أميركا ترقب المعركة: لعلّ إردوغان يرحل أخيراً

أميركا ترقب المعركة: لعلّ إردوغان يرحل أخيراً

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٢ مايو ٢٠٢٣

ما كان ينطبق على محرم إينجه في انتخابات عام 2018، قد ينسحب هو نفسه على كمال كيليتشدار أوغلو، لجهة ما يخبّئه مرشّح المعارضة من برنامج عمل - يظلّ في جزء كبير منه غامضاً -، في ما لو حالفه الحظّ، وفاز بمنصب الرئاسة. على الأقلّ هذا ما يوحي به ظاهر الأمور، وإن كان ثمّة أطراف يفضّلون، بوضوح، «مَن يعرفونه» على آخر قد يجلب لهم «وجع رأس» ليس وقته بالمرّة، إنْ صحّت التقديرات التي تتحدّث عن ميول أكثر أطلسية لرَجل المعارضة، على رغم طمأنته دولاً، مِن مِثل روسيا، إلى أن العلاقات معها لن تتأثّر، وبأنها في «صلْب الإرث السياسي لتركيا»، كما قال أخيراً. وليست هذه التطمينات، في الواقع، مجرّدة من سياقها؛ إذ لطالما تعاملت أنقرة مع موسكو استناداً إلى مقاربةٍ أساسها الحفاظ على علاقات مقبولة وثابتة، طوّرها، من جهته، الرئيس رجب طيب إردوغان - خصوصاً بعد انقلاب صيف عام 2016 الفاشل -، في ميادين إقليمية مهمّة: من سوريا، إلى أوكرانيا، حيث صنع الرئيس الحالي مقاربته الخاصّة للتعامل مع تلك الأزمة، إلى درجة أنه حافظ على علاقات جيّدة مع روسيا ورفَض الانخراط في حَراك العقوبات الغربية ضدّها، ودعَم، في الوقت ذاته، كييف، ديبلوماسيّاً وأحياناً عسكريّاً. لهذا كلّه، تفضّل موسكو، الغارقة في حرب متعدّدة الجبهات، الحفاظ على الوضع القائم، واستمرار إردوغان في تأدية مهامّه، إلى أن تنقضي المحنة وينجلي مآل المعركة الطويلة. وفي مقابل ذلك الوضوح في الخيارات، والذي تعبّر عنه بعض دول «المعسكر الشرقي» - ومنها إيران أيضاً -، ثمّة على الضفّة الأخرى الغربية، وضوح مماثل، وربّما اشتغال على تحييد إردوغان، أقلّه لتجريب الحظّ في استمالة تركيا إلى «حيث يجب أن تكون».
 
على امتداد الأعوام العشرين التي قضاها في السلطة، كرئيس حكومة أوّلاً ثمّ رئيس للجمهورية، عمل إردوغان، وحزبه «العدالة والتنمية»، على تفريغ المؤسّسات السياسية وإخضاعها وتصميمها بما يضمن ولاءها له، مستعملاً جهاز الدولة تارةً لإضعاف خصومه، ومحوّلاً القضاء إلى محميّة لمناصري حزبه تارةً أخرى، فضلاً عن إعادة تشكيل المؤسّسة العسكرية التي ظلّت، حتى وقت قريب، موالية لمبادئ «المؤسّس»، مصطفى كمال، العلمانية. وفي دولة «الرجل الواحد» هذه، يبدو أن شيئاً لن يطيح إردوغان باستثناء تدخّل إلهي، قد يمثّل زلزال السادس من شباط، معطوفاً على الأزمة الاقتصادية الآخذة في التوسّع، أحد أشكاله. في سياق تحليله مآل الانتخابات التركية، يستبعد ستيفن كوك، في «فورين بوليسي»، عودة تركيا إلى «ماضٍ لم يكن موجوداً يوماً»، أو «بزوغ فجر جديد في أنقرة»، ذلك أن التعويل على تغيير يَقلب المسار الذي اختطّته البلاد رأساً على عقب، ليس في المتناول، على رغم أن بعض المحلّلين الغربيين والأتراك يظنّون أن تركيا، في عهد «كمال بِك»، «ستتخذ منحىً ديموقراطياً ومزدهراً»، استعداداً لإتمام إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وستميل إلى اصطفاف أكثر وضوحاً مع «الناتو». لكن كوك يشكّك في ميول كيليتشدار أوغلو الحقيقية ومواصفاته الديموقراطية، عازياً شكوكه تلك إلى الطريقة التي فرض الرَجل بها نفسه مرشّحاً رئاسيّاً على «تحالف الأمّة»، علماً أنه الأضعف بين المنافسين الحقيقيّين لإردوغان، كما يضيف. وفي إطار التشكيك أيضاً، يتساءل الكاتب عن كيفيّة التأكّد من رغبة مرشّح المعارضة في التخلّي عن الصلاحيات التي يمنحه إيّاها النظام الرئاسي المعمول به، بالنظر إلى أن السياسيين يميلون في الغالب إلى توسيع صلاحياتهم، وليس الحدّ منها، وخصوصاً في حالة اضطرارهم لمواجهة معارضة شرسة، ما يجعل الرئاسة التنفيذية ميزة إيجابية. ويتابع كوك متسائلاً عمّا إذا كان ما يسمّيه «الانفتاح الليبرالي الجديد» سينطبق على «القوميين الأكراد» وأتباع فتح الله غولين، لا سيما وأن كيليتشدار أوغلو لا يطرح حلولاً سياسية مبتكرة للمسألة الكردية، على رغم انفتاحه على التعاون مع «حزب الشعوب الديموقراطي»، ودعم هذا الأخير له في معركة تُوصف، على نطاق واسع، بأنها «الأكثر أهميّة في تاريخ تركيا».
من بين بنوده الكثيرة، يرِد في البرنامج الانتخابي لـ«تحالف الأمّة»، أن «الحسابات السياسية المحلّية والمقاربات الأيديولوجية» لن تبقى عوامل مؤثّرة في السياسة الخارجية، وأن التحالف يريد إعادة إطلاق مسار الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي، وأنه ينوي «أخذ المبادرة» للعودة إلى برنامج الطائرات المقاتلة «إف-35»، وفي الوقت نفسه تطبيع العلاقات مع دمشق، و«تحقيق الأهداف التي تضمن حماية الحقوق المكتسبة لجمهورية شمال قبرص التركية». لكن البرنامج لا يأتي على ذكْر الولايات المتحدة؛ ربّما بسبب «تبنّي الأتراك، منذ وقت طويل، آراء سلبية عموماً عن السياسة الخارجية الأميركية». ويلفت كوك، في هذا الإطار، إلى أن السياسيين الأتراك، بمن فيهم كيليتشدار أوغلو، «رسّخوا هذه الظاهرة ووسّعوا نطاقها لأنها تمنحهم منافع سياسية معيّنة»، معطياً مثالاً على ذلك، محاولة مرشّح المعارضة التقليل من شأن الزيارتَين اللتَين قام بهما إلى واشنطن خلال السنوات العشر الأخيرة، ليخلص إلى أن ما تقدَّم «لا يَحمل مؤشّراً إيجابيّاً لمسار العلاقات الثنائية مستقبلاً». وفي المقابل، ثمّة مَن يتحدّث عن عواقب استراتيجية لانتصار كيليتشدار أوغلو على إردوغان، بفعل التحوّل الذي ستشهده البلاد على مستوى السياسة الخارجية، علماً أن تقريراً لمؤسّسة «كارنيغي»، للباحثَين مارك بييريني وفرانسيسكو سيكاردي، يقرّ أيضاً بأن «بعض الخلافات الحالية، كالمشكلات مع قبرص وسوريا لن تختفي». لكن «الجانب المضيء»، بالنسبة إلى الغرب، وفق التقرير نفسه، هو أن أنقرة ستتحرّك على الفور لتطبيع علاقاتها مع «الناتو»؛ ما يعني أنه «إذا ما عادت القيادة التركية الجديدة إلى لعب دور أكثر إيجابية داخل الحلف، مع الحفاظ على علاقات اقتصادية قويّة مع روسيا، فإن التداعيات الاستراتيجية ستكون بالغة الأهميّة»، فضلاً عن أن القيادة الجديدة «ستبذل جهوداً لمنع روسيا من التملّص من العقوبات الغربية في عدد من القطاعات»، وقد توافق أيضاً على انضمام السويد إلى «الأطلسي».
«يُمنّي القادة الغربيون النفس برؤية ظهر إدوغان وهو يغادر منصبه»، وفق تعبير ساقه المحلّل في «بلومبرغ»، بوبي جوش. ولأن الرَجل بات مصدر إزعاج في الدوائر الغربية والأميركية خصوصاً، تتزايد النظرة إلى الانتخابات التركية على أنها «الأهمّ في العالم حالياً»، لا سيما وأن أطرافاً دولية عدّة تترقّب نتيجتها؛ ومنها واشنطن التي ترتكز رؤيتها للمشهد الانتخابي على مقاربة قِوامها الحملات الإعلامية المضادّة لإردوغان وحزبه، والتَعهُّد الذي قطعه الرئيس الأميركي، جو بايدن، حينما كان لا يزال مرشّحاً للرئاسة، بالعمل على دعم المعارضة لإطاحة الرئيس الحالي. وإذ يرى كثيرون أن هزيمة إردوغان ستعني تحوّل تركيا إلى دولة أكثر ارتياحاً لموقعها داخل الكتلة الغربية، ما «سيشكّل إنجازاً غربيّاً مهمّاً لتسكين الصداع الذي سبّبه إردوغان»، يُجمل جوش أسباب رغبة الغرب في إطاحة زعيم «العدالة والتنمية»، بالقول: «لقد قوّض أمن الناتو من خلال الحصول على أنظمة دفاع صاروخية من روسيا، وأحبط التحالف من خلال منع عضوية السويد وفنلندا، وهدّد مراراً بإغراق أوروبا باللاجئين، وألقى خطابات عدوانية تجاه اليونان، وبدت علاقات أنقرة مع واشنطن في عهده متوتّرة إلى درجة أن كبار المسؤولين الأتراك يتّهمون الولايات المتحدة بشكل روتيني بدعم انقلاب ضدّ إردوغان، وبالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية».