حاقان فيدان: ديبلوماسية الاستخبارات... تَخرج من الظلّ

حاقان فيدان: ديبلوماسية الاستخبارات... تَخرج من الظلّ

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٦ يونيو ٢٠٢٣

تَعقد الأوساط الموالية للسلطة في تركيا، آمالاً كبيرة على حاقان فيدان، رجل الاستخبارات الذي عُيّن وزيراً للخارجية في حكومة رجب طيب إردوغان الثالثة، خصوصاً لجهة الانفراجة المتوقّعة في العلاقات الآذربيجانية - الأرمينية، أو تعميق العلاقات أكثر مع روسيا، مع اتّباع نهج الحياد نفسه تجاه الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن السير قُدُماً في سياسة المصالحات مع دول الإقليم. وإذا كان فيدان أوّل شخصية ذات خلفية استخبارية تَشغل «أرفع منصب ديبلوماسي» في تاريخ تركيا، ثمّة مَن يعتبر هذا التعيين «صائباً» و«استراتيجيّاً»، ويعوّل على الوزير الجديد الذي قاد «ديبلوماسية الاستخبارات» مع كلّ من سوريا وليبيا والعراق وإيران وروسيا، ولعب دوراً فاعلاً فيها، كما على دخول السياسة الخارجية التركية، في عهده، «مرحلة استقلال استراتيجي أقوى»
حظي تشكيل الحكومة الجديدة في تركيا باهتمام كبير من قِبَل المحلّلين، مع تغيُّر معظم الوجوه الرئيسة، ولا سيما إحلال رئيس الاستخبارات التركية، حاقان فيدان، في وزارة الخارجية، بدلاً من مولود تشاووش أوغلو الذي بات، بعد أحمد داود أوغلو، «ماركة مسجّلة» في هذا الموقع. كذلك، حظي البعد الاقتصادي من التشكيلة باهتمام مماثل، إذ يأمل كثيرون أن يتمكّن وزير المالية الجديد، محمد شيمشيك، من القيام بدور «المنقذ» من الأزمة الاقتصادية الآخذة في التعمُّق.
يُعدّ فيدان أوّل رئيس استخبارات يَشغل «أرفع منصب ديبلوماسي» في تاريخ تركيا، وفق ما تورد صحيفة «حرييات». وتنتظر الرَجل، في الفترة المقبلة، ثلاثة اجتماعات مهمّة سيحضرها بصفته الجديدة: قمّة قادة «حلف شمال الأطلسي» المرتقبة الشهر المقبل في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، ومن بَعدها، في النصف الثاني من أيلول، اجتماع قادة الدول العشرين، ومن ثمّ اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي هذا الوقت، تأمل الدول الغربية أن تتّخذ تركيا قرارها في شأن انضمام السويد إلى «الناتو» قبل قمّة فيلنيوس، فيما يتطلّع الكونغرس الأميركي، من جهته، إلى انفراجة على ذلك المستوى، ليصادق أعضاؤه على بيع أنقرة مقاتلات «إف-16». ووفق الصحيفة الموالية، تتوقّع أنقرة، في ظلّ فيدان، أن تشهد الأزمة الآذربيجانية - الأرمينية حلّاً جديّاً، يعزّز احتمالاته الحضورُ غير المتوقّع لرئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، حفل تنصيب إردوغان رئيساً للجمهورية يوم السبت الماضي. وتلفت، في إطار الإنفراجات أيضاً، إلى أن العلاقات الجيّدة مع روسيا ستتواصل، مع اتّباع سياسة متوازنة وحيادية في الأزمة الأوكرانية، وفي العلاقة مع الغرب، متوقعةً أن تُواصل تركيا سياسة المصالحات و«المشكلات الأقلّ» مع دول الخليج وإسرائيل ومصر. وفي الصحيفة نفسها، تتطرّق فوليا صويباش إلى التحدّيات الماثلة أمام فيدان، متسائلة ما إنْ كان الشخص المناسب للموقع المناسب، لتجيب بأنه «وزير الخارجية الأول منذ عهد عصمت إينونو قبل 100 عام وعام، الذي يأتي من جذور عسكرية. ولكن كون فيدان لم يكن عسكريّاً صرفاً، بل رجل استخبارات، فتولّيه حقيبة الخارجية أمر طبيعي للغاية. وهذا بخلاف مواقع التواصل الاجتماعي التي فوجئت بأنه لم يأتِ وزيراً للداخلية».
من جهته، يقول الرئيس السابق لدائرة الاستخبارات في رئاسة أركان الجيش التركي، الجنرال إسماعيل حقي بكين، إن العلاقات الخارجية تتأسّس أوّلاً على يد رجال الاستخبارات، لافتاً إلى أن أمام فيدان قضايا الحرب الروسية - الأوكرانية، والاتفاق المتوقّع بين أرمينيا وآذربيجان، والمسألة الليبية التي يتطلّب حلّها تنسيقاً مع روسيا ومصر، والمسألة السورية مع روسيا. كما أن «مسألة مكافحة الإرهاب تنتظر فيدان، وعلى عاتقه يقع قطْع الدعم الخارجي للإرهابيين». أمّا رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة التركية - الألمانية، أنس بيرقلي، فيشير إلى أن فيدان يتمتّع بخبرة أكاديمية في مجال العلوم السياسية التي كتب فيها الدكتوراه، وله العديد من الكتابات في هذا الشأن، فضلاً عن أنه تولّى رئاسة منظّمة «تيكا» للتعاون والتنمية بين عامَي 2003 و2007، وهي مؤسّسة تتكامل عبر مساعداتها الخارجية مع السياسة الخارجية. ووفق بيرقلي، قاد وزير الخارجية الجديد «ديبلوماسية الاستخبارات» مع كلّ من سوريا وليبيا والعراق وإيران وروسيا، وأدى دوراً فاعلاً فيها، علماً أن القضية الأولى التي ترتسم أمام الوزير هي سوريا، حيث «انتهت الحرب تقريباً، وجاء دور الحلّ السياسي بمهارة ديبلوماسية»، ليخلص إلى أن السياسة الخارجية التركية ستدخل، في عهد فيدان، «مرحلة استقلال استراتيجي أقوى».
وفي الاتجاه نفسه أيضاً، يقول العقيد المتقاعد والخبير في شؤون الأمن والإرهاب، جوشكون باشبوغ، إنه «إذا كانت تركيا تريد اتّباع سياسة خارجية ناجحة، فعليها أن تستند إلى معطيات استخبارية، وهذا ما فعلته مع تعيين فيدان وزيراً للخارجية، وهو تعيين يُعدّ استراتيجيّاً». ويرى الخبير في الشؤون الأمنية، عبد الله آغار، بدوره، أن «أساس العلاقات الخارجية هو وزارة الخارجية والاستخبارات، وتعيين فيدان في هذه الوزارة في غاية الصواب»، معتبراً أن الحرب الروسية - الأوكرانية «كانت نقطة الانكسار الأكبر في الجيوبوليتيك العالمي، وتركيا بحيادها الإيجابي وسياستها المتوازنة أدّت دوراً مهمّاً ومفيداً لها وللعالم، وكان لفيدان دور حاسم في ذلك». وأكثر من ذلك، فإن أوّل اتصال هاتفي أجراه الوزير الجديد كان مع نظيره الآذربيجاني، في إشارة إلى ما يشكّل هذا الملفّ من أولوية بالنسبة إلى تركيا.
أمّا عبد القادر سيلفي، الكاتب المقرّب من إردوغان، فيعرب، هو الآخر، عن اعتقاده بأن اختيار فيدان لوزارة الخارجية كان صائباً؛ كون الرجل «كاتم أسرار» الرئيس التركي، و«وزير خارجية ظلّ»، في حين يشير فاتح تشيكيرغه إلى أن تعيين فيدان، الذي يتمتّع بشخصية رفيعة ومقاربات عقلانية، لم يكن مفاجئاً. وترى صحيفة «ميللييات»، من جهتها، أن هذا التعيين يُعدّ بمثابة رسالة ثقة إلى العالم؛ إذ «كان للرجل دور كبير في محاربة الإرهاب، وخصوصاً العمليات الموضعية أو ما يسمّى في تركيا «عمليات النقطة»»، في شمال العراق. وتَذكر الصحيفة أن فيدان ترعرع في كنف المؤسّسة الأمنية، وأصبح أصغر من يتولّى رئاسة الاستخبارات (42 عاماً)، فيما اعترضت إسرائيل على تعيينه، متهمةً إيّاه بأنه تابع لإيران. ووفق «ميللييات»، فإن قيادة النظم الإلكترونية في رئاسة الأركان، وهي أعلى هيئة استماع في الحروب الاستخبارية، أُلحقت في عهد فيدان برئاسة الاستخبارات التركية.
في المقابل، يقدّم فهيم طاشتكين، في صحيفة «غازيتيه دوار»، صورة مختلفة بالكامل عن فيدان، معتبراً أن تعيين رئيس الأركان، ياشار غولر، وزيراً للدفاع، واحتمال تعيين إبراهيم قالين رئيساً للاستخبارات، يُعدّان بمثابة رسالة إلى العالم باستمرارية سياسات الأمن القومي ومحاربة الإرهاب والعمليات العسكرية الحدودية والتدخّلات الخارجية. ووفق طاشتكين، فإن «مولود تشاووش أوغلو كان يصبّ الزيت على نار السياسات النزاعية لإردوغان بدلاً من امتصاص التوتّرات، وكان صقر الصقور في الوطن الأزرق (شرق المتوسط) وليبيا وسوريا ومناطق الأكراد وكردستان وقبرص وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي»، لافتاً إلى أن «مَن يتولّى وزارة الخارجية، يُطلَق عليه عادةً «الديبلوماسي الأول»، لكن تشاووش أوغلو لم يكن عنده شيء من ذلك، وكان يغدق الكلمات الفارغة على زملائه من وزراء الخارجية، وسنعرف لاحقاً ما الذي سيكتبه وزراء الخارجية الأجانب عنه في مذكّراتهم». أمّا فيدان، «فلم يكن يُسمع له حسّ. لكن كان يُرى في كلّ مكان، من طرابلس الغرب إلى أربيل ودمشق وموسكو وطهران. كان يَظهر أنه يقوم بديبلوماسية موازية، فيما ينشئ قالين ديبلوماسية مباشرة مع الأطلسي والولايات المتحدة»، بحسب طاشتكين، الذي يضيف إن فيدان كان «المورّد الأكبر للأسلحة إلى المعارضة السورية، ومنظّم سياسة الاغتيالات في سوريا والعراق بالطائرات المسيّرة، وكان يدعم أربيل ويضغط على جماعة طالباني، ويلقّن السنّة في بغداد والتركمان في كركوك ما الذي يجب فعله. وكان يقوم بدور الوساطة بين المجموعات الصديقة لتركيا، لكن المتنازعة في ما بينها. وكان يتواصل مع اللاعبين الشيعة ويولي قاسم سليماني عناية خاصة. وكان يرعى حكومات طرابلس ويتفاوض مع خصومها مثل خليفة حفتر. وكان من سياساته، اختطاف بعض الأشخاص وجلبهم إلى تركيا». ولذا، فإن «تولّيه الخارجية، يعني استمرار هذا النهج»، أي «تقوية البعد الاستخباري في العمل الديبلوماسي»، بحسب الكاتب.
ولكن، مع هذا، يمكن، في ظلّ فيدان، «إحراز تقدُّم في ملفّات سوريا وإيران والعراق وليبيا وأوكرانيا»، لأن الرجل كان ولا يزال مستشاراً في رئاسة الحكومة، وجلس شخصيّاً ضمن الوفد التركي في المفاوضات مع «حزب العمال الكردستاني» في أوسلو عام 2009، والتقى لاحقاً بصفته رئيساً للاستخبارات، زعيم الحزب، عبد الله أوجالان، في معقله في إيمرالي. ومن ثمّ اتّبع نهج التشدُّد مع «الكردستاني» بعد عام 2015، فيما لا يُعرف الآن أيّ خيار سيتّبع في التعاطي مع المسألة الكردية. ويشير الكاتب أيضاً إلى أنه «كان لفيدان دور أساسي في المحادثات مع دمشق، وإذا كان إردوغان جادّاً في مسألة التطبيع مع سوريا، فبإمكان الأوّل القيام بدور مركزيّ». أمّا وزير الدفاع الجديد، فيلفت الكاتب إلى أنه كان من الصقور في الدفع بالجيش التركي إلى داخل سوريا والقيام بعمليات عسكرية، متسائلاً: «هل سيغيّر غولر نظرته في المرحلة الجديدة بالتنسيق مع فيدان؟». ويذكّر بأنه كان لفيدان دور مهمّ في بدء المصالحات مع السعودية والإمارات وإسرائيل وفي منطقة الشرق الأوسط، قائلاً إنه «لا يمكن الجزم في ما إذا كان له هذا الدور في العلاقات مع الغرب». وباختصار، يقول طاشتكين إن السياسة الخارجية التركية مع فيدان ستشهد تعزيزاً للبعد الأمني وتراجعاً للبعد الاقتصادي، وهو الجانب الذي سيتولّاه محمد شيمشيك، وزير المالية الجديد.