«إدارة الخلافات».. طوق نجاة للعلاقات الاجتماعية

«إدارة الخلافات».. طوق نجاة للعلاقات الاجتماعية

آدم وحواء

السبت، ١٣ نوفمبر ٢٠٢١

ترتبط كلمة «الخلافات» في مخيلتنا جميعاً بصورة ذهنية سلبية، توحي بأجواء من التوتر والقلق، وسبب للمشكلات وتهديد العلاقات الإنسانية الاجتماعية باختلافها وتنوعها مهما كانت مستقرة، ولهذا يسعى الكثير منا لتجنبها والهروب من مواجهتها أوالخوض في أغوارها التي قد تعكر صفو الحياة وتفسد أجمل العلاقات.
 
فهناك آراء نفسية وتجارب إنسانية تعتبر أن الخلافات يمكن أن تكون لها جوانب إيجابية وأن إدارتها بشكل جيد يمكن أن يساهم في بناء علاقات وطيدة ويساعد أطراف العلاقة التي تشهد الخلافات في فهم حجم وأسباب الاختلاف بينهم ونوعية السلوكيات التي قد تثير المشاكل.
 
في السطور التالية نتعرف إلى تجارب البعض مع الخلافات وكيفية استثمارها لتقوية العلاقات الاجتماعية، وتحسين التفاعل بين أطراف هذه العلاقات.
 
تقول شهيرة بدوي ربة بيت بالشارقة: «الخلافات المتكررة في حياتي مصدر أساسي لإثارة المشاكل والتوتر، وأسوأ ما أواجهه خلافي الدائم مع ابنتي الكبرى التي تمر بمرحلة المراهقة، وكثيراً ما تكون سبل التفاهم بيننا مقطوعة ولا أتحمل آرائها التي تختلف بشكل كبير عما تربينا عليه في طفولتنا وما نشأنا عليه من قيم وأخلاقيات، حيث تصطدم آراء هذا الجيل مع آرائنا كآباء وأمهات وعادة ما تكون هذه الخلافات سبباً لتعكير صفو العلاقة بيننا، وأعتبر اختلاف الآراء والأفكار بين الأجيال من أصعب أنواع الخلافات لأنها موجودة في كل أسرة ويصعب على أطرافها إدارتها بنجاح أو الوصول لحلول ترضي جميع الأطراف.
 
أما أماني عبد الله، موظفة برأس الخيمة، فتتهم الخلافات الزوجية بأنها السبب في هدم البيوت أحياناً وتقول: «الكثير منا لا يجيد التعامل بشكل هادئ ومتوازن مع الخلاف لأننا نفتقد لثقافة الاختلاف ولذلك لا أتصور أن يكون الخلاف شيئاً إيجابياً أو مفيداً، خاصة إذا طرق أبواب العلاقة الزوجية. فطبقاً لتجربتي يمكن أن يخرج الخلاف بين الزوجين بسهولة عن السيطرة ويهدد استقرار الحياة الزوجية، ويتسبب في اضطرابات نفسية للأبناء، وأعتبر هذا النوع من الخلافات هو الأخطر بين العلاقات الإنسانية لأنها تهدد السلام النفسي والاستقرار العائلي، لذلك فمن الضروري أن يسعى الزوجان لإدارة الخلافات الزوجية بشكل جيد وأن يسعى كل طرف لامتصاص غضب الآخر ويهرب من الدخول في مواجهة عاصفة قد تؤدي لتفاقم المشكلة بدلاً من حلها».
 
أما نوران خالد (24 عاماً)، طالبة بدبي فلها تصور مختلف عن تأثير الخلافات في حياتها وتقول: “الخلافات مهمة جداً بالحياة لأنها تكسبها طعماً ولوناً، أحياناً أسعى لإثارة الخلافات مع خطيبي رغم أنني أحبه كثيراً، ولكن ألجأ لإثارة بعض الخلافات من حين لآخر حتى نتعرف إلى وجهات نظرنا بشكل أفضل.
 
وتعترف غادة حسين، معلمة بدبي، بأنها تدين بالفضل لبعض الخلافات التي شهدتها في حياتها وتقول: «للخلافات فضل كبير ودور مؤثر في حياتي فقد كان الخلاف في يوم ما سبباً في إنقاذي من علاقة مسمومة كادت تهدد مستقبلي عندما تمت خطبتي على شاب وعقدنا قراننا استعداداً لإتمام الزواج ولكن قبل أن يحدث الزفاف جرى بيننا موقف تسبب في تفجير خلاف كبير واكتشفت أنه سريع الغضب وانفعالاته عنيفة ومبالغ بها ويمكن أن تخرج عن السيطرة وتكرر الأمر عدة مرات وفي أماكن عامة وعلى الملأ فشعرت بأنه غير ناضج وأن الارتباط به سيسفر عن تجربة فاشلة».
 
أما محمد علاء الدين محاسب بعجمان، فيروي تجربته مع الخلافات داخل العمل سواء تلك التي حدثت مع مديره أو مع زملاء العمل ويقول: تعلمت كيفيه التعامل مع الخلافات المهنية من كثرة المشاكل التي واجهتني عند بداية التحاقي بالعمل في أحد البنوك بدبي، وكان تطور الخلاف مع بعض الرؤساء والزملاء يقود لاضطراب في دولاب العمل ونتائج سلبية على قدرتنا على تحقيق الأهداف المطلوبة منا وكانت فترة الذهاب للعمل تحمل بالنسبة لي كل صباح ثقلاً نفسياً كبيراً وكأنني أتجه لتنفيذ عقوبة، ولكن إدارة البنك أقامت لنا دورة حول إدارة الخلافات في العمل وقد كان لهذه الدورة فعل السحر على منظومة العمل حيث أصبحت بيئة العمل أفضل بكثير وأصبحت أنا وزملائي ومديري قادرين على إدارة الخلافات فيما بيننا بشكل أفضل.
 
طرق استثمار الخلاف
 
تحدثنا أخصائية الصحة النفسية ومدربة الحياة أسماء قدري عن فن إدارة الخلافات واستثمارها لبناء علاقات سوية وقوية وتقول: لا تكمن المشكلة في الخلاف في حد ذاته، لكنها في النظر إليه كنوع من الرفض لما نقوله، وبالتالي إهانة لرأينا أو ربما لشخصنا، أو حتى كرغبة متعمدة لإيذائنا من الطرف الآخر، بينما هو في حقيقته أبعد من ذلك تماماً. الخلاف هو تعبير عن ذلك الاختلاف الطبيعي بين البشر، ببساطة شديدة معناه أنك لا تنظر في مرآة بل تتعامل مع شخص آخر لديه نمط مختلف من الأفكار والمشاعر والقيم التي ترسم له طريقاً وطريقة للحياة لها نكهتها المميزة التي تختلف عمن حوله. وإذا صححنا مفهوم الخلاف، فهو عبارة عن لحظة تواصل مع إنسان آخر يكشف لك عن خبايا جديدة في شخصيته، في هذه الحالة يتوقف الأمر عن كونه هجوماً شخصياً علينا ويتحول لموقف يحتاج التصرف بحكمة ودراسة أسبابه وفهمها والبحث عن حلول مرضيه لإنهائه بذكاء دون خسائر.
 
وتقدم قدري نصائح لأطراف الخلاف عن كيفية استثماره إيجابياً وتقول: من أهم عوامل إنقاذ العلاقات من التأثير السلبي للخلافات، أن يحتفظ الأطراف بالهدوء النفسي وعدم الاندفاع في الرد بالقول أو الفعل، وأن تكون المعاملة بين الطرفين عادلة (أنا فائز وأنت فائز)، وأن تطلب تأجيل النقاش في حالة شعورك بالغضب الشديد فالمنطق يغيب في ثورة المشاعر، والالتزام بالتواصل بصدق يعني التعبير عن مشاعرك بوضوح ليفهمك الآخر، ولا تحاول استنتاج ما يعنيه الآخر وصدق ما يقول طالما لا توجد خبرة سابقة معه في الكذب، افصل نفسك عن رأيك فمن يرفض ما تقوله من الآراء ليس بالضرورة يرفضك كشخص.