إسرائيل لا تحصد نتائج ضغوطها: الاتفاق النووي المؤقّت يقترب

إسرائيل لا تحصد نتائج ضغوطها: الاتفاق النووي المؤقّت يقترب

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٨ يونيو ٢٠٢٣

في خضمّ المؤشّرات التي ازدحمت على خطّ «النووي الإيراني»، استشفّت إسرائيل، بمؤسّستيْها الأمنية والعسكرية، اقتراب موعد توقيع اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران. وطبقاً لتقديرات تل أبيب، فإن الاتفاق الذي باتت مفاوضاته في مرحلة متقدّمة، سيكون جزئياً، ولا يلحَظ مطالبها. وكما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة، جاءت ردّة الفعل الإسرائيلية تحذيرية للحليف الأميركي، وتهديدية لإيران على حدّ سواء. فهل تُكرّر تل أبيب في مواجهتها الصفقة الجديدة المُفترضة، استراتيجيتها القديمة، متوقّعة في الوقت نفسه نتائج مختلفة؟
من ناحية، تكوّن لدى تل أبيب، وفق صحيفة «هآرتس»، انطباع بأن الأمور تتّجه بوتيرة أسرع من المتوقّع، نحو توصّل الطرفين إلى تفاهمات في غضون أسابيع معدودة، على الرغم من أنهما لم يتجاوزا كلّ الخلافات. وفضلاً عن أن الاتفاق سيكون جزئياً ـــ مرحلياً، أشار الإعلام العبري إلى أن الالتزامات المتبادلة ضمنه، محدودة نسبياً، من مثل تجميد تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، مقابل تحرير أموال وأصول إيرانية في الخارج، يُقدّر مجموعها بعشرات مليارات الدولارات (تحديداً لدى كوريا الجنوبية والعراق)، إضافة إلى حلّ قضايا خلافية عالقة لدى «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ومن الطبيعي ألّا يلقى اتفاق مماثلٌ ترحيباً في الكيان، إذ إنه لن يعيد البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء، ولن يقلّص «التهديد» الذي تمثّله الجمهورية الإسلامية. في المقابل، فإن طهران، برغم تجاوزها الاتفاق السابق، حافظت على مكاسب تخصيب «اليورانيوم» بكميات كبيرة، ومستويات مرتفعة، توازياً مع تنصيبها أجهزة طرد أكثر تطوراً، وتعذّر انتزاع الخبرة التي راكمتها في المجال النووي.
وتولّد الانطباع لدى تل أبيب باقتراب الاتفاق، في أعقاب الزيارة التي أجراها قبل أيام وفد إسرائيلي أمني رفيع ترأّسه مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون دريمر، إلى واشنطن، حيث التقى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. وترمز زيارة الوفد إلى أن «الخطر داهم»، حتى استوجب خرق تعليمات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بألّا يزور واشنطن أيّ من وزرائه قبل دعوته هو إلى البيت الأبيض. وتوازياً مع وصف الزيارة بـ«الاستثنائية»، يجدر القول إنها «استكشافية» وتحريضية. غير أن السؤال هو حول مدى نجاح الوفد في تحقيق أهدافه، وهو ما تبدو الإجابة عليه غير قطعية؛ فمن جهة، أظهرت مهمة استكشاف موقف واشنطن الفعلي جدّية الأخيرة في السير في اتجاه اتفاق نووي جديد؛ ومن جهة أخرى، لا يبدو أن الوفد نجح في مهمّة التحريض لجعل الموقف الأميركي أكثر تصلّباً، وتمسّكاً بالاشتراط على إيران التزامات أوسع وأكثر امتداداً، نوعياً وزمنياً، سواء في ما يتعلّق بالبرنامج النووي، أو ما يرتبط بالمستويات الأخرى من «التهديد».
وفي سياق ما يتشكّل من بيئة استراتيجية إقليمية غير مؤاتية لإسرائيل، فإن موقف الأخيرة الرسمي لا يعارض الاتفاق من منطلق كونه لن يمنع تعاظم قدرة إيران النووية فحسب، بل وأيضاً لأنه سيتيح تعزّز نفوذها الإقليمي وإمكاناتها العسكرية، وهو ما لا يقلّ في تأثيره السلبي على مصالح الكيان، عن التطور النووي، بحسب تل أبيب. ويحضر، في هذا السياق، الكشف الإيراني عن صاروخ «فتّاح» الفرط صوتي، والذي اعتبرته تل أبيب رسالة «ردعية» لها، كونه قادراً على خرق كل الدفاعات الجوّية الموجودة لديها، بل وتدميرها. والجدير ذكره، هنا، أنه بعدما فشلت خيارات الحصار والعقوبات والدفع نحو التخريب الداخلي في الجمهورية الإسلامية، فإنه ليس منطقياً أن تُلبّى مطالب إسرائيل، إلا عبر الحروب العسكرية المباشرة، إلا أن هذا الخيار يتعذّر على الكيان خوضه لأسباب داخلية، فضلاً عن غياب الموافقة الأميركية حالياً، لأسباب تتعلّق باختلاف الأولويات.
 
إلى ذلك، يدرك المتحرّرون من قبضة الموقف الرسمي المعلن في تل أبيب، محدودية القوة الإسرائيلية وتأثيرها في مسارات التفاوض الأميركي مع إيران. ولذا، يعتقد بعض الجالسين على طاولة القرار والخبراء والمراكز البحثية في إسرائيل، ومنهم من هم في مناصب وازنة في المؤسّستين العسكرية والأمنية، بحسب ما نقلت «هآرتس»، أن «اتفاقاً كهذا الذي يجري الحديث عنه راهناً، سيكون بمثابة أهون الشرور، وأن بلورة تفاهمات ستكون أفضل من استمرار التقدّم الإيراني الخارج عن السيطرة، نحو القنبلة النووية الإيرانية».
إزاء ذلك، تمكن الإشارة إلى الآتي:
أولاً: ما ترى تل أبيب أنه «اتفاق وشيك»، لم يحظَ حتى الآن بمصادقة المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، بحسب الرواية الإسرائيلية لتفاصيل لم يلحظها الإعلام العبري، بل مرّت عبر تسريبات، ما يطرح أكثر من علامة استفهام. في حال لم تكُن المصادقة قد حصلت بالفعل، فما الذي يدفع واشنطن إلى حلّ مسائل عالقة مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، التي تُعتبر ضمن الأسلحة التي تضغط بها الولايات المتحدة على إيران بقوة؟ وكيف لها أن تسمح بالإفراج عن أصول مالية في عدد من الدول، بأكثر من 20 مليار دولار، من دون تلقّي عوائد ملموسة من طهران في المقابل؟ وإذا كانت المصادقة لم تصدر فعلاً، وعمدت أميركا إلى هكذا «تنازلات»، فإن هذا لا يبشّر الإسرائيليين بالخير، كونه يرمز إلى اليد الإيرانية العليا في التفاوض، وتردّي وضع الأميركيين الذين يصرّون بلا هوادة، على تحقيق انفراجة ما، ولو جزئية.
 
ثانياً: تشير التزامات الاتفاق «الجزئي» المُزمع، إلى تجميد ــــ وليس إلغاء ــــ التخصيب بمستويات مرتفعة، مقابل الإفراج عن أموال إيرانية مجمّدة في الخارج. وهذا يعني أن لا عودة الى الالتزامات الإيرانية السابقة التي أُقرت عشية اتفاق 2015. فنسبة التخصيب التي أرادت القوى «العظمى» الحؤول دونها، كانت ما يزيد قليلاً على 20%، في حين أن إيران استحصلت على حقّ تخصيب يفوق ذلك بأضعاف، وهو الحدّ الذي ستنطلق منه أيّ مفاوضات جديدة على اتفاق نووي كامل. وفي السياق نفسه، يعزل الاتفاق الجزئي، كما يرد في تفصيلاته، القضية النووية، عن أي مطالب إسرائيلية مزمنة (حتى الأمس كانت أيضاً مطالب أميركية)، تتعلّق بالنفوذ الإقليمي والتعاظم التسليحي. كما يضيف دافعاً جديداً لتصليب الموقف الإيراني أكثر، مع ما يحمله ذلك من انعكاسات على الداخل الإيراني، لناحية تعزيز الخطاب القائل بأن الإصرار على الحقوق والمطالب في وجه الأميركيين، يوصل فعلاً إلى نتائج.
ثالثاً: يُعدّ الكشف عن الصاروخ الإيراني الفرط صوتي، «فتّاح»، إشارة إيرانية تأكيدية إلى التفريق بين القدرات التسليحية وتطويرها، والصاروخية منها تحديداً، وبين أي اتفاق مع الجانب الأميركي في البرنامج النووي.
رابعاً: رغم كل الحديث عن الاتفاق، وأنه بات وشيكاً، إلا أنه لا اطمئنان حتى الآن، بأن التوقيع عليه بات من المسلّمات. ويبدو المشهد متكرّراً، وسبقت معاينة شبيهٍ له في السنوات الماضية. فلا يُبرم الاتفاق، إلا بعد التوقيع عليه، رغم أن «إجراءات حسن نيّة» من الجانب الأميركي لافتة جداً، وذات دلالات يجدر التوقّف عندها.
خامساً: لا يلغي الاتفاق، الكلّي أو الجزئي، الصراع بين إيران وأعدائها. كما أن الحرب غير الصاخبة حتى الآن على إيران ستتواصل، لكنها ستكون أقلّ نجاعة، بالنظر إلى أن الجمهورية الإسلامية غير محاصرة الآن بالتزامات إقليمية، تقريباً. وهذه المعادلة تحدّ من قدرة إسرائيل على المناورة، رغم أن قدرات العدو الفعلية كانت وما زالت كما هي عليه في المراحل السابقة: إزعاجية بلا تأثير كبير، بدليل أنها لم تتمكّن من حرف المسار الإيراني نحو التعاظم.
سادساً، يثبت التطوّر الأخير في السياق الإيراني ــــ الأميركي، مرة أخرى، وهم ما رسَخ في وعي الكثيرين، ويثبت حقيقة أن ما تشخّصه أميركا من مصلحة لها لا يعني بالضرورة أن هذه المصلحة ستتحقّق، إذ إن الإرَادة الأميركية ليست قدرة مطلقة كما يتصوّرها البعض، أو يريد للآخرين أن يتصوّروها. اليوم، في المعادلة طرف آخر، إن هو أحسن قراءة الواقع والقدرات والإمكانات والظروف، فإن بإمكانه عرقلة الإرادة الأميركية، والحؤول دون تحقّقها.