بوابة الله - جبل الصالحين- حارة البكوات – قبر عائكة

بوابة الله - جبل الصالحين- حارة البكوات – قبر عائكة

صور من العالم

السبت، ١٨ فبراير ٢٠١٢

أماكن وذاكرة تعبق بهما دمشق، ولكل مكان قصة ولكل مكان ذاكرة تحتفل بحوادث ووقائع مرت على هذا المكان منذ عشرات بل مئات السنين، وقد تكتنف هذه الوقائع ذكريات سوداء أو بيضاء، وترتبط ارتباطاً بماضي الشعوب والأمم التي عبرت دمشق أو أقامت بدمشق، من حيث قيَمها السياسية والاجتماعية والثقافية والمعمارية وتعد في آخر المطاف انعكاساً حقيقياً للإشعاع الثقافي،الحضاري كظاهرة مشتركة بين البشرية جمعاء.
 من هذه الأماكن ما اندثر وقضت عليه الأيام الطويلة بيد الإنسان أو الطبيعة، ومنها لم تزل قائمة إلى يومنا هذا تروي سيرة وقائع ورجال مرّوا منها عبر الأيام الماضيات، ومنها من هو أقدم من البشرية كان ولم يزل يشهد على أيامنا ويسجل تاريخ دمشق المدينة القديمة العريقة التي كانت عظيمة ومازالت عظيمة يشع نورها عبر الآفاق.

بوابة الله:
بوابة الله أو باب الله، احتل مكاناً استراتيجياً في المدخل الجنوبي لمدينة دمشق، واختُلف في تحديد هويته فهل كان هنالك باب وأطلقت عليه هذه التسمية، أو ليس هنالك باب إنما مكان للخروج في سبيل الله، فأطلقت عليه هذه التسمية.!؟
البديري الحلاق في كتابه "حوادث دمشق اليومية"، يؤكد على وجود باب أطلقت علية هذه التسمية فيقول، بوابة الله – باب الله – هو أحد أبواب دمشق القديمة يقع في الطرف الجنوبي منها غير بعيد عن مسجد القدم وهو في نهاية طريق الميدان ومنه يخرج الناس إلى بيت الله الحرام، فيما يقول منير كيال الباحث الدمشقي المعروف: (اسم أطلق على مدخل مدينة "دمشق" من جهة الجنوب، لكونه بداية الطريق الذي يسلكه الحج الشامي إلى الديار المقدسة في "مكة المكرمة" و"المدينة المنورة").
وعلى أغلب الظن لا وجود لباب أطلقت عليه هذه التسمية، إنما "باب الله" هو أول الطريق البري إلى بيت الله "الحج" وعُرف هذا الطريق زمن الاحتلال العثماني باسم "الدرب السلطاني"، وكان بين مدينة "دمشق" وهذا المكان "بوابة الله " أرض "ميدان أو ساحة كبيرة" مساحتها تقدر نحو ثلاثة كيلومترات، وكانوا يطلقون عليها اسم "ميدان الحصى"، لأنها مليئة بالأحجار الصغيرة وكانت مرتعاً لأعيان الشام وأمرائها، وهذا الميدان كان واحداً من أربعة ميادين مشهورة بدمشق هي ميدان المرجة، وميدان ابن أتابك، وميدان الشرف الأعلى، والرابع ميدان الحصى.
كان محمل الحج الشامي يقف عند بوابة الله، مرّة عند خروج قافلة الحجاج المتجهة من "دمشق" إلى المدينة المنورة فكانت تمر في هذا المكان وتستريح فيه لتنطلق بعد ذلك إلى بيت الله الحرام،، ومرة أخرى في طريق عودتها من مناسك الحج حيث كانت السلطات المعنية والأهالي يستقبلون محمل الحج الشامي هناك. وكان هذا المكان، يشكل حدثاً دينياً واجتماعياً لأهالي الشام، فهو مكان جميل يلتقون فيه لوداع واستقبال الحجاج بالإضافة إلى أنه كان مكاناً اجتماعياً للسّمر وتبادل الأحاديث والجلسات الدمشقية.
والغريب أن بعض المصادر أطلقت على هذا المكان اسم "بوابة الموت" في زمن انهيار السلطنة العثمانية، ومرد ذلك أن الخارجين منه إلى الديار المقدسة كانوا يتعرضون أثناء مسيرتهم للحج لأعمال النهب والقتل من اللصوص وقطاعي الطرق، أو كانوا يتعرضون إلى غضب الطبيعة مما كان يهلك الكثير منهم.
جبل الصالحين:
يراقب التاريخ ويحكي قصص من كانوا ومن هم الآن، هو رمز دمشق، وجبلها المقدس، الذي يعبق بالعديد من قصص الأسطورة والخيال والوقائع الدينية، هو جبل الصالحين أو جبل الصالحية أو هو جبل دير مران ولكن اسمه الأشهر والمعروف به هو جبل قاسيون، الذي قال عنه سبط الجوزي: (قاسيون جبل شمالي دمشق ترتاح النفس إلى المقام به ومن سكنه لا يطيب له سكنى غيره غالباً، واختلفوا الرأي فيما سُمي بذلك فقيل لأنه قسا فلم تنبت فيه الأشجار أو قسا على الكفار فلم يقدروا أن يأخذوا منه الأصنام.) وقاسيون يتصل من جهة الغرب بسلسلة جبال لبنان ومن الشمال والشرق بسلسلة جبال القلمون الممتدة إلى منطقة حمص، ترتفع قمة جبل قاسيون 1153 متراً عن سطح البحر وعن دمشق 600 متر. وقاسيون يعبق بتاريخ قديم قدم البشرية، ففي الجبل نزل فيه الأنبياء والصالحون حتى تزاحمت مدافنهم على سفوحه، وأوى إليه مؤمنون وشعوب وقبائل شردتهم الأيام من بلادهم، وانتشر فيه على مر العصور العديد من الأديرة أشهرها (دير مران) الذي عُرف الجبل به أحياناً. والأماكن المقدّسة كقبر النبي ذي الكفل في كهفِ جبريل ومقام النبي يونس وقبر شيخ دمشق ومفكرها ابن عربي وإليه التجأ نبي الله يحيى والنبي إلياس وفيه صلى أنبياء الله إبراهيم ولوط وموسى وعيسى وأيوب، ومقام أربعين من الرجال الأتقياء الأنقياء الذين يقال إنهم أبدال الشام، وهو الجبل الذي تعرض لغزو المغولي (تيمورلنك) الذي قطع أشجاره، فقيل إنه كان يضم من أشجار النخيل فقط التي قطعها (تيمورلنك) /12000/ نخلة، كما بنى على قمته الخليفة العباسي المأمون مرصده الفلكي الشهير لرصد الكواكب والنجوم، هو الجبل المقدس مالئ الدنيا وشاغل الناس، ومن قمة جبل قاسيون بدأ التلفزيون العربي السوري إرساله مساء يوم 23 تموز عام 1960م.
حارة البكَوَات والباشاوات:
في القرن التاسع عشر أُحدث نوع من التطوير على مخطط مدينة دمشق وشُقت الطرق الجديدة وجُددت أسواق ومناطق سكنية وأحياء منها حي القنوات الذي يعود إلى العهد المملوكي ومن الأبنية الشاهدة على الفترة المملوكية المدرسة "الشاذبكية" الواقعة في الطرف الغربي من الحي، ومن ثم توسع هذا الحي في العهد العثماني بشكلٍ كبير نظراً لقربه من المباني الحكومية الهامة في المدينة وهو من أكبر أحياء دمشق القديمة التي تقع خارج السور، وكان يقطن هذا الحي أعيان دمشق والطبقة الارستقراطية التركية التي تجمعت حول السراي والمباني الحكومية المهمة في المدينة، لذا أطلق عليه البعض اسم (حارة البكَوَات والباشاوات) وأخذ الحي اسمه من أحد فروع نهر بردى الذي يتفرع من ناحية الشادروان ويخترق هذا النهر الحي ضمن قناة رومانية محمولة على قناطر حجرية توزع المياه على المدينة ولا تزال هذه القناطر ظاهرة للعيان إلى يومنا هذا. وبقي هذا الحي من أهم أحياء دمشق القديمة حتى فترة الأربعينيات من القرن الماضي.
حي قبر عاتكة:
قال ياقوت الحموي، في أرض عائكة خارج باب الجابية، منسوب إلى عائكة بنت يزيد بن معاوية أم البنين وهي زوجة عبد الملك بن مروان، وقال ابن حبيب، كانت تضع خمارها بين يدي اثنى عشر خليفة كلهم حرم: أبوها يزيد بن معاوية وأخوها معاوية بن يزيد وجدها معاوية بن أبي سفيان وزوجها عبد الملك بن مروان وأبو زوجها مروان بن الحكم وابنها يزيد بن عبد الملك وبنو زوجها الوليد وسليمان وهشام وابن ابنها الوليد بن عبد الملك، وإبراهيم بن الوليد المخلوع وهو ابن زوجها أيضاً. وإليها ينسب هذا الحي حيث كان لها فيه قصر عظيم اندثر، وتم دفنها في هذا الحي. وعلى مر الأيام حُرِّف الاسم من عائكة إلى عاتكة.

شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com