هيروشيما تحتضن «قمّة السبع»: إجماع على روسيا... وانقسام على الصين

هيروشيما تحتضن «قمّة السبع»: إجماع على روسيا... وانقسام على الصين

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٩ مايو ٢٠٢٣

يجتمع قادة الدول الغربية الكبرى السبع (G7) في مدينة هيروشيما في اليابان نهاية هذا الأسبوع، وسط مخاوف عالمية من تخلّف الولايات المتحدة عن سداد الديون، وتعمّق الانقسام مع دول الجنوب حول سياسات الطاقة، وعدم وجود نهاية في الأفق للحرب في أوكرانيا، ومشكلات المناخ وغيرها. ويسعى الأميركيون، من خلال هذه القمّة، إلى تعزيز وحدة الغرب في شأن سبل تصعيد الضغوط على الاقتصاد الروسي، وتبنّي سياسات صارمة في مواجهة تحدّي صعود الصين اقتصادياً وعسكرياً
سيكون على رؤساء الدول الغربية السبع الكبرى، والذين يجتمعون لمدّة ثلاثة أيام (اعتباراً من يوم الجمعة) في هيروشيما (غرب اليابان)، مناقشة قائمة طويلة من القضايا الملحّة في العالم، بدءاً من المواجهة المفتوحة في أوكرانيا، مروراً بالمخاوف من تعمّق الركود الاقتصادي بعد تصاعد مصاعب الاقتصاد الأميركي، وانتهاءً بالأخطار التي تحملها التطوّرات المتسارعة في قدرات الذكاء الاصطناعي. لكن الثيمة الرئيسة لهذه القمّة ستتمحور، بلا شكّ، حول تعزيز وحدة الغرب وراء الولايات المتحدة في مواجهة روسيا والصين، حيث لا تزال هناك بعض الخلافات التفصيلية التي تحتاج إلى التغلّب عليها. وتبدو المجموعة التي تضمّ الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا قادرة على تنسيق هجومات اقتصادية متناغمة ضدّ موسكو، لكن التشقّقات تبدأ بالظهور حول إدارة العلاقة مع بكين؛ إذ تدفع الولايات المتحدة إلى تبنّي منهجية صارمة في مواجهة ما تَعتبره تهديداً صينياً لسلاسل التوريد العالمية والأمن الاقتصادي والسلام العالمي، فيما لا ترغب دول مثل فرنسا وألمانيا في الذهاب بعيداً في معاداة شريك تجاري قوي ومهمّ، تماماً.
 
وترتبط دول «مجموعة السبع» (G7) ارتباطاً اقتصادياً وثيقاً بالصين، التي تُعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر قاعدة تصنيع عالمية، وسوقاً ضخمة واستراتيجية لكثير من القطاعات، فضلاً عن سيطرتها على عدد من الموارد الطبيعية الفائقة الأهمّية. وقد ظهر الخلاف في وجهات النظر حول العلاقات ببكين جليّاً، بعد زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لها الشهر الماضي، ودعوته الأوروبيين إلى تقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة، وبناء علاقات متوازنة مع الصين، وتجنّب خوض «حروب الآخرين». وبينما شدّد مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي يشارك في التحضيرات للقمّة على «(أنّنا) لا نريد تحويل مجموعة (G7) إلى نادٍ مناهض للصين»، حاول مسؤولون أميركيون التخفيف من قلق الأوروبيين بهذا الخصوص، عبر استعارة تعبير رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عند تأكيدهم أن سياسة إدارة الرئيس جو بايدن تجاه الصين تستهدف «الحدّ من المخاطر» لا «فكّ الارتباط». لكن الواقع أن الولايات المتحدة تضغط على حلفائها من أجل تبنّي نهج أكثر تصلّباً تجاه بكين، ووضعت العام الماضي ضوابط تصدير شاملة من شأنها أن تعقّد بشدّة الجهود التي تبذلها الشركات الصينية لتطوير تقنيات متقدّمة يمكن استخدامها في تطبيقات عسكرية، وتضع في هذه الأثناء اللّمسات الأخيرة على آلية جديدة لفحص الاستثمارات الخارجية، تستهدف الصين تحديداً.
 
أمّا بالنسبة إلى رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، مستضيف القمّة، فهو يدعم بلا تردّد رؤية واشنطن، ويريد للمجموعة التوصّل في هيروشيما إلى موقف حاسم من طموحات الصين العسكرية، واستخدامها المفترَض للضغوط الاقتصادية في تحقيق غاياتها السياسية. وحذّر كيشيدا، مراراً وتكراراً، شركاءه الغربيين من أن «تايوان قد تكون بمثابة أوكرانيا شرق آسيا غداً»، ودعا الأوروبيين إلى توفير الدعم غير المشروط لموقف موحّد حول الصين في حال نشوب صراع حول جزيرة فرموزا (تايوان وفق التسمية الأميركية). ونُقل عنه قوله، عشية القمّة التي ستُعقد في مسقط رأسه، أنه «من الأهمية بمكان تأكيد مجموعة الدول السبع أن أيّ محاولة أحادية لتغيير الوضع الراهن بالقوة أو الإكراه، غير مقبولة في أيّ جزء من العالم»، معرباً عن اعتقاده بأن «ذلك سيؤدي إلى استجابة موحّدة من قِبل المجتمع الدولي عندما يحدث شيء مماثل لغزو أوكرانيا خارج أوروبا».
وعلى الرغم من أن اليابان خاضعة سياسياً واقتصادياً للنفوذ الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلّا أن كيشيدا فاق كلّ سابقيه في الاندفاع بلا هوادة في تنفيذ رغبات واشنطن، وقد شارك بحماسة ظاهرة في فرض عقوبات صارمة على موسكو إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، ووثّق علاقات بلاده بـ«حلف شمال الأطلسي»، ومنح الجيش الأميركي تسهيلات لنشر قوات إضافية عبر اليابان، ووافق على زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري لمواجهة تهديدات مزعومة من الصين، ووضع قيوداً على تصدير 23 نوعاً مختلفاً من التكنولوجيا المقدَّمة متعدّدة الاستخدامات وفق قائمة أعدّتها الولايات المتحدة لمنع حصول الصين عليها. وتقول مصادر مطّلعة على المداولات التحضيرية للقمّة إن المجموعة تعتزم إصدار بيان منفصل لأوّل مرّة بشأن «الأمن الاقتصادي»، إلى جانب البيان الرئيس، الذي سيتضمّن التزاماً «بالردع الجماعي من قِبَل الدول السبع للابتزاز الاقتصادي، والردّ عليه، ومواجهته»، لكن من دون اتّهام الصين مباشرة بذلك. وبحسب الخبراء، فمن غير المرجّح أن تتوصّل القمّة، التي دُعيت لحضورها (كمراقبين) قيادات دول من الجنوب مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل وفيتنام وستُختتم الأحد المقبل، إلى اتفاق بشأن أدوات جديدة محدّدة لتحقيق هذا الأمن الاقتصادي المنشود، بما يتجاوز التعاون في سلاسل التوريد لتقليل الاعتماد على الصين.
 
 
أمّا في ما يتعلّق بالجانب الروسي، فهناك توافق مؤكّد بين دول المجموعة والاتحاد الأوروبي على فرض حظر شامل للواردات من الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب المتّجهة برّاً إلى أوروبا (بولندا وألمانيا...)؛ إذ يريد الغرب إضعاف موسكو عبر تقليص إيرادات الخزينة الروسية، وضمان ألّا يغيّر بعض دول الاتحاد موقفه مستقبلاً من الحرب الاقتصادية على الجار الروسي بسبب ضغوط الأسعار. وكانت التدفّقات عبر خطّ «نورد ستريم 1» (المتّجه نحو ألمانيا) قد توقّفت نهائياً بعد عملية تخريبية يُعتقد أن المخابرات الأميركية نفّذتها، فيما لم يتمّ تشغيل خطّ «نورد ستريم 2» إطلاقاً على رغم جهوزيّته، جرّاء إيقاف ألمانيا إجراءات الترخيص اللازمة لذلك. ونقلت الصحف عن مسوّدة بيان للمجموعة، عزم دولها على «تصفير» استخدامها لمصادر الطاقة الروسية «على الأقلّ ريثما يتمّ التوصّل إلى حلّ للصراع في أوكرانيا»، فيما يبدو أن بروكسل وواشنطن مصمّمتان على جعل استغناء أوروبا عن مصادر الطاقة الروسية حالة دائمة، وهو ما من شأنه أن يُطمئن المستثمرين في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال في أوروبا وأميركا الشمالية، من خلال تقليل احتمال حدوث عودة سريعة لتدفّق الغاز الروسي الأقلّ تكلفة. ويُعتقد أن هذا الحظر سيكون ضمن حزمة جديدة من العقوبات ضدّ روسيا، سيتمّ إقرارها في القمّة توازياً مع حزمة العقوبات الحادية عشرة التي يعتزم الاتحاد الأوروبي تبنّيها.
وكانت حصّة موسكو من واردات الغاز الأوروبية بحدود الـ50 في المائة قبل نشوب الحرب، لكنها وصلت إلى أقلّ من 10 في المائة الآن، على رغم تضاعف الأسعار مرات عدّة. ومع ذلك، تُعيد الهند ودول أخرى تصدير النفط الروسي إلى أوروبا بعد تكريره ما يفرّغ العقوبات من مضمونها، فيما ترفض غالبية الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقديم دعم عسكري لأوكرانيا أو الانضمام إلى العقوبات الغربية على موسكو، وهو ما يسلّط الضوء على تراجع كبير في تأثير أوروبا والغرب عموماً على العالم الثالث.