فيلم سينمائي.
هذا ما يؤكّده «فيلم كتير كبير» لميرجان بوشعيا مثلاً. فعلى الرغم من عدم وجوده في لائحة الـ 20 فيلماً، يبرز الروائيّ الطويل الأول لبوشعيا («السفير»، 5 كانون الثاني 2016) كنموذجٍ صادق لسينما حقيقية وواقعية وشفّافة، تحترم صناعة الصورة السينمائية، وتحترم العاملين فيها، وتحترم المُشاهد. يُمكن وصف «فيلم كتير كبير» بأنه «عمل سينمائي تجاري متحرّر من وطأة الاستهلاك البصري المسطّح والفارغ». هذا على نقيض ما يُقدّمه «السيّدة الثانية» مثلاً، المتحدّر من سياقٍ باهتٍ لـ «إنتاجٍ» يبغي ربحاً سريعاً على حساب كلّ شيء فني ـ جمالي ـ درامي مطلوب أساساً في صناعة كلّ فيلم.
نجاحات ملتبسة
إنتاجٌ كهذا متأتٍ من تجربتي «بيبي» (2013) و «فيتنامين» (2014) لإيلي ف. حبيب (إنتاج جمال سنّان، كتابة كلود صليبا، تمثيل ماغي بوغصن) الفاشلتين نقدياً، والـ «ناجحتين» جماهيرياً ضمن مقاييس النجاح الجماهيري الملتبسة أسبابه وآلياته. غير أن «ربحاً سريعاً» كهذا لم يعُد سهلاً كما في السابق. مشاهدون عديدون يُغادرون صالات عرض «السيّدة الثانية» (المعقود على الثنائي سنان ـ بوغصن) بعد وقتٍ على بدايته، وهذا وحده كافٍ للقول إن الأرقام لا تعكس حقيقة الأمر: إيرادات مرتفــــعة، في مقابل «جمــــهور» ينفضّ بعضه عن العمل المسرف في بهتانه البصريّ.
الإيرادات المرتفعة تنبع، أحياناً، من تدخّل المنتج. كلامٌ كثيرٌ يُتَدَاول في سوق العمل السينمائي اللبناني، مفاده أن منتجي بعض الأفلام الاستهلاكية يشترون عدداً كبيراً من بطاقات الدخول، كلّما تراجعت الإيرادات، لإيهام المعنيين بالأمر (موزّعون، أصحاب صالات، صحافيون فنيون، جمهور يتابع حملات ترويجية إعلامية ترتكز على الإيرادات «المرتفعة» هذه، وغيرهم) بأن الفيلم «ناجحٌ» تــــجارياً، علماً أن إيهــــام الموزّعين وأصـــحاب الصالات والنقّاد تحديداً بهذا الأمر غير موفّق البتّة.
لن يُفيد التحليل النقدي لكلّ فيلم من الأفلام الـ 3 تلك. تعليقات عديدة تُقال هنا وهناك، وآراء سجالية تكشف بهتاناً وخللاً في السيناريو والحبكة والمعالجة، أو في التـــــصوير والمونتاج والإضاءة، أو في التمثيل. لكن «منتجين» عديدين مستمرّون في التعاون مع مجموعة من العاملين في الحقل البصري، التلفزيوني تحديداً، لـ «إنتاج» أعمال تُضاف إلى لائحة الاهتراء الـــــفني الفظيع، في بلدٍ يعاني اهتراءات جمّة في شـــــتّى أنماط العيش اليومي.


(]) لا تزال العروض التجارية الخاصّة بـ «السيّدة الثانية» (كتابة كلوديا مرشليان، إنتاج جمال سنّان، تمثيل ماغي بوغصن) مستمرّة في صالات «غراند أ ب ث الأشرفية»، و «غراند أ ب ث ضبيه»، و «غراند كونكورد»، و «غراند لاس ساليناس» (أنفه)، و «غراند صيدا»، و «غراند غالاكسي» (بولفار كميل شمعون)، و «بلانيت سيتي كومبلاكس» (طرابلس)، و «سينما سيتي أسواق بيروت»، و «سينما سيتي الدوره»، و «أمبير دون» (فردان)، و «إسباس» (الذوق)، و «سيـــنمول ضبــــيه»، و «فوكــــس بيروت سيتي سنتر».